الحكومة المقبلة واستراتيجية التشغيل

فتح سعادة
نيسان ـ نشر في 2016/05/16 الساعة 00:00
بات معظم الأردنيين على قناعة الآن بأن حكومة عبد الله النسور قد أزف رحيلها والاختلاف في تقدير زمن الرحيل لا يصل مداه لستة أشهر كحد أقصى وقد آن الأوان في الحقيقة لتغيير النمط الشعبي ونمط الصالونات السياسية كما يسمونها في الترحيب بالآتي وتعداد مناقبه وإنزال سيوف النقد والتجريح في الراحل وعيوبه وتعداد مناقصه. السؤال الرئيسي هل برنامج الحكومات الذي تنال الثقة على أساسه بعد كتاب التكليف السامي يبقى كافيا حسب تاريخ التزام الحكومات المتعاقبة ببرامجها وقدرتها على تنفيذ أعمالها.
الجدير بالذكر هنا أن الحكومة القادمة قد تكون فقط بغرض إمضاء الانتخابات وبالتالي لن يكون بمقدورها تنفيذ برامج وما نقصده تحديدا هنا هي الحكومة التي ستلي الانتخابات القادمة والتي ستستقر في الدوار الرابع لأربع سنوات على الأقل هي عمر المجلس النيابي القادم.
لا أبالغ إن قلت أن أداء الحكومة القادمة التي ستعمر لأربع سنوات على الأرجح سيكون حاسما ومفصليا وذلك لأن هناك ملفات ساخنة بل وساخنة جدا.
أما أسخن هذه الملفات والذي فشلت فيه الحكومات جميعها تقريبا فهو ملف التشغيل والقدرة على توليد الوظائف والأعمال ولجم البطالة ولجم سير المجتمع نحو مجهول الفوضى واليأس.
لا أبالغ إن قلت أن هذا الملف أصبح ملف أمن دولة ولا أبالغ إن قلت أيضا أن هذا هو ملف الحكومة القادم شبه الوحيد فيما يتعدى ملفات الخدمات وذلك بعد التعديلات الدستورية الأخيرة....ما أعنيه ماذا ستفعل الحكومة القادمة إن لم تشغل الناس وقد خرج من يدها الدفاع والأمن...وما أعنيه أيضا أن رئيس الحكومة القادمة سيكون أفشل من رئيس الحكومة الحالية إن لم يشغل الناس.
ملف التشغيل هو ملف الحكومة المستقرة القادمة شبه الوحيد لأن انهيار المجتمع ليس شرطا أن يأخذ شكل مظاهرات أواعتصامات فيما يمكن التعامل معه واحتواؤه من قبل الأجهزة الأمنية.
أتمنى أن يستقر في ذهن رئيس الحكومة القادم أن انهيار الشعب يأخذ أحيانا اشكالاً ترفيةً مما قد يقنع الناظر أن الوضع على خير ما يرام. قد يرى المراقب أن الشعب الأردني كله يدخن مارلبورو فيعتقد أن هذا الشعب أصبح مترفا لدرجة أن كل أفراده قادرين على تدخين أغلى أنواع السجائر.
قد يرى الناظر أيضا أيضا أن الشوارع مزدحمة بأحدث أنواع السيارات فيقتنع أن هذا الشعب لا يعوزه شيء.
الناظر قد لا يدقق ليرى أن الأردنيين وفي نسبة مهمة منهم ينتحرون انتحارا ترفيا كما تفعل شعوب كثيرة فعلى سبيل المثال الشعب اليمني ينفق معظم ما لديه في مضغ القات والقات هذا مصنف عالميا على أنه نوع من أنواع المخدرات فهل يعني ذلك أن الشعب اليمني اكتفى من كل شيء وأصبح لديه فائض مال ووقت ليقضي معظم ساعاته في مضغ القات.
إن من الملاحظات الهامة التي لمسها كل من زار دولا ثرية أن نمط الحياة هو السكون والهدوء فالمحال التجارية تغلق مبكرا وحركة السيارات عادية عدا في نقاط الربط والتقاطعات والناس يقضون أوقاتهم بعد العصر في ممارسة الرياضة أو الاستعداد لليوم التالي والضوضاء لا تسمع عادة إلا في نهاية الأسبوع ولها أماكنها المحددة حيث لا يسمح بضوضاء أن يخرج منها ولا يسمح حتى بضوضاء في الأحياء السكنية.
الشعوب المنهمكة في العمل تغلق محالها التجارية مبكرا وتنام مبكرا وتصحو مبكرا وتعود من أعمالها منهكة لتستريح ولذلك فرص إثارة الضوضاء ضئيلة وفرص الفوضى قليلة.
الشعوب التي لا تعمل تسهر طوال الليل في الشوارع وحياتها فوضى والناظر الى حالها عن قُرب أو بُعد دون الخوض في التفاصيل يخرج بانطباعات خاطئة تماما.
