التطور الفكري والمعرفي والثقافي مقابل التغيرات الاجتماعية

علي العبادي
نيسان ـ نشر في 2016/02/11 الساعة 00:00
/>
يتحدث كثيرون ان واقع شعوبنا لن يتغير قبل ان تنجز مهمة ايصاله لمستوى فكري ومعرفي وثقافي عال، والقضاء على الأمية التقليدية والأمية الفكرية، وان السبب الاساس لعدم قدرة شعوبنا على اختيار ما يناسبها من حرية وديمقراطية ودولة مؤسسات، إنما مرده الاساس الجهل ولا شيء غيره.
في المقابل، لو تتبعنا الحالة العامة للشعوب الغربية التي تعيش في ظل حكم ديمقراطي وحريات واسعة وعدالة مقبولة نسبيا ورفاه إقتصادي فإننا نكتشف ان الغالبية من هذه الشعوب تعيش حياة استهلاكية وتفتقر الغالبية منها لثقافة سياسية ووعي سياسي أو حتى ثقافة عامة، ورغم كل ذلك نجد هذه الشعوب تؤمن بشكل راسخ بحقوقها وتحسن إلى حد كبير اختيار من يمثلها.
السؤال هنا, ان كانت شعوبنا الشعوب الغربية تشترك الى حد كبير في عدم وجود وعي وثقافة سياسية، فلماذا نجد المجتمعات الغربية تستطيع التعامل مع الديمقراطية بينما نجد الشعوب العربية كلما سقط او أسقط ديكتاتور اعادت هي صناعة ديكتاتور جديد وبقالب جديد ايضا ؟
انا اعتقد ان علّة كل ذلك انما هي العوامل الاجتماعية وليست الحضارية او الثقافية .
في الغرب وبعد الثورة الصناعية برزت طبقة العمال التي زاد عددها الى ان قضت على طبقة الاقطاعيين وبسبب عدم وجود الصيغة التسلطية للاسرة هناك فان المجتمع هناك يبنى على اساس فردية الانسان ومركزية الفرد بما يمنع تشكل فكرة القطيع الذي يحاول المتسلقون ان يقودوه .
اعتقد ان ما ينقصنا ليس ثورة ثقافية، انما انتظار التغيير الاجتماعي، واعتقد اننا سائرون في هذا الاتجاه, ورغم ان مجتمعاتنا تنزاح عمليا وبشكل سريع نسبيا نحو اللبرلة ونظريا بشكل غريب نحو الدعدشة، فإن هذا التناقض لن يلبث ان يزول لصالح الميل اكثر فاكثر نحو اللبرلة .
في مجتمعاتنا الشرقية يتم الخلط بشكل خاطئ بين الاحترام وبين الخضوع المذل , فالإبن يعبر عن حبه لوالديه بتقبيل قدميهما، وكأنه ما من وسيلة للتعبير عن حبه إلا بهذه الطريقة , وفي مجتمعاتنا لا يجرؤ الطالب ان يبدي وجهة نظر مخالفة لاستاذه وفي مجتمعاتنا يساء تفسير احترام الصغير للكبير للدرجة التي يتم فيها الغاء شخصية صغير السن بشكل كلي وفي مجتمعاتنا يتم تعريف احترام الصغير للكبير بعدم حق الصغير في التعبير عن وجهة نظره , وفي مجتمعاتنا الابوية الباترياركية ينبغي ان يظهر الكبير بمظهر القوي المتسلط والقاسي، الذي في بعض الاحيان ينعم على من دونه بشيء من رأفة الجبار المتعالي.
فالأب ينبغي ان يتحلى بهيبة ووقار تجعل اولاده يخافونه، والمعلم يفعل الشيء ذاته، وحتى الله يظهرونه بمظهر ديكتاتور شرقي يصعب ارضاؤه ويميل للنزق والغضب وحب الانتقام وبعد هذا كله من المتوقع ان تبنى شخصية الفرد بشكل سلبي بحيث يكون شخصية خانعة خاضعة لكل من يمثل له سلطة.
في الغرب لا يوجد ما يسمى بالعشيرة، ولا بالتراتبية الاجتماعية، بينما في بلادنا يشتري النظام شيخ العشيرة ببعض النقود، ويضمن شيخ العشيرة للنظام ولاء أتباعه لقاء بعض الواسطات السخيفة في نموذج مشابه لنموذج اقطاعيي اوروبا في القرون الوسطى وعبيد الارض.
حتى يتم التغيير السياسي ينبغي ان يتم التغيير الاجتماعي، وينبغي ان تتغير النظرة لكل السلطات من الوالدين للمدرسة, لمن هو اكبر منا سنا وينبغي ان تسقط سلطة العشيرة بالكامل، وقبل هذا كله لا تترقبوا اي تغيير، حتى لو كان الشعب كله ذا مستوى تعليمي وثقافي عالي, فالتغيير الاكثر اهمية هو التغيير الاجتماعي لا الفكري أو الثقافي.
    نيسان ـ نشر في 2016/02/11 الساعة 00:00