توفيق الطوالبة .. للوطن رجال تحميه
نيسان ـ نشر في 2015/05/05 الساعة 00:00
إبراهيم قبيلات ولقمان إسكندر
طفل تلفحه حرارة الشمس، وتتقافز الحصى حول قدميه الصغيرتين وهو يتقدم نحو مستقبله، قادماً من مدرسته نحو بيت الشعر.
طفل يمشي، وتمشي بالقرب منه ظلال من الأحلام، يَغْرُف منها شغفه كلما تعب. طفل أطلق عليه والده اسم (توفيق) فكان توفيقا يحث الطلب أن يكون، فكان (الطوالبة).
طفل انشغل مبكراً بما هو أكبر من رفاقه في مدرسة القريات، حيث درس حتى السادس الأساسي. طفل كان فوق كاهله أحلام استعجلته ليكبر سريعاً، فبين جنبات الأيام القادمة أمر ما ينتظره.
كان المستقبل ينجلي له تدريجيا. شيء - كما الضباب ينقشع – فيرى ما يرى. لهذا رأيته لا يكف عن تحضير نفسه لما هو قادم علما وخبرة وحزما.
اليوم صار توفيق الطوالبة. الباشا.
الرجل الصامت، والهادئ، والحازم. الذي اختبره الأردنيون أمس فعادوا الى بيوتهم وهم مطمئنون أن للوطن رجلاً يحميه.
إن كان ولا بدّ فليؤخذ 4 رجال أمن بمدني. إن كانوا قد فعلوا ما فعلوا .. فكرامة الجهاز هي في الجبين المرفوع للمدنيين، وهم يقفون مطمئنين أمام "الرُتب" ثم لا يخافون، لأن العدل موجود، والرحمة قائدة والقلب نابض.
هذا هو زمن توفيق الطوالبة.
بهدوء قرر أن للعدل سكّتها المعروفة، فمعادلة الأمن لا تتجزأ. الأمن = القانون وتطبيقه. هكذا يرى الأمر، وهكذا طبّقه.
ولد توفيق حامد ماضي الطوالبة عام 1953، بين 4 ذكور 3 بنات. ودرس الطوالبة الذي يتحدث ثلاث لغات "العربية الأم إضافة الى الانجليزية والفرنسية" في قرية القريات التي تلقى بها تعليمه حتى الصف السادس، لينتقل بعد ذلك الى دار أبو خالد الباز في محافظة مادبا؛ بهدف إكمال دراسته الثانوية هناك، ويحصل على شهادة "التوجيهي" في السبعينيات بنتيجة كانت من بين الخمسة الأوائل في المنطقة.
يخطئ السياسيون فيبدأ الطوالبة عمله. ويتعثر الاقتصاد فيسهر هو ورجاله ليلاحقوا تداعيات الأزمات في أزقة الفقر والشوارع الخلفية للراغبين بالخروج على القانون.
لا بد وأن الطوالبة ما زال يتذكر الحجارة التي مشى عليها، وهو يسلك طريقه من قرية البقيع إلى القريات صباح كل يوم، ليذهب إلى مدرسته التي تبعد عن بيت الشعر الذي سكنه وأخوته حوالي 10 -12 كم. لقد استمر على ذلك الحال منذ كان في الصف الأول الأساسي وحتى السادس.
مشوار مليء بالتعب بدأه الطوالبة متنقلاً بين البقيع والدليلة إلى جانب أشقائه الثلاثة وشقيقاته الأربع ووالديه. هناك حيث قرية البقيع جنوبي العاصمة عمان حوالي 60 كلم كان يعرف الباشا شويهاته جيداً فقد ألفهن منذ عهدت إليه أسرته رعية الماشية، بعد أن يفرغ من مهمة الحصيدة، كما هو حال الكثيرين من أبناء جيله.
كان يدرك جيداً رغم ما يحيطه من فقر أنه بالعلم تبنى الأوطان، ذلك ما كان يدفعه أن يحمل كتبه ويمشي نحو 12 كلم يومياً ليصل مدرسة القريات الابتدائية.
رشح أبو أشرف الطوالبة - المتزوج ولديه من الأبناء 3 وأربع بنات - في الكلية العسكرية لـ 6 أشهر فأصبح ضابطا ثم استمر في الجيش إلى 2006م، وعندما تقاعد كان قائدا للمنطقة الشمالية.
الشاب الذي أنهى دراسته الثانوية في السبعينيات، وما زال يسكن بيت الشعر وأكمل شهادته الجامعية الأولى، يستأنف رحلته الأكاديمية العليا بعد تقاعده من الجيش، فيدرس الدكتوراه في الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية عام 2008 وما هو إلا عام حتى عين مديرا للدرك في 2009 -2013م، ثم مديرا للأمن العام.
الطوالبة - الذي يصفه المقربون منه بحدة الذكاء والمدمن الى العمل ونظيف اليد- يحمل من المؤهلات الأكاديمية الكثيرة؛ منها دكتوراة في أدارة أعمال، والماجستير في العلوم العسكرية من كلية الدفاع عام 1997، والبكالوريوس علوم عسكرية من جامعة مؤتة عام 1984،. وفي العام نفسه حصل على شهادة الدبلوم في اللغة الفرنسية، إضافة الى شهادة الدبلوم العالي في أدارة أعمال من بريطانيا 2008.
في منتصف الطريق الواصل بين الأمن والسلامة يقف. يرفض أن يقود جيشاً من العصي الكهربائية، والخوذات المصفحة، والاقنعة السوداء المخيفة. فهناك، بين الأمن والسلامة، قصة شراكته مع المواطن. شراكة هي الحكاية كلها. بين الرحمة والحزم، والعطف والصرامة، يطوف برجاله الديار ليأمن الساكن والمسكون.
بعد صيف سيكتب - فخراً - ويحق له أن يفخر: عاش الوطن في قلب العاصفة، تتقلبها نيران المنطقة، فأردنا أن تكون برداً وسلامة على الأردنيين. فكانت.
نيسان ـ نشر في 2015/05/05 الساعة 00:00