هراوات عربيّة ناعمة !

ماجد شاهين
نيسان ـ نشر في 2016/04/28 الساعة 00:00
السؤال ُ ليس متأخرا ً ،
و ليس ملتبسا ً ، ولم يتبدّل ، و يرميه في وجوهنا عديدون :
لما لم تحقـّق " التظاهرات العربية و الاحتجاجات وسواها "
غاية من غاياتها أو انتصارا ً حقيقيا ً للمواطن العربيّ أو للمشاركين و المحتجـّين ؟
لماذا انتهت التظاهرات العربيّة ، في الأغلب ، إلى فشل ٍ أو افتراق أو صراع بين المتظاهرين أو إلى دماء في الأرجاء ، فيما الحكومات العربيـّة انتصرت بلا معركة واكتفت بالفرجة و ضحكت أخيرا ً ؟

الإجابة عن هكذا سؤال تقع في باب الالتباس والارتباك و الغموض و ربـّما في خانة " ما وراء المشهد " .

ولا يمكن الحسم و تقديم إجابات قاطعة محدّدة في فضاء الأسئلة ، لكن الإجابات يمكن أن تتراوح بين :
_ حاجات و طموحات المشاركين في التظاهرات متباينة و المواقف الفردية لهم لا تلتقي ، فما الذي يمكن أن يوحّد هتاف الفقير المعدم الذي بالكاد يلقط قوت يومه من خلال عربة يبيع عليها " ذرة مسلوقة " أو " ترمس " أو من خلال جهد كبير يبذله في " العتالة والتحميل والتنزيل ونقل البضائع " فيرجع إلى منزله متهالكاً منهك القوى يكاد ينفجر من عبء الحاجة التي قد تبدأ عند أجرة المنزل و فواتير الماء والكهرباء و الأقساط الجامعية و هموم الأبناء الذين تخرجوا و لم يجدوا عملا ً أو وظيفة و سواها من هموم المرض والشيخوخة و كذا احتياجات .. فيما الآخر شريكه في التظاهرة ، يركن سياراته الفارهة في مرآب البيت الكبير و الأولاد يعودون من وظائفهم العليا والمتوسطة ويلتقون عند الموائد العائلية الكبرى وسواها .

كيف يمكن أن تلتقي الهمم الفردية عند هذا و ذاك .. و كيف يمكن أن يتعاونا لتحقيق طموحات جمعيّة طالماً أحدهم يتضور جوعاً و ربما عطشا ً والآخر يقلق في كثير من الحالات حين تنقص قليلا ً مياه بركة السباحة أو تتعثر القطة المنزلية فتلتوي ساقها ؟

للمناسبة ، حتى الهراوة العربية التي تضرب المتظاهرين والمحتجين ، تكون في جانب ، طرية خفيفة ناعمة من قطن أو قش ّ أو شرائط وخيطان رقيقة فلا توقع أثرا ً أو وجعا ً في جسد مجموعة من المتظاهرين ، فيما في جانب آخر تكون هراوات غليظة قاسية صلبة متينة موجعة تطيح بأجساد آخرين .

و هل يعرف القامع العربيّ الفرق بين متظاهر و آخر ؟
أو هل يستطيع فصل المتظاهر الفقير عن المتظاهر لغايات تزيين المشهد ؟

نعم !
غالبا ً ما يروح المتظاهرون المخمليّون إلى أطراف المشهد و عند حواف التظاهرات لكي يسهل عليهم الانسلاخ من القصة والانصراف إلى سياراتهم المركونة في مرآب او شارع أو عند ساحة قريبة مجاورة .

أولئك الفقراء يتعثرون بالأرض والتراب والهراوات والهتافات ،
والمخمليّون يتعثرون بقليل من الغبار والضجيج الذي قد يصيب آذانهم و ملابسهم .

المترف يعود إلى بيته بكثير من الترف والفكاهة و يقول لأسرته أنه شارك في فرجة مسرحية .
والفقير المتألم يرجع إلى غرفته الصغيرة منهك القوى خائرها ولا يلوي سوى على تعب و وجع و موقف .
    نيسان ـ نشر في 2016/04/28 الساعة 00:00