اصحى يا بيوس
نيسان ـ نشر في 2016/05/04 الساعة 00:00
كنت مع صديق بسيارته، وطلبت منه يوصلني لوسط البلد، للقاء بعض الأصدقاء، ففاجأني بسؤاله: منوين الطريق؟
للحظة فكرته بمزح، لكن كلامه وأنا صافن فيه إنه بحياته ما وصل وسط البلد. خلاني أحس بالفراغ الروحي اللي بنعيشه خلف ستار التحضر، وقلت: اللي ما بعرف وسط البلد، حرام يقول إنه عايش بالأردن.
سؤاله استفزني، كيف ممكن يكون الإنسان عايش بعمان ومابعرف عمان القديمة، وكيف ممكن ينتعش من هوا عمان بدون ما يستنشق نسمات شوارعها العتيقة، كيف ممكن يعرف أصالة الأردن إذا ما خالط الوجوه الغريبة وسط البلد.
من يتباهى بالعطور الفرنسية لن يفهم أناقة العطور الممزوجة برائحة رطوبة جدران عمان القديمة.
ولا معنى للسعادة لمن يجلس في أفخم الكافيهات في ضواحي عمان، ولم يجرب الجلوس على الطاولات والكراسي الخشبية المهلهلة في مقاهي وسط البلد.
وكم هو شعور جميل عندما نراقب فرحة عمان في عيون الناس وضحكاتهم في الشوارع القديمة عند المساء.
حياتنا عبثية إن لم نفهم كيف زحفت عمان من أحيائها القديمة إلى مبانيها البيضاء والحمراء، أعمارنا بلا معنى إن لم نمر باكشاك الكتب وبسطات قرمز ونقّي في طريقنا إلى الساحة الهاشمية والمدرج الروماني.
المدرج الروماني، الذي كان شاهدا على عظمة مجالدين يصارعون الأسود في الساحة المجاورة، وأصبح مسرحا لمثليين وشواذ يتبادلون القبلات والاحضان تحت غطاء الحرية.
لو عرف انطونيوس بيوس ماذا سيحدث من بعده، لكان هدم مسرحه قبل أن يرحل. لو فرسان الإمبراطورية الرومانية علموا أن بطولاتهم سوف تهان من شواذ لما رحلوا.
إرجع يا بيوس، قوم، فز، إصحى، شوف حضارتك شو صار فيها.
فز، تعال هد المسرح، بدناش إياه مش بحاجته إحنا، بدناش لا دروس تاريخ ولا عراقة ولا بدنا حضارة، ما بتلبقناش، لأن احنا يا بنطخه يا بنكسر مخه.
إحنا تاريخنا بدا بالصويفية والرابية وعبدون ودابوق وام السماق، وهويتنا الأردنية مصنوعة بشارع الوكالات ومعروفة من الماركات اللي بنلبسها والمولات اللي بنفوتها.
تعال وريحنا، هد المسرح هدّه، وهد كل المسارح القديمة اللي عندنا، لأن زهقنا من مسرحيات الإخوان والشياطين، اشي بده ايانا نعيش بعصر أبو جهل و اشي بده يعرينا.
نيسان ـ نشر في 2016/05/04 الساعة 00:00