الرجل الذي أنقذ أمريكا ليمتلكها.. كيف طوع جي بي مورغان الاقتصاد لسلطته؟

نيسان ـ نشر في 2025/12/28 الساعة 00:00
يعد جون بييربونت مورغان، المعروف باسم جي بي مورغان، أحد أبرز المصرفيين في تاريخ الولايات المتحدة، وركيزة أساسية في صناعة البنوك والشركات الكبرى، لعب دورا حاسما في تمويل ودمج شركات صناعية كبرى، كما ساهم في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي خلال أزمة 1907 المالية، ما جعل اسمه رمزا للقوة والنفوذ المالي في عصره.
ولد جون بيربونت مورغان في 17 أبريل 1837 في هارتفورد بولاية كونيتيكت لعائلة ثرية ونافذة، ليصبح لاحقا أحد أعظم عمالقة المالية والصناعة في التاريخ الأمريكي.
والده، جونياس سبنسر مورغان، كان رجل أعمال ثري وعُرف بقدرته على مضاعفة الثروات، فيما جاءت والدته، جوليت، من عائلة فنية ومثقفة كان لها دور بارز في تأسيس جامعة ييل، كما أسهم أفرادها في المشهد الثقافي الأمريكي من خلال الموسيقى والشعر، وفقا لموقع yourstory.
عانى مورغان في طفولته من مشاكل صحية ونوبات مرضية، قضى معظم وقته في المنزل، لكنه استثمر فترات صحته في زيارة المعارض الفنية والمسرح، ما غرس فيه شغفا مبكرا بالفنون، وهو الشغف الذي ظل ملازما له طوال حياته.
رغم هذه التحديات، تلقى مورغان تعليما متميزا في نيو إنجلاند، قبل أن ينتقل مع أسرته إلى أوروبا عام 1854، حيث درس في مدارس سويسرا وألمانيا، وأتقن الفرنسية والألمانية، وتعلم التاريخ والفنون والرياضيات، ما أعده لمسار مستقبلي في عالم المال والأعمال.
بدأ مورغان مسيرته المهنية في لندن ككاتب لدى شركة Duncan, Sherman & Co، وكسب سريعا سمعة رجل أعمال ذكي وحاسم. عام 1861، أسس شركته الخاصة، والتي أصبحت فيما بعد J Pierpont Morgan & Co، لتبدأ رحلة طويلة من الهيمنة على القطاع المالي الأمريكي.
وفي حياته الشخصية، عانى مورغان مأساة كبيرة بفقد زوجته الأولى أميليا ستورجز بعد أشهر قليلة من الزواج، وهو ما دفعه للانغماس في عمله بشكل كامل.
خلال الحرب الأهلية الأمريكية، تورطت شركته في جدل حول تمويل شراء أسلحة عُرفت باسم "فضيحة بندقية هول كارباين"، وأثارت اتهامات بالربح على حساب الجنود، لكنه خرج من التحقيقات القضائية بلا تهمة، بعد ذلك، وسع مورغان شركته بالتعاون مع تشارلز دابني وأنتوني دريكسل، لتصبح Drexel, Morgan & Co، وبدأت شراكاته مع كبار الصناعيين الأمريكيين، ما مكنه من فرض نفوذه في صناعة السكك الحديدية واحتكارها بطريقة عرفت لاحقا باسم "مورغانايزيشن"، التي اعتمدت على شراء الشركات الضعيفة ودمجها، وخفض الأجور، وإعادة الهيكلة المالية لتحقيق أقصى ربحية.
كما كان لمورغان دور محوري في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، إذ تدخل شخصيا خلال أزمة 1893 وأزمة 1907، وأسس فرقا لشراء الذهب من المستثمرين الأجانب وإعادة بيعه للحكومة الأمريكية، ليصبح بذلك البنك المركزي الفعلي للولايات المتحدة قبل تأسيس الاحتياطي الفيدرالي عام 1913.
