جمال الشلبي: الجسر المصري السعودي.. (تحالف الضعفاء) لمواجهة الأقوياء الجدد

نيسان ـ نشر في 2016/04/23 الساعة 00:00
التحالف السعودي المصري قد يوقف النزيف العربي الأردن: في مأمن من ارتدادات التحالف الجديد حاوره إبراهيم قبيلات قلل أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الدكتور جمال الشلبي من آثار "الجسر السعودي المصري" السلبية على الأردن، بالنظر إلى "ديناميكية العلاقة" بين البلدين، إلى جانب ما حققه الأردن من "معجزة" في استقراره الاجتماعي والسياسي. وأشار الشلبي في حوار لصحيفة نيسان عن رغبة القيادة السعودية والمصرية في "إدارة" نقاط الاختلاف بينهما لصالح وقف النزيف العربي، بما يعزز من دورهما في مواجهة "المد الإيراني" في المنطقة. وعرّج الشلبي على تداعيات الملف السوري واليمني، خلال حديثه عن الاتفاق بين الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول جزيرتي "تيران" و"صنافير" مؤخراً، في إطار رؤية جديدة، تعيد ترتيب أولوياتها؛ حفاظاً على توازنات سياسية لصالح الطرفين. وتاليا نص الحوار: - أين تكمن أهمية الجسر المصري السعودي اليوم؟ - في الواقع يأتي الاتفاق السعودي المصري حول جزيرتي "تيران" و"صنافير"تعبيراً عن رغبة الطرفين بتوسيع مجالات العمل المشترك اقتصادياً، ومن ثم الوصول إلى نقاط مشتركة سياسياً، لا سيما في نقاط الاختلاف بينهما، كما هو الحال في سوريا واليمن، إضافة إلى الموقف من إيران التي تشكل، حسب تصورهما، تهديداً حقيقياً للأمن القومي العربي. من جهة ثانية، هناك احساس عميق وحقيقي لدى الطرفين بضرورة إيقاف نزيف القوة العربية، رغم الاختلاف بينهما، في ظل التهديد الإقليمي والدولي الذي يتبدى بظهور قوى إقليمية "جديدة" مثل: تركيا وإيران. كذلك، هناك امتعاض سعودي وشعورهم بغدر حليفهم "الأكبر"، الولايات المتحدة الأميركية الذي يحول اهتماماته نحو المحيط الهادئ، الذي يضم 45% من سكان العالم والثروة من ناحية، وبسبب اطمئنانه أن القوى العربية المحيطة بإسرائيل غير قادرة على تهديدها بعد تفكيك الجيش العراقي في العام 2003 بقرار من بول بريمر، واستنزاف الجيش السوري، والهاء الجيش المصري بقرار من "الربيع العربي " 2011. يبدو، أن كل هذه العوامل الإقلية والعالمية ساهمت، بشكل أو بآخر، في تقريب وجهتي النظر السعودية والمصرية لتذليل التحديات التي تواجه الامة العربية، سواء على المستوى الإقليمي او الدولي؛ وباختصار هو "تحالف الضعفاء" الباحثين عن القوة ومواجهة القوى الإقليمية الجديدة الأخرى. هل من تهديدات حقيقية تواجه السلطة المصرية بعد تخليها عن جزيرتي تيران وصنافر؟ بالتأكيد، ستكون هناك ارتدادات صعبة على هذا القرار على الساحة المصرية؛ فقد صاحب توقيع الاتفاقية امتعاض لدى شريحة مصرية مهمة؛ نتيجة ما يسمى "التنازل" عن جزيرتي تيران وصنافر؛ ما شكل تحدياً حقيقياً لتحقيق الأهداف والغايات التي تسعى اليها السلطة في كلا البلدين مستقبلاً. صحيح أن مصر بحاجة لضخ أموال واستثمارات سعودية لانقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد المصري الضعيف والمتهالك، لكن يبدو ان "الإحساس الوطني" المصري هو الذي يسود، ليس فقط لدى المعارضين للرئيس عبد الفتناح السيسي، وإنما أيضاً من حلفائه السياسيين، والمثقفين، وربما العسكر؛ وهو مايشكل تهديداً حقيقياً للسلطة الحالية في مصر، ولو بشكل متأخر. وفي اعتقادي، ان هذا "الإنذار المبكر" قد يدفع السلطة بمصر إلى إعادة "ترتيب أولوياتها" مع السعودية في ظل "الطارئ الجديد"، لا سيما وأن بناء الجسر يحتاج إلى خمس سنوات، وهي كفيلة بتغيير موازين القوى والفاعلين على الساحة السياسية في البلدين، على الرغم من الاستثمارات السعودية البالغة 47 مليار دولار في مصر. - ما هي الخطوة التالية؟ يبدو لي أن هناك رغبة لدى الطرفين "لجر الآخر" إلى معسكره؛ فمصر تسعى لجذب السعودية نحو إيجاد "حل سلمي" سياسي في سورية بوجود الرئيس بشار الأسد، إلى جانب مواجهة الاخوان المسلمين من جهة، ومواجهة الإرهاب من جهة أخرى. بالمقابل تسعى السعودية إلى إدخال مصر ضمن تحالفاتها العربية والإسلامية في مواجهة الحوثيين في اليمن من جهة، ومواجهة إيران من جهة أخرى، فضلاً عن إقناع إدارة الرئاسة المصرية بأن تقف موقفاً حازماً من سلطة الأسد في سورية. إذاً، نحن أمام اختلاف كبير في وجهات النظر بين البلدين حيال ملفات المنطقة؛ فهل ستنجح مصر والسعودية بإدراتها بهدوء؟ لا شك أن هناك تبايناً واضحاً في رؤى الدولتين تجاه القضابا المهمة في الشرق الاوسط، لكن بالمقابل هناك، أيضاً، رغبة جادة من الطرفين بضرورة التضامن لمواجهة التحديات، التي ربما ستفقدهما التوازن السياسي المطلوب في المنطقة. من جهة ثانية، إن التقارب العربي العربي لم يعد "ضرورة" عربية فقط، بل ربما هو اليوم ضرورة عربية ودولية، لا سيما بعد التوافقات الأمريكية الروسية لإنهاء الحرب في سوريا، وإيجاد حل سياسي سلمي لها، الأمر يتطلب انغماس الجميع في عملية سلمية للمنطقة برمتها، بما فيها الدول العربية بما فيها مصر والسعودية. وماذا عن الاتحاد الأوروبي؟ بالطبع، لا يمكن إغفال رغبة الاتحاد الأوروربي- الجار القريب للعرب- في إنهاء مشكلة اللاجئين التي بدأت تؤرق القيادة الاوروبية وشعوبها. مشكلة تدفق اللاجئين وبأعداد كبيرة من سوريا والعراق وليبيا ودول أخرى لم تعد "قضية إنسانية" فقط بل وأيضاً" قضية أمنية"؛ ما يحتم إيجاد حلول سلمية تسمح بإعادتهم إلى دولهم، وبالتالي، التخلص من قلق وجود قنابل موقوتة بينهم، بعد أن باتوا يشكلون خطراً أمنياً على دول الاتحاد الأوروبي كافة. وما أحداث باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وتفجيرات بروكسل في آذار/ مارس 2016 إلا شواهد على صدقية "الحدس" الأوروبي بهذا الخطر، وضرورة التكاتف مع الدول العربية لإيجاد حلول مناسبة تحد من تدفق اللاجئين أولاً، وابعاد شبح الخطر الأمني ثانياً . هل الأردن بعيد عما يحدث بين مصر والسعودية؟ قد لا أبالغ بالقول أن الأردن حقق ويحقق عبر استقراره الاجتماعي والسياسي "معجزة" بكل ما لهذه الكلمة من معنى؛ يكفي أن نرى اشتعال النيران على جميع حدوده الشمالية والشرقية والغربية، ويكفي أن نرى الصراعات السياسية والدينية والعرقية واللغوية في الكثير من الدول العربية في مصر، واليمن، وليبيا، وغيرها لنرى ما حققه الأردن من انجاز، على الاقل بالجانب الأمني والاستقرار. الأردن بصفته دولة محاطة بدول أكبر منه سكاناً ومساحة، وامكانيات مالية وثروات طبيعية يزداد "حساسية" لكل ما يجري حوله، وهو مدرك لمآلات الأمور جيداً، وبالتالي، لا يمكن أن يكون بعيداً عما يجري اليوم بين مصر والسعودية، لما لكل ذلك من انعكاسات سياسية واقتصادية عليه بالمستقبل المنظور. البعض يتساءل عن أثر الاتفاق على نشاط العقبة التجاري؟ اسمح لي أن أقول بأنني قد اختلف مع اؤلئك الذين يضخمون ويبالغون من زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر وتوقيعه الاتقاف؛ فالبعض يعتقد بأن ما يحدث قد يؤثر على اقتصاد الاردن مستقبلا، لكن إذ ما نحينا العواطف جانباً ونظرنا للأمور بطريقة عقلانية وواقعية لأدركنا، حينها أن الأردن جزء لا يتجزأ من "منظومة عربية" متكاملة حتى في حدها الأدنى؛ فالأردن لديه علاقات مترابطة مع مصر والسعودية منذ أمد بعيد. وبالنسبة لعلاقة الأردن بمصر، فقد شكلت زيارة الملك عبد الله الثاني كأول حاكم يزور مصر بعد عزل مرسي في 20 تموز/ يوليو 2013 محطة مهمة في تعزيز شرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي في بداية حكمه، وهناك زيارات مستمرة بين القيادات من الصف الأول في البلدين من أجل التنسيق فيما بينهم، خاصة فيما يتعلق بالخطر المشترك، والمتمثل بالاخوان المسلمين من ناحية، والموقف من تركيا، وتمسك البلدين بضرورة إيجاد "حل سلمي" في سورية يضمن وحدة أراضيها من ناحية أخرى. ولا نننسى ، من الناحية الاقتصادية، أن هناك ما لا يقل عن نصف مليون عامل مصري في الأردن يحتاجون دوماً لمواقف سياسية على أعلى المستويات. أما بالنسبة للعلاقة الأردنية السعودية، فهي دائماً كانت في أعلى مستوياتها رغم بعض الاختلافات البسيطة فيما يتعلق" بالملف السوري"، وان كان الأردن جزءا من التحالف العربي والإسلامي الذي تقوده السعودية. كما لا بد من التذكير دوماً بأن العلاقات الاقتصادية تعلب دورا مهما في تقريب وجهات نظر البلدين؛ فهناك ما يقارب نصف مليون أردني في السعودية، ناهيك عن طرح الخليج بقيادة العاهل الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز انضمام الأردن إلى "مجلس التعاون الخليجي" مع المغرب في كانون الأول/ ديسمبرمن العام 2011. وبرأيي كل ذلك، يقدم شواهد دامغة على "عبثية" فكرة تأثر اقتصاد الأردن سلبياً، ويقدم ضمانات حقيقية على تحريك دورة الحياة، بالنظر إلى موقع الأردن الجيوسياسي، ودوره في تحقيق توازنات سياسية، وسط إقليم مضطرب.
    نيسان ـ نشر في 2016/04/23 الساعة 00:00