شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان والرسالة الأهم
نيسان ـ نشر في 2016/05/26 الساعة 00:00
حظيت جولة شيخ الأزهر فضيلة الدكتور أحمد الطيب في إيطاليا وفرنسا باهتمام واضح في الصحافة الأوربية ، ونشرت مقالات عديدة هناك رحبت بالزيارة وأثنت على الخطاب الديني الذي يقدمه شيخ الأزهر باعتباره خطابا معتدلا يتوافق مع الحضارة ويرفض التطرف ويحاصر الإرهاب ، وهذه المعاني قد يكون من يعيشون في بلادنا غير مدركين لأهميتها وحساسيتها الآن في العالم الغربي الذي يعيش على وقع حصار إعلامي وسياسي رهيب من تيارات اجتماعية متطرفة ومعادية ضد العرب والمسلمين تستثمر عمليات الإرهاب المروع الذي يضرب قلب أوربا للتخويف من الإسلام ووصفه بالوحشية وأن نصوص القرآن ذاتها تحض على العنف وأنه لا مجال لوجود الإسلام أو المسلمين في الغرب ، كما يتماهى هذا الخطاب المتطرف ـ مع الأسف ـ مع دعوات الاستبداد في العالم الإسلامي ، ويصطف رموز وقادة هذه التيارات الأوربية بشكل تلقائي مع الزعامات الاستبدادية الدموية في العالم العربي والإسلامي ، ومع كل أداء سياسي يمثل قمعا للإسلام والمسلمين شعوبا ومجتمعات ، بما في ذلك الطاغية السوري الدموي بشار الأسد الذي قتل قرابة نصف مليون من شعبه وشرد عشرة ملايين ودمر البلاد ، فزاره كثير من تلك الزعامات الأوربية المتطرفة لإعلان مساندتهم له .
يتميز الشيخ أحمد الطيب بقراءته العميقة للعقل الأوربي وميراثه الفكري والفلسفي الحديث ، وهو دارس للفلسفة وتاريخ الفكر بالسوربون أساسا ، كما يملك وعيا بخلفيات المواقف والدوافع للتيارات الفكرية والسياسية المختلفة هناك ، وهذا ما يمنحه قدرة على قراءة الموقف الفكري والديني عالميا بشكل صحيح ، وقد استمعت إليه في أكثر من موقف وكان مبهرا في اقتناص الفكرة وتحديد المشكلة والرد على الشبهة ، ولذلك كان خطابه مؤثرا للغاية هذه المرة أيضا في زيارته ، فهو يعرف ماذا يخيفهم بالضبط ويعرف أيضا ما الذي يحتاجون إلى سماعه عن الإسلام والمسلمين ، وقد نجح في ذلك .
المتابعون لهذا الملف عالميا ، يدركون أن هناك جهودا تبذل على خلفيات طائفية ، مع الأسف ، لتشويه صورة الإسلام السني ، في مصر والخليج العربي ، ووصفه بالإرهاب وأن مناهج التعليم الديني في تلك البلاد تحرض على الإرهاب ، وهذا الكلام يبنى عليه خطط واستراتيجيات ومواقف دولية مهمة للغاية ، واللوبي الإيراني على سبيل المثال أقوى لوبي مؤثر في واشنطن حاليا بعد اللوبي اليهودي ، وهو يلعب على هذا الوتر ، ويستثمره لصالح التمدد الإيراني والدولة الفارسية في المنطقة ، فالإسلام السني الذي يروجون صورته هو داعش وهو تنظيم القاعدة وهو الجماعات المتطرفة ، وهذه الصورة تحتاج إلى حكمة ووعي وجهد كبير لمحاصرتها وكشف زيفها ، فالإرهاب لا دين له ولا ملة ولا طائفة ، وهناك عشرات الميلشيات والتنظيمات الشيعية الإرهابية في العراق والشام وأفغانستان والخليج ، وهناك أيضا منظمات إرهابية سنية ، ولكن الغرب منزعج جدا من الثانية لأنها توجه بوصلة عدائها للغرب ، بينما الميليشيات الشيعية تتحالف عادة مع المشروع الغربي والأمريكي تحديدا في العراق أو سوريا أو أفغانستان فيتسامح معها .
كانت هناك أخطاء بروتوكولية بالفعل حدثت في زيارة الشيخ الطيب للفاتيكان وجلسته مع البابا فرانسيس ، الذي وضع شيخ الأزهر على كرسي أصغر من كرسيه وأدنى منه ارتفاعا ، وهذه الصورة ـ إن أحسنا الظن ـ خطأ غير مقصود يسأل عنه الفاتيكان ، غير أني أتمنى أن لا نتوقف طويلا عند مثل هذه الأخطاء لنسيان قيمة وأهمية الزيارة وتوابعها ، كما أتمنى أن نفصل بين الخلاف السياسي الداخلي مع شيخ الأزهر والذي يمثل امتدادا لمعركته مع الإخوان ، وبين الدور الذي يؤديه الأزهر للإسلام على المستوى الدولي ، خاصة وأن الزيارة لها وجه استقلالية واضح عن سياسات الدولة ، هو تحرك ديني محض ، ولغايات تهم الإسلام والمسلمين في العالم كله ، وليس في مصر وحدها .
المصريون
نيسان ـ نشر في 2016/05/26 الساعة 00:00