لم يقتصر تأثيره على المال فحسب، بل كان من أوائل المستثمرين في الكهرباء، مدعما شركة توماس إديسون ومنافسا الصناعي جون دي روكفلر، كما ساهم في تأسيس شركات ضخمة مثل US Steel وGeneral Electric وInternational Harvester، مؤسّسا عدة احتكارات صناعية ضخمة.
على الصعيد الشخصي، عرف مورغان بجمعه للفنون والتحف النادرة، إذ امتلك أكثر من 20 ألف قطعة فنية، وأسس مكتبة ضخمة للكتب النادرة والمخطوطات في منزله في مانهاتن، أصبحت لاحقا مكتبة ومتحف مورغان، وكان لديه أيضا واحدة من أهم مجموعات الأحجار الكريمة في الولايات المتحدة، تضمنت حجرا سماه العلماء باسم "مورغانايت" تكريما له.
توفي مورغان في روما في 1 أبريل 1913 عن عمر يناهز 75 عاما، تاركا إرثا ضخما يقدَّر بحوالي 80 مليون دولار في حينها (2.5 مليار دولار اليوم)، وهو إرث لم يقتصر على المال فحسب، بل امتد ليشمل هيكلة الاقتصاد الأمريكي، دعم الفنون، والتأثير على السياسة الوطنية، البنك الذي يحمل اسمه اليوم، JPMorgan Chase & Co.، ما زال من أكبر البنوك في العالم، شاهداً على قوة تأثيره واستراتيجيته المالية التي شكلت الاقتصاد الأمريكي الحديث.
جي بي مورغان، الذي وُصف بـ"بارون السطو" بسبب نفوذه وطرق عمله القاسية، يظل رمزا مزدوجا: رجل أعمال شرس وفاعل خير كبير، ساهمت تصرفاته في تغيير وجه الاقتصاد الأمريكي والعالمي إلى الأبد.
لماذا سمي جي بي مورغان بارون السطو؟
أطلق عليه النقاد لقب "بارون السطو" (Robber Baron)، وهو لقب نقدي يعكس الجدل حول طرق جمعه للثروة بسبب:
التحكم في الأسواق وخلق الاحتكارات:
مورغان جمع ثروته عبر الاستحواذ على شركات منافسة ودمجها تحت شركات أكبر، ما أدى إلى سيطرته على قطاعات مهمة مثل السكك الحديدية، الصلب، والبنوك، هذا الاحتكار حد من المنافسة وأعطى مورغان القدرة على تحديد الأسعار والسياسات بما يخدم مصالحه.
الثراء السريع على حساب الآخرين
النقاد رأوا أن مورغان جمع ثروته بأساليب تشبه السطو القانوني، مستفيدا من القوانين غير المشددة آنذاك، كانوا يعتبرون أن أرباحه الكبيرة جاءت على حساب الشركات الأصغر، المساهمين، والعمال.
الدعم السياسي واستخدام النفوذ المالي
مورغان كان له نفوذ سياسي كبير، واستخدمه لتأمين مصالحه الاقتصادية، مما أعطى انطباعا بأن ثروته ونفوذه لم يكونا نتيجة للكفاءة الاقتصادية فقط، بل أيضا للضغط السياسي والتحكم في الأسواق.
الانتقاد الاجتماعي
الصحافة والإصلاحيون في ذلك الوقت أطلقوا على مورغان لقب "بارون السطو" للتعبير عن استنكارهم للثراء الفاحش غير المتوازن، وللتأكيد على أن قوته الاقتصادية كانت أحيانا على حساب الصالح العام.
لقب "بارون السطو" يعكس التوتر بين الثروة الهائلة والنفوذ الكبير لمورغان والطريقة التي حصل بها على هذه الثروة، والتي رأى النقاد أنها غير عادلة وتقوم على استغلال المنافسين والعمال والقوانين الضعيفة في ذلك الوقت.
    نيسان ـ نشر في 2025/12/28 الساعة 00:00