يوسف.. فراسة في اقتفاء الأثر واصطياد الوحوش
نيسان ـ نشر في 2016/04/16 الساعة 00:00
إبراهيم قبيلات
يباغت يوسف 39(عاما) الضباع في أوكارها، معتمداً على (لكس و لجام وحبل وجنزير) كأدوات صيد تسهل مهمته في اصطياد ضحيته وترويضها، مدفوعاً بحب المغامرة، منذ 11 عاما.
ما أن يستمع يوسف من احد أصدقائه عن وجود ضبع في منطقة ما، في إحد أودية وجبال محافظة مادبا ولواء ذيبان، حتى يعد نفسه لمهمة قد تطول أياماً، قبل أن يهيئ الظروف المناسبة؛ ليختلي بـ"بفريسته" وجها لوجه، داخل وكرها، من دون خوف أو وجل، وسط جملة من التحديات غير المألوفة لعامة الناس.
تنتشر الضباع والذئاب في لواء ذيبان، خاصة في أودية؛ الأسدة، والوالة، والهيدان، والوادي الكبير، وطور الحشاش، وفي المناطق البرية المحيطة باللواء من جهاته الأربع، في تهديد حقيقي للأنسان والحيوان.
في ذاكرة أهل ذيبان الشعبية حكايات كثيرة حول الضبع، (أم عامر) من الحيوانات المفترسة، سيما وأن مناطقهم شكلت على الدوام مناخات آمنة للضباع والذئاب؛ فالبيوت متناثرة على رؤوس الجبال، وتنتهي الحياة مع مغيب الشمس، لاعتمادهم الرئيسي –حتى وقت قريب- على الماشية في حياتهم اليومية.
يعرف الضبع بأنه من الحيوانات التي تعتاش على أكل الجيف، وبقايا صيد وفرائس الحيوانات الأخرى، كما أنه دائم الخروج ليلاً بحثاً عن طعام معتمدا على قوة فكيه الهائلين لتأمين غذائه.
فرحة الصيد
"لا شيء يوازي فرحتي بصيد الضباع"، يقول يوسف الذي دخل أوكار حوالي خمسين ضبعا، فعلقت تفاصيل موحشة في ذاكرته، بعد مهاجمتها وتقييد أيديها وأرجلها من خلاف، فضلاً عن تلجيمها قبل أن يتم سحبها للخارج؛ إيذانا ببدء مرحلة جديدة، تبدأ بذبحها، ثم سلخها وصولاً لطهوها منسفاً بكامل قيافته.
"منسف" بلحمة الضبع، هذا ما أضافه الشاب يوسف لذائقة أصدقائه الأردنيين، الذين لبّوا دعوة صديقهم ذات عشاء، فاكتشفوا أن "معزبهم" استبدل لحمة الخروف بلحمة الضبع، يقول صديقه د. سالم خليل "للحمة الضبع مذاق آخر يشبه لحمة القعود".
ليس يوسف وحده من اقتحم عالم الضباع، فهناك آخرون سبقوه للتجربة ذاتها، لكنه ينفرد بمهارة العارف بخفايا وأسرار الضباع بين مجايليه، الذين يأسرهم منظره وهو يدخل وكر الضبع من دون أسلحة؛ ليخرج بعد وقت جاراً ضبعه خلفه، وسط حفاوة وانبهار الموجودين، ممن حضروا لرؤية "قاهر الضباع" حسبما يصفه خليل لـ"صحيفة نيسان" .
بالنسبة لجاره مربي الأغنام، أبو أحمد، فإنه يشعر بامتنان وفخر كبيرين ليوسف، الذي يراه حارساً للمكان من أنياب الوحوش، يقول لـ"صحيفة نيسان" "خلصنا من شر الوحوش".
