'بارجة ترامب' العسكرية تواجه عراقيل.. 'حلم قد لا يرى النور'
نيسان ـ نشر في 2025/12/30 الساعة 00:00
فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا، بفئة جديدة من “السفن الحربية”، قال إنها ستكون أقوى 100 مرة من السفن التقليدية.
وبحسب إعلان ترامب في 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن هذه السفن ستجسد عودة أمريكا الكاسحة إلى البحار، وتعيد رسم موازين القوة البحرية. غير أن قراءة متأنية للتفاصيل التقنية والمالية والعقائدية المرتبطة بالمشروع تقود إلى استنتاج مختلف تمامًا: هذه السفينة، على الأرجح، لن تبحر أبدًا.
إذ إن تقديرات خبراء، من بينهم باحثون في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تشير إلى أن المشروع يواجه عقبات جوهرية منذ لحظة الإعلان عنه. أولها يتعلق بالتصميم نفسه.
فالسفينة المقترحة، التي يتراوح وزنها بين 30 و40 ألف طن، ستكون أكبر بكثير من أي سفينة سطحية بنتها الولايات المتحدة خلال الثمانين عامًا الماضية، باستثناء حاملات الطائرات.
وللمقارنة، فإن مدمرات فئة “زوموالت (دي دي جي-1000)، التي لم يُبنَ منها سوى ثلاث سفن، يبلغ وزن الواحدة نحو 15 ألف طن فقط، ومع ذلك استغرق برنامجها أكثر من 11 عامًا منذ انطلاقه عام 2005 حتى دخول أول سفينة الخدمة عام 2016.
أما السفينة الجديدة، التي ستكون أكثر من ضعف هذا الحجم وأكثر تعقيدًا، وقادرة على حمل أسلحة نووية وأسلحة طاقة موجهة، فمن المرجح – إذا بُنيت أصلًا – ألا تدخل الخدمة قبل أوائل أو منتصف ثلاثينيات هذا القرن.
ترامب خلال الإعلان عن السفينة الجديدة
العقبة الثانية، وربما الأثقل، هي التكلفة. فالمدمرة الحالية من فئة “أرلي بيرك (دي دي جي-51)، التي يبلغ وزنها نحو 9 آلاف طن، تصل تكلفة الواحدة منها إلى 2.8 مليار دولار.
ووفق تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، فإن مدمرة مستقبلية بوزن 14.5 ألف طن ستكلف نحو 4.4 مليار دولار.
وبناءً على هذا المعيار، قد تصل تكلفة السفينة الجديدة إلى أكثر من 9 مليارات دولار، مع احتمال أن ترتفع تكلفة النسخة الأولى وحدها إلى نحو 13.5 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبًا تكلفة حاملة طائرات كاملة.
ويُضاف إلى ذلك التضخم الحاد في قطاع بناء السفن، والنقص الكبير في العمالة الماهرة، والتنافس الشديد بين أحواض بناء السفن على استقطاب الخبرات، ما يرجح ارتفاع الكلفة إلى مستويات أعلى.
من زاوية العقيدة العسكرية، يصطدم المشروع مباشرة بمفهوم العمليات الجديد للبحرية الأمريكية، القائم على “القوة الموزعة”.
هذا المفهوم يعتمد على نشر عدد كبير من المنصات الأصغر حجمًا وربطها بشبكة واحدة، بما يزيد من الفعالية القتالية ويقلل المخاطر.
في المقابل، يقوم مقترح “البارجة الصاروخية” على بناء عدد محدود من السفن الضخمة شديدة الكلفة، ما يجعلها أهدافًا مغرية في أي صراع عالي الكثافة، ويقوض منطق العمليات الموزعة الذي تتبناه البحرية.
ويثير المشروع جدلًا إضافيًا حول التسمية. فمصطلح “بارجة” يُستخدم تاريخيًا للإشارة إلى سفن مدرعة ثقيلة مزودة بمدافع عملاقة، وهو ما لا ينطبق على هذه السفن الجديدة، التي يُرجح أن تكون مسلحة بمدافع من عيار خمس بوصات وصواريخ بعيدة المدى، أقرب في طبيعتها إلى “طرادات قتالية صاروخية موجهة”، مثل السفن الروسية من فئة “كيروف”.
ومع ذلك، تخطط البحرية لتصنيفها كفئة جديدة تحت مسمى “بارجة صواريخ موجهة (بي بي جي)، في خطوة تعكس طابعًا سياسيًا لا يقل عن بعدها العسكري، خاصة مع الحديث عن تسميتها “فئة ترامب”، في خرق واضح للأعراف التقليدية لتي لا تفضل تسمية السفن الحربية باسم أشخاص أحياء.
