حقائق في اليمن لا بد للتحالف العربي واليمنيين أن يواجهوها
نيسان ـ نشر في 2016/03/20 الساعة 00:00
ما يدعوني للكتابة في هذه اللحظة أنه ربما تكون الساحة اليمنية أول ساحة في بلدان الربيع العربي تبدأ مرحلة إعادة الإعمار بعد دمار الثورة المضادة.
وما يحمسني للكتابة أن العسيري الناطق باسم التحالف العربي يصرح أن اليمن لن تكون ليبيا ثانية ولن تترك بعد التحرير للغوغاء والإرهابيين.
الحسنة الوحيدة إن كان للحرب الأخيرة حسنة أنها أثبتت أن اليمنيين مسالمون وهذا يعطي دافعية أكثر لدول وشعوب الخليج أن تطمئن إليهم وتؤهلهم لدخول منظومة مجلس التعاون الخليجي... ولكن في اليمن عقد لا بد من حلها وعلى اليمنيين أن يدركوا أنه لو صبت دول العالم عليهم المساعدات صبا فلن تغير واقعهم قيد أنملة إن لم يكونوا هم المبادرين.
في اليمن مشاكل قاتلة ....أولها أن أجزاء واسعة في اليمن تعيش في عصر ما قبل الدولة والسلطة المطلقة فيها للقبيلة وهذا يعني أن هذه الأجزاء حتى لو احتوت مدارس ومرافق فلن تفلح ولن تستدام فيها تنمية...التحرك في أجزاء واسعة من اليمن يتطلب أن تستأذن الدولة من القبيلة.
في اليمن, ملكية الأراضي تنتقل حتى الآن بصك ينتقل بين الأفراد وعمليا تلاحظ أن كثيرا من الملكيات هي ملكيات وضع يد فلو أتى مستثمر عربي على سبيل المثال ربما يدفع ثمن قطعة أرض أربع أو خمس مرات. ...من يمتلك أرضا في اليمن يحميها بقوة السلاح.
في اليمن لا قيمة للوقت وهذا يعني فنيا أن إنفاق المساعدات حتى لو رصدت مليارات سيكون معطلا لعدم القدرة على التنفيذ.
ربما يستهين البعض بما أوردته أعلاه ولكن للأسف ما أوردته أعلاه هو سبب الفارق الحضاري على سبيل المثال بين الإمارات واليمن.
لا يعفي اليمنيين أنهم مروا بمئات السنين من حكم الأئمة الظلامي.
ليس من الجميل أن يمتلك اليمن ما يمتلك من ثروات ثم يستمر في احتياج المساعدة من الأخ والصديق.
ثروات اليمن تجعله خلال عشر سنوات من أثرى وأغنى دول الخليج.
للأسف لم يتغير حكم الثورة في اليمن عن حكم الأئمة الزيدية لأن من استقر له حكم الثورة حكم اليمنيين بنفس نهج حكم الأئمة.
سأذكر ما تعنيه كل عقبة مما ورد أعلاه أمام التنمية:
أولا: أجزاء واسعة في اليمن تعيش عصر ما قبل الدولة أي أنه حين تنتقل من صنعاء الى مأرب على سبيل المثال لتزور مدرسة أو مرفقا أو حتى مصنعا عليك أن تأخذ في يدك إذنا يخاطب القبائل المسيطرة على الطريق, بكل بساطة وفي عصر المخلوع كانت سيادة الدولة في مركز العاصمة فقط ولهذا السبب كانت مهمة الحوثيين في السيطرة على اليمن سهلة جدا فالولاء للدولة لم يكن موجودا من الأساس ولذلك قد نستغرب من طول أمد المعركة الحالية والسبب ليس قوة الحوثيين بل عدم معرفة كثير من القبائل ما يعنيه بالضبط الانضمام للشرعية والانصهار في الدولة.
هذه هي الحقيقة على مرارتها ولذلك فمهمة اليمنيين المخلصين ودول التحالف أكثر صعوبة كثيرا بعد الحرب إن أرادت دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية أن لا تبقى مستنزفة في اليمن.
على دول التحالف أن تقنع اليمنيين بمزايا الدخول في عصر الدولة وهذه مهمة تحتاج إرادة سياسية وبعض الجهد وهي ليست أبدا صعبة مع الشعب اليمني خاصة بعد ما عاناه اليمنيون من ظلم ميليشيات الحوثي وصالح.
