هل قرأ السيسي مشاهد اليوم بشكل صحيح ؟!
نيسان ـ نشر في 2016/04/26 الساعة 00:00
حتى كتابة هذه السطور تشهد شوارع القاهرة حالات كر وفر بين المتظاهرين وقوات الأمن من شارع لآخر ومن ميدان للثاني ، وحديث عن اعتقال العشرات من المتظاهرين ومحاصرة مقار أحزاب يشتبه بأن بعض النشطاء يعتصمون داخلها ويريدون الخروج للتظاهر ، ومدرعات وعربات مصفحة وجنود مدججون بالسلاح ينتشرون في الشوارع والميادين المهمة ، والحقيقة أن صورة العاصمة المصرية اليوم كانت بالغة السوء أمام الإعلام الدولي ، الذي مسه هو الآخر بعض شظايا الأحداث من توقيف أحدهم وطرد البي بي سي من ميدان التحرير وتفتيش وإيقاف أي شخص يشتبه في أنه يصور الأحداث ، بل وصلت الأمور إلى تفتيش هواتف المارة في بعض الميادين ، مثل ميدان رمسيس ، والبحث في رسائل "واتساب" والقبض على من يوجد لديه رسالة تتعلق بالجزر ، وكنت قبل لحظات قليلة من كتابة هذه السطور أتحدث هاتفيا مع الصديق الدكتور كمال حبيب والذي حاول الوصول إلى نقابة الصحفيين فمنعوه فتجول وسط البلد ، وانقطع الاتصال ثم حدثني بعد دقائق أن قوة أمنية قامت باحتجازه في مدخل إحدى العمارات في ميدان طلعت حرب ، وكمال عضو المجلس الأعلى للصحافة حاليا ، وأرجو أن يتدخل المجلس سريعا لوقف هذه المهزلة .
هناك حالة من التوتر الشديد والتخبط الأشد ، وقد وصلت الأمور إلى أن احتفال الشارع المصري بيوم تحرير سيناء تقوم فيه مجموعات مستأجرة محمية بسياج أمني برفع علم المملكة العربية السعودية وليس علم مصر نكاية في المتظاهرين الذين يرفعون علم مصر محتجين على إدارة الحكومة لقضية الجزيرتين ، والعقل السياسي في أبسط مستوياته لا يمكن أن يصل في عناده إلى هذه المهانة ، والتي تمثل إحراجا للسعودية نفسها ، لأنه لا يوجد شعب يرفع علم دولة أخرى احتفالا بأعياده القومية ، ولكنه التخبط وفوضى التفكير ، والعجز عن رؤية الخطر أو تفكيك المشهد الخطير .
الرسالة واضحة من أحداث اليوم ، مصر ليست بخير ، والوضع مأزوم ، والأحوال غير مستقرة ، والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات ، وهذا كله يمثل ضررا بالغا بمصالح الوطن كلها ، اقتصاديا وديبلوماسيا وأمنيا وسياسيا أيضا ، وكما أشرت بالأمس ، أيا كانت نتائج جولة اليوم ، إلا أن الخطير أنها فتحت بابا لا يمكن إغلاقه مهما كان الاستنفار الأمني ، كما أن هذا التشنج السياسي والأمني سيدفع لمزيد من الأخطاء في إدارة أزمة البلاد ، ومزيد من الأخطاء يعني مزيدا من الاحتقان وربما الضحايا ، هذه سلوكيات بائسة ، تفتقر للحد الأدنى من الحس السياسي أو الحكمة ، كما أن الحال الصعبة التي تعيش فيها البلاد اقتصاديا واجتماعيا لا تسمح بمثل هذا العناد السياسي والإصرار على مسار يدرك أصحابه ويدرك غيرهم أنه بلا أفق ، وينبغي أن يكون في هذا البلد من يملك الإحساس بالمسئولية لوقف هذا الاستهتار والتعالي على إرادة الشعب .
لقد تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل شهور ، عندما شعر ببداية تململ شعبي ضد سياساته ، بأنه مستعد للمغادرة إذا شعر أن الناس ستنزل الشارع احتجاجا عليه ، ولكنه اليوم يغلق الشارع وينزل قوات الأمن بكثافة لمنع الناس من النزول ، وهي رسالة واضحة لا تحتاج إلى شروح مطولة ولا مختصرة ، فالرسالة وصلتك بوضوح ، كما أن رسالتك وصلت للناس الآن بوضوح أيضا ، ولن يغير منها شيئا الزج ببعض البسطاء والغلابة في بعض الميادين لرفع الصور والهتاف للقائد ، فأي نظرة بسيطة للشارع الآن يمكنها التمييز ، بين قوى سياسية معروفة وثوار حقيقيين معروفين وشباب صنعوا مشهد الثورة المصرية منذ يناير 2011 وحتى الآن ، وبين بعض النساء والبائسين المجهولين القليلين الذين لا يعرفهم أحد ونزلوا في حراسة قوات الأمن ليرفعوا صورك .
هذا أوان أن يفكر الجميع بمسئولية ، وأن يفكر الجميع في مصلحة الوطن قبل أي مصلحة أخرى ، مصر دخلت في طريق مسدود ، ولا بد من البحث عن مخرج ، اليوم وليس غدا ، لأن التكاليف تزداد تعقيدا وخطورة مع الوقت .
المصريون
نيسان ـ نشر في 2016/04/26 الساعة 00:00