مجرفة وفاس
يشنف يوسف آذانه كلما سمع من أحدهم حديثاً عن وجود ضبع، ليجد نفسه رهينة متعة وتجربة جديدة تضاف إلى رصيده. تبدأ الحكاية بقص الأثر على الأرض، وتتبع سير خطاه، حتى يصل إلى جحره، وهناك أيضاً يمعن النظر بتفاصيل المكان التي تكشف بوضوح بالنسبة له عن وجود الوحش في مكانه أم أنه غادر.
بعد ذلك، يستعين بأدوات الحفر، (مجرفة، فأس) لتوسيع فوهة الموكرة؛ ليتمكن من الوصول إلى الضبع، وقد يضطر إلى حفر أزيد من 15 مترا طولياً، قبل أن يبدا المكان بالاتساع شيئا فشيئاً.
ماذا بعد يا يوسف؟
"الاقتراب أكثر من الوحش، ومحاولة تلجيمه وتربيط يديه ورجليه، وسحبه بجنزير للخارج"، حسبما يروي يوسف الذي ما يزال يتذكر مخاطر إحدى مغامراته في اقتحام موكرة الضبع، برفقة أصدقاء، فضّل أحدهم أن يعيش تفاصيل تجربة سمع عنها الكثير، إلا إنه عاد أدراجه بعد أن انتهت المواجهة بينه وبين الوحش لصالح الأخير.
يستغل يوسف عدم مقاومة الضبع داخل جحرته، إذ يكتفي بإصدار أصوات عالية "تهمير"، فيسارع إلى تركيب اللجام على فمه، وتعزيزاً للأمان، يجتهد بإحكام قيده، ووضع ماسورة بينه وبين الضبع؛ لتحول من دون اعتداء الضبع عليه.
في الداخل وبعد أن يستشعر الضبع مرحلة الخطر، يواصل حراكه وزمجرته وشمشمة أيدي يوسف، من دون أن يبدي الصياد أية ردود أفعال، بل يستمر في هدوئه، حتى يتمكن من الإيقاع به، وفي الخارج يعود الضبع إلى سيرته الأولى، لكن هيهات.
تعود بدايات سلسلة مغامرات يوسف إلى رغبته الدفينة بمعرفة ما يحويه مكان الوحش، وأية تفاصيل تلك التي يحرص الوحش على وجودها.
"تفاصيل" يتذكر منها يوسف رؤوس الماشية وأعضاءها، ومقابر بشرية قديمة ومغلقة، وأشياء أخرى من قبيل بقايا الحيوانات.
ما أن طار ذكر الشاب في المنطقة حتى أمه الكثيرون مدفوعين بأسباب الطبابة والعلاج، إذ طلب منه أحدهم رأس الضبع ومخه للتداوي من سرطان الجلد، فيما طلبه آخر لحمة الضبع للمداواة من أمراض المفاصل، والشلل والسكري والضغط وارتخاء الأعصاب، لكن أصحاب الحلال يحرصون على سقاية مواشيهم بماء مغلي بلحمة الضبع لحماية أغنامهم من مرض الجرب والرشح.
الحديث عن الوحوش يقودنا إلى ما ارتضاه الشنفرى - ومن قلة في الأوفياء- لنفسه صحبا من الوحوش وفضّلهم على جملة البشر بقوله:
ولي دونكم أهلون: سيد عملس، وأرقط زهلول، وعرفاء جيألُ
إلا أن الفرزدق فطن إلى غدر الوحش الذي قال به :
وَأنتَ امرُؤٌ، يا ذِئبُ، وَالغَدْرُ كُنتُما أُخيين كانا أرضعا بلبانِ
مباغتة يوسف للضباع في عقر دارها ينسف كثيرا من قصص القدماء، الذين كانت أكبر مخاوفهم أن ينفرد بهم ضبع في الليل فيرشهم ببوله، قبل أن يختطفهم ليصبحوا وجبات سائغة، ويثبت للإنسان الحديث أن المفترس الأول هو الإنسان لا أحد غيره.
نيسان ـ نشر في 2016/04/16 الساعة 00:00