عن المكان والكتابة !

ماجد شاهين
نيسان ـ نشر في 2016/03/03 الساعة 00:00
الأولاد الذين أحبـّوا الأرصفة والحارات و ألعاب " الحجارة والعصيّ و الاستغماية " ، وغيرهم كثير من كهول و يافعين وفتيان و نساء وصبايا وأطفال، جميعهم أدركوا سرّ الأماكن بالتجربة والمعاينة و باللهو المُباح ، تماما مثلما أدركوا أن في اللعب قيمة ً وحضورا ً للنفس وتشاركا ً وابتهاجاً بالناس والمكان . لم يتمرّن أو يتعلّم أحد منهم أو واحدة منهنّ ، على سبر أعماق التراب والرصيف ، من خلال ما كانوا قرؤوا و اكتفوا به ... فالمكان لا يدركه من لا يعاينه ومن لا يحاوره ومن لا يصير صديقاً لجدرانه وحجارته ومقاهيه وزواريبه وباعته الجائلين ولاعبي النرد فيه . أينفع أن تكون الكتابة عن المقهى، وكاتب الكلام لم تطأ قدماه أرض مقهى ولم يضرب موعداً مع صديق هناك أو لم يسمع قرقعة الأراجيل ؟ أينفع أن نكتب عن نادل ٍ وإبريق شاي ، ولم نكن عرفنا بالمرة طعم الشاي الذي يصنعه ؟ أينفع أن نكتفي بالتأمّل والحدس وأخبار الرواة ، للكتابة عن شارع يمور ويعج بالناس والحياة ؟ أعجب ُ ممـّن يروون الحكايات عن سوق ٍ ولم يكونوا عرفوا مكانه ! وأعجب ُ من الذين يتحدثون ويكتبون عن عوز ٍ وفقر ٍ وجوع و خيام ٍ وبيوت الصفيح وسحنات أولاد تشبه الطين ، أعجب منهم الذين يكتبون عن ذلك كلّه ولم يكونوا زاروا أو شاهدوا أو عاشوا تجربة في تلك الأماكن أو مع تلك الأحوال .. كتبوا بالتخيّل واستنادا ً إلى حكايات قصيرة من هنا وهناك . وأعجب لمن يكتب عن البحر ويغوص في حيواته ، ولم يكن رأى بحراً أو نهراً أو حفرة فيها ماء ، طيلة حياته .. هل يكفي التخيّل ؟ وأعجب من الذين يكتبون عن الشحادين ويصفون وسائلهم في الاستعطاء وأساليب كسبهم لأرزاقهم، يكتبون ولم يكونوا رأوا أو اقتربوا من واحد من هؤلاء أو أولئك . واعجب ُ ممـّن يكتبون عن عيون النساء والصبايا، ولم تكن قلوبهم رقـّت لامرأة أو التمعت عيونهم لعيني ّ صبيّة. قد يكون مقبولا ً أن يستند الكاتب إلى ما تراكم في ذهنه من أخبار و صور متخيّلة و قراءات عن المكان ، في كتابات محددة و ضمن إطار محدود .. لكن من غير المقبول ولا النافع أن يكتب أحدهم حكايات عن مكان لا يعرفه بالمرّة.
    نيسان ـ نشر في 2016/03/03 الساعة 00:00