الأردني وماكينة التهشيم
نيسان ـ نشر في 2016/01/07 الساعة 00:00
لقمان إسكندر
من عادات الأردنيين إنجاب رؤوسا ترفع الرأس، ومن عاداتهم أيضا أن ينكسوها لاحقا. وإذا كان مسموحا به ظهور من يظهر عنوة ساعة، فمن غير المسموح إظهاره. والأردنيون في ذلك سواء معارض وموال.
في بلاد الدنيا هناك إيقونات يمينية محافظة، وأخرى منفتحة. شخصيات رمزية من كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهناك إيقونات "فوق الفوق"، تترفع، ولا تقبل العيش إلا على أسرة من غيم. وهذا ما نطلق عليه اسم الزعامات.
وفي بلاد الدنيا تحرص الشعوب على تصنيع شعراء وعلماء وسياسيين وعباقرة، غير معينيين بقرار رسمي، في كل ركن لها. وفي تلك البلاد يحرص الإعلام على رعاية إيقونات الناس بحدقة الكلمة.
المصريون مهرة في هذه الصناعة. السوريون أيضا، ولك في الفلسطينيين شاهد.
الأردني .. متى ولد وأين نشأ وكيف ولماذا.. لا يهم. في بلاد الدنيا تصنع الإيقونات برمش العين، ليشعر الناس أنهم ما زالوا بخير. فيما نصنع إيقوناتنا من الأموات. هذا أقل كلفة. فالميت لا يخيف، وهناك ضمانة أن لا يخرج من قبره ليفعل شيئا، فما يجري من عمليات تصنيع غير جادة، لا طائل منها على الإطلاق، وتنساق في غايات: (يكاد المريب أن يقول خذوني).
منذ نحو العشرين عاما ومحاولات واعية تجري لتخليق إيقونات متفق عليها. وحتى لا نغضب أحدا لن نأت على ذكر أسماء.
في البدء قلت: ربما من المهم أن أكتب عن نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني إرشيد، بعد أن تحول الى إيقونة معارضة يصعب تخطيها. فنظرت فإذا كل الإيقونات الموالية والمعارضة في البلد مظلومة.
وفي البدء قلت أيضا: الظرف مناسب للكتابة عن رجل تحول الى رمز بعين الموالاة، مثلما هو في عين المعارضة. وقلت أيضا: لعلي أبحث عن مولده، وأين خطا خطوته الأولى، وكيف عاش، وأين درس، وماذا يقول عنه المقربين له، والبعيدين عنه.
لكني انتهيت الى ما يلي: ربما من المهم اليوم أن اكتب عن الأردني. الأردني هو، والأردنية هي، والأردنيين هم.
هنا قررت أن افتح دفتر الموالاة، فوجدت عشرات الشخصيات ممن تستحق أن تتحول الى إيقونة شعبية. كذا فعلت مع المعارضة. لكني ذهلت من مستوى عمليات الإخصاء التي تجري بحق الجميع. إنها تسحق الجميع على الدوام.
عبدالكريم الكباريتي، وتوجان فيصل، وعون الخصاونة، وليث شبيلات، وعبدالرؤوف الروابدة، وعبداللطيف عربيات، وعبدالهادي المجالي، وزعمات الحراك... والقيادات الإسلامية واليسارية والقومية، والاحزاب الوسطية.. كلهم أدخلوا عنوة ماكنة التهشيم.
ليس هذا ما يدعو الى القلق، بل في وجود "ثقافة إخصاء شعبية"، جرى تعميمها حتى سادت، من أصغر مكونات المجتمع "الأسرة" الى الأوسع، تحت طائل مصطلحات "الأبوية" السياسية والاجتماعية والاقتصادية و..
نيسان ـ نشر في 2016/01/07 الساعة 00:00