كما يصف الرئيس هذه السفن بأنها “الأقوى في التاريخ”، وهي مقارنة يراها الخبراء إشكالية. فالسفن الحربية القديمة كانت مصممة للاشتباك المباشر على مسافات قصيرة نسبيًا، بينما تعتمد السفن الحديثة على ضربات دقيقة بعيدة المدى تمتد لمئات الأميال.
ترامب خلال الإعلان عن السفينة الجديدة
وقد تتفوق السفن الجديدة من حيث مدى النيران، لكنها تظل أقل قدرة على الصمود في مواجهة مباشرة تقليدية، حيث صُممت البوارج القديمة تحديدًا لهذا النوع من القتال.
الخطة المعلنة تتحدث عن بناء سفينتين مبدئيًا، ثم التوسع إلى 10، وربما إلى 20 أو 25 سفينة لاحقًا، غير أن تجربة برنامج “زوموالت” تقدم درسًا تحذيريًا واضحًا، إذ بدأ بطموح يتراوح بين 18 و24 سفينة، ثم تقلص إلى عشر، وانتهى بثلاث فقط، مع قفزات هائلة في التكلفة.
وفي حال تكرر السيناريو نفسه، فإن برنامج بارجة صواريخ موجهة (بي بي جي)، مرشح لأن يُلغى بعد سنوات من التطوير وإنفاق مليارات الدولارات دون عائد عملي.
الرؤية الجديدة تتضمن أيضا إدخال أسلحة نووية إلى السفن السطحية، في عودة إلى ممارسات الحرب الباردة، بعدما توقفت الولايات المتحدة عن هذا النهج عام 1991.
كما تراهن البحرية على استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم السفن، وهو توجه واعد نظريًا، لكنه لا يلغي حقيقة أن السفن الكبيرة والمعقدة تستغرق وقتًا طويلًا وتكلفة باهظة في التنفيذ.
وخلص تقرير المركز إلى أنه بالرغم من تأكيد إدارة ترامب على ضرورة توسيع الأسطول وبناء مزيد من السفن، فإن مشروع “البارجة الصاروخية” ينطوي على مخاطر استراتيجية ومالية مرتفعة.
ومع اتضاح التكلفة الحقيقية والجدول الزمني الممتد، يرجح كثير من الخبراء أن يُلغى البرنامج في نهاية المطاف، بعد أن يكون قد استنزف سنوات من العمل ومليارات الدولارات.
والبديل الأكثر واقعية، بحسب هؤلاء، هو تحديث التصاميم الحالية المجربة وزيادة وتيرة إنتاجها، بدل الدخول في برامج تطوير طموحة قد لا تنتج قدرات فعلية في الوقت المناسب.
وبحسب إعلان ترامب في 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن هذه السفن ستجسد عودة أمريكا الكاسحة إلى البحار، وتعيد رسم موازين القوة البحرية. غير أن قراءة متأنية للتفاصيل التقنية والمالية والعقائدية المرتبطة بالمشروع تقود إلى استنتاج مختلف تمامًا: هذه السفينة، على الأرجح، لن تبحر أبدًا.
إذ إن تقديرات خبراء، من بينهم باحثون في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تشير إلى أن المشروع يواجه عقبات جوهرية منذ لحظة الإعلان عنه. أولها يتعلق بالتصميم نفسه.
فالسفينة المقترحة، التي يتراوح وزنها بين 30 و40 ألف طن، ستكون أكبر بكثير من أي سفينة سطحية بنتها الولايات المتحدة خلال الثمانين عامًا الماضية، باستثناء حاملات الطائرات.
وللمقارنة، فإن مدمرات فئة “زوموالت (دي دي جي-1000)، التي لم يُبنَ منها سوى ثلاث سفن، يبلغ وزن الواحدة نحو 15 ألف طن فقط، ومع ذلك استغرق برنامجها أكثر من 11 عامًا منذ انطلاقه عام 2005 حتى دخول أول سفينة الخدمة عام 2016.
أما السفينة الجديدة، التي ستكون أكثر من ضعف هذا الحجم وأكثر تعقيدًا، وقادرة على حمل أسلحة نووية وأسلحة طاقة موجهة، فمن المرجح – إذا بُنيت أصلًا – ألا تدخل الخدمة قبل أوائل أو منتصف ثلاثينيات هذا القرن.
ترامب خلال الإعلان عن السفينة الجديدة
العقبة الثانية، وربما الأثقل، هي التكلفة. فالمدمرة الحالية من فئة “أرلي بيرك (دي دي جي-51)، التي يبلغ وزنها نحو 9 آلاف طن، تصل تكلفة الواحدة منها إلى 2.8 مليار دولار.
ووفق تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، فإن مدمرة مستقبلية بوزن 14.5 ألف طن ستكلف نحو 4.4 مليار دولار.
وبناءً على هذا المعيار، قد تصل تكلفة السفينة الجديدة إلى أكثر من 9 مليارات دولار، مع احتمال أن ترتفع تكلفة النسخة الأولى وحدها إلى نحو 13.5 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبًا تكلفة حاملة طائرات كاملة.
