ليل طويل... طويل
نيسان ـ نشر في 2016/02/13 الساعة 00:00
كان من الضروري إعلان السعودية استعدادها إرسال قوات برية إلى سورية، وكذلك دعوتها إلى مناورة رعد الشمال، التي ستجمع جيوش دول إسلامية عدة على أرضها في أضخم تجمع عسكري منذ حرب تحرير الكويت، وعززت ذلك بإعلان أول اجتماع لقادة دول «التحالف الإسلامي» الذي أعلنته الشهر الماضي، لتترك العالم في حيرة مما تنوي أن تفعله الرياض بكل هذا الزخم، ولكنها نجحت في إعادة الاهتمام بقضية يريد المجتمع الدولي العاجز أن ينساها.
بتحركها النشط هذا تقطع الطريق أمام مؤامرة واضحة لتصفية الثورة السورية، لا يحتاج حصيف إلى البحث عن دليل لها، فالولايات المتحدة في حال انسحاب وتقهقر أمام الروس، وتبعها الغرب. سيقول أحدهم إن بلاده لا تتفق أخلاقياً مع الرئيس بوتين في ما تفعل قواته من جرائم حرب، ولكنه سيعترف بأنهم لا يملكون كثيراً يفعلونه، لم تبق عقوبات أخرى يفرضونها عليه، فلقد فرغ ما في جعبتهم في معركة أوكرانيا والقرم التي خسروها، في السياسة بين الدول انتهازية مثل تلك التي تجري في خصومات الحواري، وفق قاعدة «إن لم تستطع أن تغلبهم فشاركهم»، يسمونها هناك نذالة، ويسميها السياسي واقعية.
واقعية السياسي الغربي - وللأسف بعض العرب - أن الأسلم هو التسليم بالحل الروسي، لقد فعلها بوتين من قبل في الشيشان، فلم لا يكررها في سورية، يدعم نظام بشار حتى ينتصر بالقوة، يفرض هيبته وسطوته على شعبه، يعيد «النظام العربي القديم» القائم على الخوف لأجل الاستقرار، في مقابل ذلك يقضي على «داعش» بعدما استنفد غرضه منها، سيقبل الشعب بذلك خوفاً أو طمعاً بعدما باتت اختياراته صفرية، أما الموت قصفاً أو جوعاً أو لجوءاً، أو الحياة تحت الديكتاتور، الذي سيوفر له بعضاً من العيش، والأهم الأمان من الموت، كثيرون سيختارون ذلك بعدما تخلى عنهم العالم، سيغرونهم بما هو أكثر؛ إصلاحات شكلية، وانتخابات حتى من دون بشار الأسد، فثمة كثيرون مستعدون لأن يكونوا «قديروف» يحكم في ظل الانتداب الروسي، لازلت أذكر جملة المستشرقة الروسية يلينا سوبونينا لي، خلال مؤتمر عن التدخل الروسي في سورية: «غروزني (عاصمة الشيشان) لم تعد مهدمة كما تتذكرونها، لقد أضحت دبي القوقاز»! جملة مناسبة لحملة علاقات عامة، صورة بضعة أبراج عالية في حلب تنتصب بين الأنقاض، حتى لو كانت مجرد «موديل» يعرض في مؤتمر آخر للمانحين ينظم في دمشق برعاية الرئيس الجديد المنتخب وسط حضور عالمي وعربي كبير، كافية لكي يقول أحدهم: «انتصرنا ودحرنا الإرهاب».
ولكن أية سورية تلك التي ستكون؟ سورية قمع وخوف، فات بعضهم أن الثورة هناك لم تكن بين مناطق أو أعراق، وإنما ثورة شعب ضد ديكتاتور، وحلاً كهذا يقول للشعب السوري: إنك آمن إن قبلت الديكتاتور، أما إن رفضته وتمسكت بحلمك فابقَ لاجئاً حيثما أنت، نتركك هناك حتى ترتب أمرك وتندمج في مجتمعك الجديد، أو تنكسر فتعود، أما أن تتمسك بحريتك فأنت إرهابي.
