جعجع .. أحد قادة الحرب الاهلية ينزل عن حبل المشنقة ليجدد انطلاقة الفوضى
نيسان ـ نشر في 2016/01/20 الساعة 00:00
لقمان إسكندر
إذا كنت تقرأ التجربة اللبنانية على أنها افتراق بين الابيض والاسود فلا تجزع إذا خانتك النتائج والاستخلاصات.
في بيروت لا وجود لفواصل وحدود واضحة في دائرة الاحداث، فالأمور متشابكة الى أبعد حد، وما عليك وسط لعبة التيه الا ان تضع عددا من الاشارات المختلفة في التقاطعات المتشابهة لتحدد منها موقعك في الدائرة. أين بالضبط تقف وماذا عليك ان تفعل؟!
تلك أرض حبلى بالتناقضات .. وهناك ولد.
سمير فريد جعجع رئيس الهيئة التنفيذيّة لحزب القوات اللبنانية, احدى الميليشيات السابقة التي لعبت دورا محوريا في الحرب الاهلية اللبنانية، المولود من عائلة مارونية في العام 1952.
عندما رشح جعجع عدو السعودية اللدود ميشيل عون كتبت الاعلامية اللبنانية مي شدياق تغريدة من كلمتين تعبران عن لبنان بأسره: (ودارت الأيام. .)
في لبنان تدور الايام دوما. والمقامر وحده من يفرح بأي نصر ظاهر في أي حدث هناك.
ليس مستغربا أن نعتمد عليه ليكون أحد تقاطعات التيه اللبناني، فقد بدأت فاعليته بالنمو عندما انتهى مخاض الصراعات السياسية في فترة الإستعمار الفرنسي لسوريا ولبنان بعملية قيسرية ولدت مسخا سيعرف بالحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990) التي لن تكف عن صياغة المستقبل حتى اللحظة للبنانيين.
إبرز ما اشتهر به الرجل انه احد ابرز زعماء هذه الحرب القذرة وانه حليف لإسرائيل وانه معارض لسورية.. لكن في لبنان ليس هناك خطوط فاصلة بين المتناقضات فـ "الأنا والآخر" هويتان نسبيتان، لا تعبران عن نفسيهما بقدر ما تعبران عن الغرف المغلقة خارج الحدود.
هل هذا يعني أن الهويات في لبنان مجرد أدوات تظهر كيميائها بلكنة لبنانية رغم أن اللغة أجنبية؟ هو ذاك.
كانت بداية الحرب الأهلية بوقوع مجزرة عين الرمانة - إحدى ضواحي بيروت - وهو نفس المكان الذي ولد فيه جعجع، وراح ضحيتها 27 فلسطينيا، وقبلها المحاولة الفاشلة لاغتيال الزعيم الماروني بيير الجميل الذي اغتيل لاحقا في العام 1982 بعد ان انتخب رئيسا للجمهورية، بعد سبع سنوات من تأسيسه مليشيات سيطلق عليها اسم "القوات اللبنانية" وهي الذراع العسكري للجبهة البنانية في 13 إبريل 1975.
وهي القوات التي يترأسها اليوم جعجع نفسه تلك التي سلمت اسلحتها بعد اتفاق الطائف 1989 وتحولت إلى حزب سياسي ثم حظر، الى ان خرجت القوات السورية من لبنان في العام 2005 ، فإُذن لهذا الحزب بدء انطلاقة جديدة بالمشاركة في انتخابات خصص له فيها كراسي في البرلمان.
عندما اندلعت الحرب الاهلية في بلاده في العام 1975 كان جعجع يدرس الطب في الجامعة الامريكية في بيروت فتركها لينتقل الى جامعة القديس يوسف، لكنه ما لبث في العام 76 ان قطع دراسته ليشارك في القتال ضد التنظيمات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ولكنه سيعود لاحقا الى دراسته بعد مجازر مخيم "تل الزعتر" التي راح ضحيتها اكثر من ألفي فلسطيني.
