سقوط أوراق التوت عن إسرائيل

رشاد ابو داود
نيسان ـ نشر في 2025/12/30 الساعة 00:00
لم يعد أغلب المواطنين الأميركيين يسألون كيف ندعم اسرائيل، بل لماذا ندعم اسرائيل؟ بين «كيف» و»لماذا» يحدث انقلاب تاريخي غير مسبوق في النظرة الأميركية إلى اسرائيل. انقلاب يحدث لأول مرة منذ إنشاء الكيان على أرض فلسطين العام 1948.
شرخ في العلاقات تنبع أهميته من أن فئة مؤثرة في المجتمع الأميركي، خاصة اليمين المتشدد، كانت من أشد الداعمين لاسرائيل، بدأت تتحول إلى معارضين لهذا الدعم، وفي مقدمتهم الإعلامي الذي يتابع برامجه سبعة ملايين أميركي «تاكر كارلسون».
كارلسون كان في بداياته، وخاصة في فوكس نيوز، يلتزم بخط الحزب الجمهوري السائد المتمثل في دعم اسرائيل باعتبارها حليفا استراتيجيا، وترديد خطاب «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط».
الانقلاب لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل في المصيدة التي أوقع الرئيس ترمب نفسه والحزب الجمهوري فيها، والمتمثلة في رفع شعار «أميركا أولا»، والذي انبثقت عنه حركة «ماغا» اختصار لشعار «لنعد أميركا عظيمة ثانية»
maga
Make America great again
ومن جوهر هذا الشعار وُلدت تساؤلات كارلسون وآخرون من داخل حركة ماغا، «طالما أن أميركا أولا إذن لماذا نخوض حروبا خارجية، وما مصلحة المواطن الأميركي في الدعم غير المشروط لاسرائيل». ثم تدحرجت الفكرة إلى الانتقال من نقد السياسات إلى نقد نفوذ اللوبي اليهودي وجماعات الضغط الصهيونية الداعمة لاسرائيل، وأكثرها تأثيرا «الآيباك»، على الرئاسات الأميركية.
وقد وصف كارلسون الدعم الأميركي المطلق لاسرائيل بأنه تورط أخلاقي وسياسي، واستضاف في برامجه أصواتا تنتقد اسرائيل، بعضها غير مسبوق في وسائل الإعلام الأميركية المحافظة.
وتطورت الفكرة إلى الحديث عما كان يعتبر «محرمات» تمنع مناقشة كل ما يتعلق بدعم اسرائيل، وتوجيه الاتهام الجاهز «معاداة السامية» لكل من يعارض سياسة حكومات اسرائيل، بخاصة حكومة أقصى التطرف الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو. وذهب هذا التيار إلى أبعد من ذلك، إلى التشكيك في العقيدة الصهيونية بأن اليهود «شعب الله المختار». قال كارلسون: من غير المعقول أن يكون الرب اختار فئة من مخلوقاته لتكون أفضل من غيرها. وقد سبق كارلسون المؤثر الأميركي تشارلي كيرك، الذي هو الآخر تحول من داعم إلى معارض وفاضح لاسرائيل. وتم اغتياله، والمشتبه بالاغتيال أصابع الموساد.
تتمثل هذه العقيدة في ما يروجه حكماء صهيون المعروفة بأنهم الأسياد، وكل من غيرهم الأغيار الذين يجب أن يكونوا عبيدا لهم، ويبيحون قتل حتى الأطفال ممن يعاديهم. وهذا ما يمارسه الصهاينة الجدد أمثال سموتريتش وبن غفير حاليا ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة.
ترمب نفسه اعترف في أحد تصريحاته بتراجع دعم اسرائيل في الكونغرس والمجتمع الأميركي خلال الحرب على غزة، حين قال: «من كان يقول كلمة ضد اسرائيل كان يتم استبعاده من الحياة السياسية، اليوم يتم استبعاد من يقول كلمة لصالحها».
حزب ترمب الجمهوري يتفسخ الآن إلى عدة أقسام بفعل سؤال «لماذا ندعم اسرائيل؟!»، والتغير يحصل في فئة الشباب تحت سن الثلاثين.
رغم كل التضحيات، فقد أحدثت غزة هذا الزلزال، وكانت عاصفة عرّت اسرائيل من كل أوراق التوت التي كانت تتغطى بها. وما يحدث من انقسام في أميركا يحدث أخطر منه في اسرائيل. ولا أدل من ذلك وأوضح ما قاله أهارون باراك، القاضي الأول في اسرائيل، الذي مثلها في محكمة العدل الدولية التي أقرت أن ما تمارسه اسرائيل في غزة «إبادة جماعية»:
«نتنياهو يسيطر على الحكومة، الحكومة تسيطر على الكنيست «البرلمان»، نحن نتجه إلى الدكتاتورية، لم نعد نشعر أننا مواطنون بل رعايا».
    نيسان ـ نشر في 2025/12/30 الساعة 00:00