وكما جرت العادة، لا بد أن توزع الغنائم على المنتصرين، روسيا ستحصل على قواعدها ووجودها الدائم شرق المتوسط، أما إيران، حليفة النظام وحاميته، فلها كل سورية، تجعلها منصة لمشروعها الطائفي، الذي يتعارض مع المستقبل وحركة التاريخ معاً، كما سيكون مشروعاً للفتنة في المنطقة، ولكنها مصرة عليه، وهي لم تهرول عبثاً إلى هناك وتضحِّ ببلايين ثمينة، ودماء صفوة مقاتليها لأجل إبقاء رجل اسمه بشار الأسد في السلطة فقط، إنها تريد جائزتها الكبرى؛ سورية.
لا أملك إجابة محددة عما تنوي الرياض فعله، وهي تنشط ديبلوماسياً وعسكرياً، في ما يبدو لبعضهم مغامرة ومخاطرة، وتراه هي دفاعاً قومياً، ولا ومتى ومن أين وكم تعداد القوات التي ستدخل سورية؟ ومع من؟ ولكن الذي أعرفه ومتأكد منه مئة في المئة أن السعودية ترفض، في شكل لا يحتمل النقاش ولا أنصاف الحلول، انتصاراً إيرانياً في سورية يجعل من «قلب العروبة النابض» منصة لتغيير تاريخ وهوية المنطقة، من الواضح أن هذا هو المبدأ الذي ستتعامل به ومنه المملكة العربية السعودية مع العالم ودول المنطقة، وعلى الجميع أخذ ذلك في الاعتبار وهم يتعاملون معها.
من الجيد أنه ما من مسؤول سعودي خرج على شعبه والعالم يعدهم بانتصار سريع، فالليل طويل، طويل، يبدأ بإعادة التوازن في سورية بعدما اختل ففشلت مفاوضات جنيف، وخرج رئيس وفد النظام بشار الجعفري يعرض شروطه و«قرآنه»، كما وصفها في غرور غير مسبوق، إنه يريد استسلام المعارضة، مستنداً إلى قوة النار الروسية التي تقتل شعبه. ما جرى في جنيف دفع السعودية إلى التعجيل بما سماه وزير خارجيتها عادل الجبير «الخطة ب»، لا يهم ما تفاصيلها؟ المهم هو إدراك شرطها، وهو المبدأ المشار إليه آنفاً، والذي يمكن اختصاره بجملة «سورية من دون إيران».
من الواضح أن الخطة السعودية «ب» بدأت بإعلانها استعدادها للتدخل البري في سورية، لتضع الولايات المتحدة والغرب، أصدقاء سورية المفترضين على المحك، كأنها تقول للأميركيين الذين أكثروا من القول: «أنتم لم تفعلوا ما فيه الكفاية لمحاربة داعش»! ها أنذا مستعدة، فهل أنتم مستعدون؟ الكرة الآن في ملعبهم.
كيف سينتهي هذا التدخل؟ وما هي حدوده وحجمه؟ ربما حتى الإستراتيجي السعودي لا يعرف، يعرف فقط الهدف الواجب تحقيقه «مهما كلف الأمر»، فكل التدخلات تبدأ صغيرة، ثم تتوسع، نية محاربة «داعش» ستتسع لتشمل دعم الثوار، فما من أحد يكره «داعش» مثلهم، القوة السورية الوطنية هي التي ستستبسل للقضاء عليهم، فلم يثر السوري من أجل استبدال مستبد علوي علماني بمستبد منغلق يحتكر الدين وتفسيره، ولن يكون للثوار دور من دون حمايتهم وهم يتعرضون لهجمة مزدوجة من النظام الذي يدعمه الروس، والأكراد الذين يدعمهم الأميركيون، غريب هذا! ولكنه يحصل الآن في بروكسيل، وبعدها ستفتح كل هذه الملفات وتفرد كل الخرائط، فإذا كان المدخل لسلام سورية هو الحرب على «داعش» فإن إنهاء النظام والمضي نحو سورية حرية هو الذي سيجعل هذا السلام ممكناً.
