سورية المُتْعَبة ..
نيسان ـ نشر في 2016/02/16 الساعة 00:00
تصوير حنا صليبا
محمد قبيلات
نم واسترح يا جسدا أنهكه الانتظار، نم بسلام، حتى ينجلي الغبار ويتبدى لك ما يسرك.
مدّ يدك الى المذياع أسفل ارجوحتك، واخرسه، فكل هذا اللغو لا يبرر إلا القتل والإيلاغ في الدم، واخلد الى نومك هادئا منزوعا عن هذا الدمار كله. اركن للحظة هدوء تنقلك الى ما وراء التوريات، فما زال الإيجاز يختصر حقيقة ما، والبلاغة تقفز عن حقيقة ما، فخذ إليك هذا الركن القصي وابتعد عن كل ما جادت به قرائحهم، فلم يبق أمامك من فسيح غير الحلم. البدايات الجميلة لا تبقى جميلة، فهناك ألف ألف متربص، غير معني إلا بتشويه الصورة، وإبعاد لحظة الحقيقة التي طالما انتظرتها.
كيف للسوري أن يلملم ما تبعثر من الوطن؟ كيف له أن يجمع أشلاءه ويعيد إليها منظومتها؟ كيف له أن يحيي ما مات من الجسد، ويرجع إليه ما ابتعدت عنه من أطراف. كيف للطفل السوري أن ينصب مراجيحه، وينفض عن ألعابه سخام الحرب وغبارها.
هي قصة الحرب منذ الأزل، الكل يرفع سلاحه مدافعا عن "حق"، والكل باسم الحق يقتل، ثم يبدأ مسلسل الثارات، فيدفع الأبرياء الأثمان باهظة.
ليس للسوري إلا أن يغادر هذا التردم كله ويحصي خسائره، ويعود إلى بيته بعد توهم وتوهان بين الأنقاض، فيتلمس أحجاره، يجمعها، يمسحها بيده الدامية المعروقة واحدا واحدا، ويصفّها على هيئة جدار ينفي هذا الانهيار جميعه، ويعلن عودة الحياة. السوري الطيب، ذاك الذي ليس له ناقة ولا جمل في هذه الحرب، يحلم أن يظل القابض على سورية كاملة غير مقسمة، وربما زاهية، متخلصة من كل ما ألمَّ بها من شرور؛ الأسد، وروسيا، وداعش، والمليشيات....
يحلم أن ينفض هذا الغثاء الطافي على سطوح الحرب، ويمضي الى مستقبل أكثر أمانا. لا أحد يستطيع منعه من الاسترخاء للحلم، فوسط هذه الفوضى والتشظي، ليس من أسلحة دفاعية عن الروح إلا الحلم بمستقبل آمن، وعودة هادئة لرتابة الحياة، وتلك الصور الجميلة المعبرة عن أن كل شيء على ما يرام، وليست رهينة وحوش الحرب، تلك الوحوش المسعورة التي تؤمن ببقاء بل بفرض المجرمين للأبد. لا بأس من الهروب للحلم. ولا ضير إن تكدرت النومة بضجيج الحرب، فبين إغفاءة وإفاقة تستمر الحياة.
نيسان ـ نشر في 2016/02/16 الساعة 00:00