الانسداد الديموقراطي
نيسان ـ نشر في 2016/02/10 الساعة 00:00
ظلت محاولات فهم ما جرى وما يجري في دول ما سُمّي الربيع العربي محاولات عويصة ومتعثرة. كما ظل فهم أسباب الانسداد الديموقراطي المزمن، خصوصاً في (الجمهوريات) العربية المزعومة، محيّراً ومتحيراً بين الأسباب الداخلية والخارجية، والمسؤولية الشعبية والرسمية، والدوافع الذاتية والتآمرية.
وعلى رغم تنوّع الدول التي وقعت فيها المحاولات (الربيعية) إلا أن الانسداد الديموقراطي كان هو المصير المشترك للمحاولات كلها، وإن اختلفت أعراض الانسداد، بل وشدته وأضراره. لا تضيّع وقتك في الإنصات لمن يريد أن يقنعك بأن سبباً واحداً يقف خلف هذا الفشل، فالفشل السوري يختلف عن الفشل التونسي بالكليّة، إن على صعيد المسببات أو المآلات، وهكذا بقية المحاولات الخمس.
وعلى رغم هذا التعقيد المركب، فإن محاولة غسان سلامة التحليلية في شأن ذلك جديرة بالاحترام والتأمل. فقد قدّم في ورقته البحثية: «ديموقراطية يتيمة، أسسها الوجهاء وألغاها العسكر بلا اعتراض» (صحيفة «الحياة» 26 كانون الثاني - يناير 2016) كَشْف حساب للفواتير الباهظة من محاولات دمقرطة العالم العربي طوال المئة سنة الماضية، بدءاً من نهايات الخلافة العثمانية مروراً ببدايات الدولة الوطنية العربية ما بعد تزحزح الاستعمار، ثم وصول العسكر على (دبّابة) الديموقراطية، حتى بزوغ نجم الزعماء الشباب. ولم يفت خبير العلاقات الدولية الإشارة، وإن على عجل، إلى ما سماه «صعود نجم الزوجات»، وصولاً بعد سرد تاريخي مشوق ومؤلم إلى عربة البوعزيزي.
في رأيي أن أكبر مواضع الانسداد في التاريخ العربي الحديث هي في حقبة حكم الرؤساء / العسكر. إذ ظنت الشعوب العربية بعد انحسار الاستعمار أن الخطوة المقبلة لصنع الدولة الوطنية الحديثة هي في إسقاط الملكيات وتحويلها إلى جمهوريات. أيّاً يكن شكل هذه الجمهوريات لا يهم، المهم الاستمساك بالاسم الرنان لـ (الجمهورية). ولذا تورطت نصف الدول العربية في الخروج من حُكم الملك المدني إلى حكم الملك العسكري، وذلك كله بسبب الفهم الضيق الذى ظن بأن التحول إلى الدولة الحديثة لا يتأتى إلا بتغيير نظام الحكم لا بتغيير آلية نظام الحكم. ولذا لم يكن مجرد مصادفة أن تكون أعراضُ الربيع العربي أكثر تجليّاً في الجمهوريات العسكرية العربية من دون سواها!
أما في شأن الخوف، الذي يتردد كثيراً على لسان النخب، من نواتج المشاركة الشعبية عبر صناديق الاقتراع والذي أوجزه د. سلامة، ناقداً له، في أنها «قد تجلب فئات تستهويها الديموقراطية شرط أنها تساعد مشروعها، ولكنها تنبذها إن لم تفعل»، فقد تبيّن من التجربة التونسية أن هذا القلق (المتحيز) لا مبرر له، لأن الشارع / الناخب إن وقع في (الفخ) للمرة الأولى فلن يقع فيه في المرة الثانية، بعد أن يختبر نتيجة اختياره الأول، شريطة أن يكون اختبار اختياره نزيهاً غير متعرّض لضغوط أو تشويهات.
وعند الحديث عن صناديق الاقتراع، فإن الاحتمالات تكون مفتوحة لوصول كوادر من كل الفئات الإسلامية والليبرالية والقومية واليسارية وغيرها، إلا فئة واحدة لا يمكنها أبداً أن تصل من طريق صناديق الاقتراع، تلك هي فئة العسكر. إذاً: فتّش عن المتضرر!