دفعت المجزرة الساحة اللبنانية الى الهدوء قليلا، وكان على جعجع ان يستريح هو الاخر قليلا، لكن أشهر معدودة فقط ليتجدد القتال لاحقا، ويعود الى سلاحه، بعد ان طلب منه بشير الجميل الالتحاق بالقوات اللبنانية التي جرى تشكيلها حديثا آنذاك.
في نظر المارونيين، تبدأ فكرة امكانية تشكله كبطل طائفي في هذه المرحلة عندما يصاب اصابة خطرة في احدى المعارك فينقل على عجل الى فرنسا للعلاج. لكنه يشفى من إصابته، فيعود ليستقبل استقبال الابطال في أوساط الكتائبيين.
وفي العام 1978 يقود جعجع فرقة من المليشيات خاصة فيغتال النائب طوني فرنجية نجل رئيس الجمهورية اللبناني الأسبق سليمان فرنجية بعد عامين من دخول القوات السورية الى لبنان.
وبين العامين 1982 و1984 ينشغل في جبل الشوف المسيحي الدرزي بعد انسحاب القوات الاسرائيلية منه، فيقاتل الميليشيا الدرزية لكنه انسحب في نهاية المطاف.
في هذه المرحلة يعين مسؤول الكتائب والقوات اللبنانية في "القطاع الشمالي من الجبهة", ويباشر بإعادة بناء وتنظيم القواعد العسكرية للميليشيا المسيحية في منطقة الجبل, في مواجهة التحصينات السورية. ويبدأ يرى نفسه رمز طائفيا ينتقد الزعامات المسيحية قال وقتها انها تقليدية.
ولكنه لم يكن يعلم وقتها ان رمزيته هذه لن تؤهله في تلك الحقبة الى الذهاب بعيدا فيطرد من حزب الكتائب، فهل انصاع؟ وقتها سنة 1985 قاد انتفاضة على رئيس القوات آنذاك, فؤاد ابو ناضر، بالتحالف مع كريم بقرادوني وإيلي حبيقة. ولاحقا سيطيح بالقائد العام للقوات اللبنانية - حبيقة - على خلفية اتفاق الاخير مع السوريين ويتستلم القيادة مكانه.
أيلول العام 1989 سيحمل في جعبته اتفاق الطائف الذي سيحول القوات الى حزب سياسي ويبدأ الحديث عن امكانية تعيين جعجع وزيراً في حكومة عمر كرامي، ولكن ما يلبث هذا الحزب ان يحظر من العمل حتى العام 1994 العام الذي سيسجن جعجع بتهمة الضلوع في تفجير استهدف كنيسة واسفر عن مقتل 11 شخصا، ورغم تبرئته كان عليه مواجهة تهم اخرى ايضا تعود لفترة الحرب من بينها قتله رئيس الحكومة اللبناني السابق رشيد كرامي في 1987فحكم عليه بالاعدام ولكن تم تخفيف الحكم الى السجن مدى الحياة.
لبنان بعد اعلان امريكا الحرب على الارهاب سيتغير كما تغير العالم باسره فتخرج القوات السورية منه عام 2005 ويطلق سراح جعجع مستفيدا من اقرار البرلمان اللبناني تعديلا لقانون العفو اثر 11 عاما امضاها في السجن ليعود الى نشاطه السياسي مجددا.
اليوم يعتبر الرجل من أبرز قادة تحالف 14 اذار مع وليد جنبلاط وسعد الحريري. قبل أن يخون السعودية ويرشح ميشيل عون حليف إيران لرئاسة الجمهورية.
على حد وصف الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله فإن الفائدة من تبني 'القوات اللبنانية' ترشيح ميشال عون، تتمثل في معرفة هل يمكن لـ'حزب الله' السماح بعقد جلسة لمجلس النواب يتنافس فيها سليمان فرنجية وميشال عون على الرئاسة. سنرى.
نيسان ـ نشر في 2016/01/20 الساعة 00:00