وبقدر ما تنشط السعودية مع حلفائها لإقناعهم بوجهة نظرها يجب الإعداد لهذا الليل الطويل داخلياً أيضاً، فبعضنا قلق ضعيف الثقة بقدراتنا، وسرعان ما سيقول: كيف نقاتل في جبهتين؟ ربما حان وقت الإعلام التعبوي. الحياة
بتحركها النشط هذا تقطع الطريق أمام مؤامرة واضحة لتصفية الثورة السورية، لا يحتاج حصيف إلى البحث عن دليل لها، فالولايات المتحدة في حال انسحاب وتقهقر أمام الروس، وتبعها الغرب. سيقول أحدهم إن بلاده لا تتفق أخلاقياً مع الرئيس بوتين في ما تفعل قواته من جرائم حرب، ولكنه سيعترف بأنهم لا يملكون كثيراً يفعلونه، لم تبق عقوبات أخرى يفرضونها عليه، فلقد فرغ ما في جعبتهم في معركة أوكرانيا والقرم التي خسروها، في السياسة بين الدول انتهازية مثل تلك التي تجري في خصومات الحواري، وفق قاعدة «إن لم تستطع أن تغلبهم فشاركهم»، يسمونها هناك نذالة، ويسميها السياسي واقعية.
واقعية السياسي الغربي - وللأسف بعض العرب - أن الأسلم هو التسليم بالحل الروسي، لقد فعلها بوتين من قبل في الشيشان، فلم لا يكررها في سورية، يدعم نظام بشار حتى ينتصر بالقوة، يفرض هيبته وسطوته على شعبه، يعيد «النظام العربي القديم» القائم على الخوف لأجل الاستقرار، في مقابل ذلك يقضي على «داعش» بعدما استنفد غرضه منها، سيقبل الشعب بذلك خوفاً أو طمعاً بعدما باتت اختياراته صفرية، أما الموت قصفاً أو جوعاً أو لجوءاً، أو الحياة تحت الديكتاتور، الذي سيوفر له بعضاً من العيش، والأهم الأمان من الموت، كثيرون سيختارون ذلك بعدما تخلى عنهم العالم، سيغرونهم بما هو أكثر؛ إصلاحات شكلية، وانتخابات حتى من دون بشار الأسد، فثمة كثيرون مستعدون لأن يكونوا «قديروف» يحكم في ظل الانتداب الروسي، لازلت أذكر جملة المستشرقة الروسية يلينا سوبونينا لي، خلال مؤتمر عن التدخل الروسي في سورية: «غروزني (عاصمة الشيشان) لم تعد مهدمة كما تتذكرونها، لقد أضحت دبي القوقاز»! جملة مناسبة لحملة علاقات عامة، صورة بضعة أبراج عالية في حلب تنتصب بين الأنقاض، حتى لو كانت مجرد «موديل» يعرض في مؤتمر آخر للمانحين ينظم في دمشق برعاية الرئيس الجديد المنتخب وسط حضور عالمي وعربي كبير، كافية لكي يقول أحدهم: «انتصرنا ودحرنا الإرهاب».
ولكن أية سورية تلك التي ستكون؟ سورية قمع وخوف، فات بعضهم أن الثورة هناك لم تكن بين مناطق أو أعراق، وإنما ثورة شعب ضد ديكتاتور، وحلاً كهذا يقول للشعب السوري: إنك آمن إن قبلت الديكتاتور، أما إن رفضته وتمسكت بحلمك فابقَ لاجئاً حيثما أنت، نتركك هناك حتى ترتب أمرك وتندمج في مجتمعك الجديد، أو تنكسر فتعود، أما أن تتمسك بحريتك فأنت إرهابي.
وكما جرت العادة، لا بد أن توزع الغنائم على المنتصرين، روسيا ستحصل على قواعدها ووجودها الدائم شرق المتوسط، أما إيران، حليفة النظام وحاميته، فلها كل سورية، تجعلها منصة لمشروعها الطائفي، الذي يتعارض مع المستقبل وحركة التاريخ معاً، كما سيكون مشروعاً للفتنة في المنطقة، ولكنها مصرة عليه، وهي لم تهرول عبثاً إلى هناك وتضحِّ ببلايين ثمينة، ودماء صفوة مقاتليها لأجل إبقاء رجل اسمه بشار الأسد في السلطة فقط، إنها تريد جائزتها الكبرى؛ سورية.