ويُضاف إلى ذلك التضخم الحاد في قطاع بناء السفن، والنقص الكبير في العمالة الماهرة، والتنافس الشديد بين أحواض بناء السفن على استقطاب الخبرات، ما يرجح ارتفاع الكلفة إلى مستويات أعلى.
من زاوية العقيدة العسكرية، يصطدم المشروع مباشرة بمفهوم العمليات الجديد للبحرية الأمريكية، القائم على “القوة الموزعة”.
هذا المفهوم يعتمد على نشر عدد كبير من المنصات الأصغر حجمًا وربطها بشبكة واحدة، بما يزيد من الفعالية القتالية ويقلل المخاطر.
في المقابل، يقوم مقترح “البارجة الصاروخية” على بناء عدد محدود من السفن الضخمة شديدة الكلفة، ما يجعلها أهدافًا مغرية في أي صراع عالي الكثافة، ويقوض منطق العمليات الموزعة الذي تتبناه البحرية.
ويثير المشروع جدلًا إضافيًا حول التسمية. فمصطلح “بارجة” يُستخدم تاريخيًا للإشارة إلى سفن مدرعة ثقيلة مزودة بمدافع عملاقة، وهو ما لا ينطبق على هذه السفن الجديدة، التي يُرجح أن تكون مسلحة بمدافع من عيار خمس بوصات وصواريخ بعيدة المدى، أقرب في طبيعتها إلى “طرادات قتالية صاروخية موجهة”، مثل السفن الروسية من فئة “كيروف”.
ومع ذلك، تخطط البحرية لتصنيفها كفئة جديدة تحت مسمى “بارجة صواريخ موجهة (بي بي جي)، في خطوة تعكس طابعًا سياسيًا لا يقل عن بعدها العسكري، خاصة مع الحديث عن تسميتها “فئة ترامب”، في خرق واضح للأعراف التقليدية لتي لا تفضل تسمية السفن الحربية باسم أشخاص أحياء.
كما يصف الرئيس هذه السفن بأنها “الأقوى في التاريخ”، وهي مقارنة يراها الخبراء إشكالية. فالسفن الحربية القديمة كانت مصممة للاشتباك المباشر على مسافات قصيرة نسبيًا، بينما تعتمد السفن الحديثة على ضربات دقيقة بعيدة المدى تمتد لمئات الأميال.
ترامب خلال الإعلان عن السفينة الجديدة
وقد تتفوق السفن الجديدة من حيث مدى النيران، لكنها تظل أقل قدرة على الصمود في مواجهة مباشرة تقليدية، حيث صُممت البوارج القديمة تحديدًا لهذا النوع من القتال.
الخطة المعلنة تتحدث عن بناء سفينتين مبدئيًا، ثم التوسع إلى 10، وربما إلى 20 أو 25 سفينة لاحقًا، غير أن تجربة برنامج “زوموالت” تقدم درسًا تحذيريًا واضحًا، إذ بدأ بطموح يتراوح بين 18 و24 سفينة، ثم تقلص إلى عشر، وانتهى بثلاث فقط، مع قفزات هائلة في التكلفة.
وفي حال تكرر السيناريو نفسه، فإن برنامج بارجة صواريخ موجهة (بي بي جي)، مرشح لأن يُلغى بعد سنوات من التطوير وإنفاق مليارات الدولارات دون عائد عملي.
الرؤية الجديدة تتضمن أيضا إدخال أسلحة نووية إلى السفن السطحية، في عودة إلى ممارسات الحرب الباردة، بعدما توقفت الولايات المتحدة عن هذا النهج عام 1991.
كما تراهن البحرية على استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم السفن، وهو توجه واعد نظريًا، لكنه لا يلغي حقيقة أن السفن الكبيرة والمعقدة تستغرق وقتًا طويلًا وتكلفة باهظة في التنفيذ.
وخلص تقرير المركز إلى أنه بالرغم من تأكيد إدارة ترامب على ضرورة توسيع الأسطول وبناء مزيد من السفن، فإن مشروع “البارجة الصاروخية” ينطوي على مخاطر استراتيجية ومالية مرتفعة.
ومع اتضاح التكلفة الحقيقية والجدول الزمني الممتد، يرجح كثير من الخبراء أن يُلغى البرنامج في نهاية المطاف، بعد أن يكون قد استنزف سنوات من العمل ومليارات الدولارات.
والبديل الأكثر واقعية، بحسب هؤلاء، هو تحديث التصاميم الحالية المجربة وزيادة وتيرة إنتاجها، بدل الدخول في برامج تطوير طموحة قد لا تنتج قدرات فعلية في الوقت المناسب.
نيسان ـ نشر في 2025/12/30 الساعة 00:00