ما يُحمد لدراسة غسان سلامة، أنه على رغم سرده التاريخي المأساوي لمحاولات فك الانسداد الديموقراطي في العالم العربي طوال قرن من الزمان، إلا أنه ما زال يتابع بتفاؤل المحاولات الجارية الآن، بل يقدم وصفة إجرائية لكيفية ترشيد المحاولة الراهنة وجعلها غير قابلة للتفويت كسابقاتها. هذه الروح التفاؤلية هي الخيط الوحيد الممسك بالأمل في إنقاذ شعوب (الجمهوريات) العربية من ديكتاتورياتها الجاثمة على صناديق الاقتراع. الحياة
وعلى رغم تنوّع الدول التي وقعت فيها المحاولات (الربيعية) إلا أن الانسداد الديموقراطي كان هو المصير المشترك للمحاولات كلها، وإن اختلفت أعراض الانسداد، بل وشدته وأضراره. لا تضيّع وقتك في الإنصات لمن يريد أن يقنعك بأن سبباً واحداً يقف خلف هذا الفشل، فالفشل السوري يختلف عن الفشل التونسي بالكليّة، إن على صعيد المسببات أو المآلات، وهكذا بقية المحاولات الخمس.
وعلى رغم هذا التعقيد المركب، فإن محاولة غسان سلامة التحليلية في شأن ذلك جديرة بالاحترام والتأمل. فقد قدّم في ورقته البحثية: «ديموقراطية يتيمة، أسسها الوجهاء وألغاها العسكر بلا اعتراض» (صحيفة «الحياة» 26 كانون الثاني - يناير 2016) كَشْف حساب للفواتير الباهظة من محاولات دمقرطة العالم العربي طوال المئة سنة الماضية، بدءاً من نهايات الخلافة العثمانية مروراً ببدايات الدولة الوطنية العربية ما بعد تزحزح الاستعمار، ثم وصول العسكر على (دبّابة) الديموقراطية، حتى بزوغ نجم الزعماء الشباب. ولم يفت خبير العلاقات الدولية الإشارة، وإن على عجل، إلى ما سماه «صعود نجم الزوجات»، وصولاً بعد سرد تاريخي مشوق ومؤلم إلى عربة البوعزيزي.
في رأيي أن أكبر مواضع الانسداد في التاريخ العربي الحديث هي في حقبة حكم الرؤساء / العسكر. إذ ظنت الشعوب العربية بعد انحسار الاستعمار أن الخطوة المقبلة لصنع الدولة الوطنية الحديثة هي في إسقاط الملكيات وتحويلها إلى جمهوريات. أيّاً يكن شكل هذه الجمهوريات لا يهم، المهم الاستمساك بالاسم الرنان لـ (الجمهورية). ولذا تورطت نصف الدول العربية في الخروج من حُكم الملك المدني إلى حكم الملك العسكري، وذلك كله بسبب الفهم الضيق الذى ظن بأن التحول إلى الدولة الحديثة لا يتأتى إلا بتغيير نظام الحكم لا بتغيير آلية نظام الحكم. ولذا لم يكن مجرد مصادفة أن تكون أعراضُ الربيع العربي أكثر تجليّاً في الجمهوريات العسكرية العربية من دون سواها!
أما في شأن الخوف، الذي يتردد كثيراً على لسان النخب، من نواتج المشاركة الشعبية عبر صناديق الاقتراع والذي أوجزه د. سلامة، ناقداً له، في أنها «قد تجلب فئات تستهويها الديموقراطية شرط أنها تساعد مشروعها، ولكنها تنبذها إن لم تفعل»، فقد تبيّن من التجربة التونسية أن هذا القلق (المتحيز) لا مبرر له، لأن الشارع / الناخب إن وقع في (الفخ) للمرة الأولى فلن يقع فيه في المرة الثانية، بعد أن يختبر نتيجة اختياره الأول، شريطة أن يكون اختبار اختياره نزيهاً غير متعرّض لضغوط أو تشويهات.
وعند الحديث عن صناديق الاقتراع، فإن الاحتمالات تكون مفتوحة لوصول كوادر من كل الفئات الإسلامية والليبرالية والقومية واليسارية وغيرها، إلا فئة واحدة لا يمكنها أبداً أن تصل من طريق صناديق الاقتراع، تلك هي فئة العسكر. إذاً: فتّش عن المتضرر!
ما يُحمد لدراسة غسان سلامة، أنه على رغم سرده التاريخي المأساوي لمحاولات فك الانسداد الديموقراطي في العالم العربي طوال قرن من الزمان، إلا أنه ما زال يتابع بتفاؤل المحاولات الجارية الآن، بل يقدم وصفة إجرائية لكيفية ترشيد المحاولة الراهنة وجعلها غير قابلة للتفويت كسابقاتها. هذه الروح التفاؤلية هي الخيط الوحيد الممسك بالأمل في إنقاذ شعوب (الجمهوريات) العربية من ديكتاتورياتها الجاثمة على صناديق الاقتراع. الحياة
نيسان ـ نشر في 2016/02/10 الساعة 00:00