لا أملك إجابة محددة عما تنوي الرياض فعله، وهي تنشط ديبلوماسياً وعسكرياً، في ما يبدو لبعضهم مغامرة ومخاطرة، وتراه هي دفاعاً قومياً، ولا ومتى ومن أين وكم تعداد القوات التي ستدخل سورية؟ ومع من؟ ولكن الذي أعرفه ومتأكد منه مئة في المئة أن السعودية ترفض، في شكل لا يحتمل النقاش ولا أنصاف الحلول، انتصاراً إيرانياً في سورية يجعل من «قلب العروبة النابض» منصة لتغيير تاريخ وهوية المنطقة، من الواضح أن هذا هو المبدأ الذي ستتعامل به ومنه المملكة العربية السعودية مع العالم ودول المنطقة، وعلى الجميع أخذ ذلك في الاعتبار وهم يتعاملون معها.
من الجيد أنه ما من مسؤول سعودي خرج على شعبه والعالم يعدهم بانتصار سريع، فالليل طويل، طويل، يبدأ بإعادة التوازن في سورية بعدما اختل ففشلت مفاوضات جنيف، وخرج رئيس وفد النظام بشار الجعفري يعرض شروطه و«قرآنه»، كما وصفها في غرور غير مسبوق، إنه يريد استسلام المعارضة، مستنداً إلى قوة النار الروسية التي تقتل شعبه. ما جرى في جنيف دفع السعودية إلى التعجيل بما سماه وزير خارجيتها عادل الجبير «الخطة ب»، لا يهم ما تفاصيلها؟ المهم هو إدراك شرطها، وهو المبدأ المشار إليه آنفاً، والذي يمكن اختصاره بجملة «سورية من دون إيران».
من الواضح أن الخطة السعودية «ب» بدأت بإعلانها استعدادها للتدخل البري في سورية، لتضع الولايات المتحدة والغرب، أصدقاء سورية المفترضين على المحك، كأنها تقول للأميركيين الذين أكثروا من القول: «أنتم لم تفعلوا ما فيه الكفاية لمحاربة داعش»! ها أنذا مستعدة، فهل أنتم مستعدون؟ الكرة الآن في ملعبهم.
كيف سينتهي هذا التدخل؟ وما هي حدوده وحجمه؟ ربما حتى الإستراتيجي السعودي لا يعرف، يعرف فقط الهدف الواجب تحقيقه «مهما كلف الأمر»، فكل التدخلات تبدأ صغيرة، ثم تتوسع، نية محاربة «داعش» ستتسع لتشمل دعم الثوار، فما من أحد يكره «داعش» مثلهم، القوة السورية الوطنية هي التي ستستبسل للقضاء عليهم، فلم يثر السوري من أجل استبدال مستبد علوي علماني بمستبد منغلق يحتكر الدين وتفسيره، ولن يكون للثوار دور من دون حمايتهم وهم يتعرضون لهجمة مزدوجة من النظام الذي يدعمه الروس، والأكراد الذين يدعمهم الأميركيون، غريب هذا! ولكنه يحصل الآن في بروكسيل، وبعدها ستفتح كل هذه الملفات وتفرد كل الخرائط، فإذا كان المدخل لسلام سورية هو الحرب على «داعش» فإن إنهاء النظام والمضي نحو سورية حرية هو الذي سيجعل هذا السلام ممكناً.
وبقدر ما تنشط السعودية مع حلفائها لإقناعهم بوجهة نظرها يجب الإعداد لهذا الليل الطويل داخلياً أيضاً، فبعضنا قلق ضعيف الثقة بقدراتنا، وسرعان ما سيقول: كيف نقاتل في جبهتين؟ ربما حان وقت الإعلام التعبوي. الحياة
نيسان ـ نشر في 2016/02/13 الساعة 00:00