نعود الى الحالة الشعبية الأردنية الراهنة...الكل يعاني من ضيق الوقت، الشوارع ممتلئة بالسيارات وشرائج اجتماعية كبيرة تسهر الى ساعات متأخرة من الليل ونسبة كبيرة من المحال التجارية تستمر في توفير الخدمات حتى ساعات متأخرة جدا من الليل.
يرافق هذا الواقع ويسير معه طبقات اجتماعية تسير نحو الهاوية في ظل انعدام الأمن الاقتصادي وشيوع البطالة والفقر وما يرافق ذلك من تفكك أسري وضياع البوصلة وانعدام هدف أسمى في الحياة.
الفئات التي نقول أنها تسير نحو الهاوية لن تخرج حتما في مظاهرات ولن تعتصم اعتراضا على سياسات ولكنها ستدمر نفسها وفي نفس هذا الاتجاه ربما تأخذ منا أمننا وأخلاقنا وقيمنا.
ما يزيد الحنق والحسرة أن كل مسؤولينا قد تعبوا من التجوال في مدن العالم وقد التحق بعضهم ربما بمئات من ورشات العمل والمؤتمرات وعرفوا متى يكون مظهر الحياة سليما ومتى يكون مُعتلا والمدهش أنهم لا يغارون.
إن ما وُضع في عمارات عمان من لوازم البهرجة والترف لا يشي مطلقا بأن نسبة هائلة في هذا المجتمع تعاني جوعا مزمنا في متطلبات الغذاء الصحي ولا يجد مئات آلاف الشباب في هذا المجتمع أعمالا تليق بمهاراتهم والفقر والعوز أصبح يلف حتى من كانوا بالأمس طبقة وسطى.
نحن أمام أزمة تعبر عن نفسها بطريقة مضحكة مبكية ....فنحن نذوي بصمت ولم يقتصر الأمر على فوضى الحكومة وقرارتها وانتهازيتها وعدم وجود رؤية تنفيذية لديها بل أصبح لدينا مجتمع يتباهى بالسراب.
في المحصلة ....الانتظار هو الدمار والانهيار.
إن دوريات النجدة على الطرقات ترصد وتقبض مطلوبين للأمن والقضاء ....ولكن متى تنزل الحكومة بوزرائها للشوارع والأزقة لتبحث عن مُعدمين وجوعى ويائسين......
الفقر موجود دائما ولكن ما يخفف وطأة الفقر هو الأمل وانتظار الفرج ولكن للأسف لا تنتبه حكوماتنا أن تاريخ ممارساتها مع الشعب الأردني تجعله دائما ينتظر الأسوأ...الكل ينتظر مزيدا من الغلاء ومزيدا من العوز وحتى الأحاديث المتكررة عن مساعدات قادمة أصبحت لا تعني معظم الأردنيين فلو سألت معظم المواطنين عن رأيهم فيما يشاع عن مساعدات ومشاريع لقالوا لك: مش إلنا...القنوات معروف مجاريها...ألا يفكر مسؤول أردني أن يضع خطة تنفيذية تقنع الأردنيين بغد أفضل.
هل نبقى ننتظر حتى نستيقظ على دمار وانهيار.
إن كنا نعاني من فساد فمرده الى الفوضى وانعدام الرؤية فعلى سبيل المثال حين تتكدس المولات التجارية في عمان ويضم كل منها مئات المحال التجارية شبه الفارغة من الزبائن في معظم الوقت في حين أن مدنا أردنية ليس فيها خدمة نظافة شوارع معقولة أو حد كافي من البنى التحتية فعلام يدل ذلك.
البنى التحتية والمصانع والمزارع والجامعات والمدارس ووسائل النقل أهم من غابات من العمارات المكدسة في عمان والتي أصبح ساكنوها بالكاد يستطيعون الصرف على متطلبات الحياة فيها.
لا يُصلح الناس فوضى لا سُراة لهم ...................ولا سُراة إذا جهالهم سادوا.
لسنا بحاجة الى ديمقراطية قبل سيادة الحكمة والرشد والقدرة على ضبط حركة المجتمع وتوجهاته وإلا أصبح الجهل سيد الموقف ووصل هذا الجهل الى السيادة والريادة بالديمقراطية وإذا أردتم دليلا على كلامي فانظروا الفرق بين الصين والهند....أنا أختار استبداد الصين إن صح التعبير على ديمقراطية الهند.
صدقوني أننا في الأردن وطالما أن الجميع يجمع على شرعية الحكم فنحن بحاجة الى فزعة حكمة ورشد قبل أن نتحدث عن ديمقراطية....
لربما يكون طرح استفتاء على رؤية ووضعها في برامج مزمّنة سيكون أفضل مدخل الى حكومات برلمانية تتبارى في تحقيق رؤية يجمع عليها الناس وينهمكون في تحقيقها بدل التسكع في مولات عمان وأزقتها ومقاهيها.......إن الأموال التي تنفق في فوضى عمان وزحمتها تكفي لصناعة مجتمع منتج ثري بدل انتظار فرج المساعدات والهبات.
    نيسان ـ نشر في 2016/05/16 الساعة 00:00