والله أنه لولا لطف الله وتدخل السعودية في اللحظة الحاسمة لأصبح ما يحدث في اليمن أخطر على العرب واليمنيين مما يحدث في العراق وسوريا بألف مرة ولدخلت عصرا أكثر ظلامية من عصر الأئمة بألف مرة.
إذا معظم مهمة التحالف بعد الحرب هي دخول اليمنيين مرحلة الدولة وانتهاء سطوة القبيلة.
ثانيا: الأراضي والحداثة والسلم الأهلي في اليمن.
هذه قضية ومشكلة رئيسية في اليمن وهي ملكية الأراضي وتنتقل هذه المشكلة بين القبائل والأفراد حتى داخل العاصمة صنعاء وقضية الأراضي وملكيتها لمن لا يعرف هي أساس ما يسمى بالقضية الجنوبية وهي أساس مطالبة ما يسمى بالحراك الجنوبي بالانفصال ولذلك لا بد لدول التحالف أن تنقل لليمن فورا خبرة تنظيم الأراضي وملكيتها من خلال نظام عصري تحت حماية سلطة الدولة وهذه هي المهمة الأصعب في اليمن ولكن لا بد من تنفيذها حتى ينتقل اليمنيون فعليا الى عصر الدولة.
قضية الأراضي وملكيتها والحروب الداخلية التي لا تنتهي بين اليمنيين على ملكيتها هي سبب رئيسي في تخلف أجزاء واسعة من اليمن.
لقد حرمت أجزاء واسعة من اليمن من التنمية واستغلال الثروات بسبب سطوة القبائل على الأراضي وعدم السماح باستغلالها وذلك خلافا لما يحدث في معظم أنحاء العالم حين تكون هناك منفعة عامة تقتضي تحويل ملكية الأراضي الى الدولة من أجل تنفيذ مشاريع البنية التحتية أو استغلال الثروات.
هذه المشلكة وعلى مدار سنوات حكم صالح حرمت اليمن واليمنيين من مئات المليارت من الاستثمارات المحلية والأجنبية وأعاقت تقدم الإنسان اليمني وحرمت اليمن من استثمارات اليمنيين المتجنسين في مختلف دول الخليج العربي ولا سيما في المملكة العربية السعودية حيث أن عددا كبيرا من أثرياء المملكة العربية السعودية هم من أصول يمنية ولا سيما أهل حضرموت.
إن حل هذه القضية لن يساعد فقط في تقدم اليمن بل سيسرع في قدرة اليمن على الاستجابة لشروط الانضمام للنادي الخليجي وسيجعل اليمن دولة ذات ثراء لا يتخيله أحد وستكفيها السياحة وحدها لتكون من أغنى دول الخليج.
ثالثا: الوقت وقيمته في اليمن وارتباط ذلك بمضغ القات
لا قيمة للوقت في اليمن إلا بما يحقق منافع قصيرة ولا سيما في المدن.
أكبر مشكلة تواجه الحداثة والتقدم في اليمن هي عدم الإحساس بقيمة الوقت وسوف تواجه مشاريع إعادة الإعمار والإنفاق فيها هذه المشكلة بشكل لافت.
لذلك أنا أشك أن يحقق اليمنيون شيئا يذكر من وراء مساعدات الإعمار في ظل هيمنة الثقافة الحالية ولا سيما فيما يتعلق بالتنمية المستدامة والقدرة على الاستغناء عن الآخر.
هذه المشكلة يجب أن تواجهها الحكومة بحملات توعية وبرامج ذات أطر زمنية حازمة.
لا يهتم جمهور هائل في اليمن بقيمة الوقت مجرد أن يتحقق له مصروف اليوم وضمة القات التي يهرب بها من كل شيء حتى من زوجته وأولاده
وحتى نقرب الصورة أكثر لنفترض أن مشاريع إعادة الإعمار ابتدأت في سوريا واليمن في وقت واحد. إن بقيث ثقافة قيمة الوقت في اليمن على ما هي عليه فسوف تنتهي مشاريع إعادة الإعمار في سوريا بعد عشر سنوات ولكنها لن تنتهي في اليمن بعد مائة عام.
وأخيرا على اليمنيين أن يحمدوا الله كثيرا على ما جنبهم إياه من مآلات ما حدث في سوريا والعراق وسيكون ردهم للجميل وافيا ليس بلافتات: شكرا سلمان ولكن بعزم يكافيء حزم سلمان لأنهم سينتقلون بعد هذه الحرب من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر ..من جهاد عدو بائن العداوة الى جهاد نفوس استمرأت تخلفا تراكم منذ مئات السنين.
نيسان ـ نشر في 2016/03/20 الساعة 00:00