واقعة التعري.. عندما يأخذ القانون مجراه!
نيسان ـ نشر في 2016/05/30 الساعة 00:00
لماذا ينفي الإسلاميون واقعة تعري "سيدة المنيا"؟!
هذا سؤال طرحه في البدء بعض النشطاء المسيحيين، قبل أن يطرحه غيرهم ممن اهتز وجدانهم لواقعة التعري، وقد اهتز بعد ذلك وجدان كثيرين عندما تراجعت السيدة عن أقوالها التي قالت فيها إنها تعرضت للتعري في الأحداث، ومبعث اهتزاز الوجدان هنا أن السيدة تعرضت لضغوط أمنية وكنسية دفعتها للتراجع، أو هكذا رأوا!
لو اقتصرت الدهشة على النشطاء من المسيحيين، لكان افتعالها له ما يبرره، لأن في نضالهم لتحويل الواقعة إلى قضية طائفية، يهمهم أن يحضر الإسلاميون في المشهد، ولو كان بفعل التلفيق، ولهذا فهناك من يتهم الإخوان بأنهم وراء الحادث، وهناك من قالوا أن تضخيمه يقف خلفه الإخوان بهدف توظيفه ضمن مخطط تمزيق شمل الوطن وإفشال السيسي في الحكم!
بيد أن الأزمة في أن هناك من غير هؤلاء من طرحوا سؤال السر وراء النفي الإسلامي لواقعة التعري، مثل صديقنا الإعلامي "زين العابدين توفيق"، الذي كتب يدعو القوم إلى عدم الغضب، والحال كذلك، عندما يتحدثون عن تعري بناتهم على يدي سلطة الانقلاب فيقال لهم: أين الدليل؟!
الأمر الذي دفعني للبحث بجدية عن أسباب النفي المجاني للإسلاميين، فلم أجد هناك نفيا، بل على العكس من ذلك فقد وجدت من بينهم من يسلم بوقوع الواقعة وينطلق من ذلك ليحمل الانقلاب قيادة البلاد إلى هذه الحالة، فهذا ملف بعيد عن الاهتمام الإسلامي، ولم يثبت ضلوع الإخوان في وقائع الفتنة الطائفية، بل إنهم كانوا دائما في هذا الملف يعملون على إحراج نظام مبارك، فقد رشحوا في انتخابات 1987، على رأس قوائم التحالف الإسلامي جمال أسعد عبد الملاك، للانتخابات البرلمانية في دائرة المرشد العام للجماعة، وبعد الثورة تم ترشيح "أمين اسكندر" على رأس قائمتهم بشمال القاهرة!
وقد تأسست حركة سميت "العيش المشترك" للحوار بين الإخوان وعدد من الرموز المسيحية، ولم ينشغل القوم بقصص الفتيات اللاتي أسلمن من كاميليا شحاتة إلى "وفاء قسطنطين"، واللاتي تم تسليمهن للكنيسة، وبعد الثورة وعندما دفعت بعض الأجهزة الأمنية بسلفيين لحصار الكاتدرائية بالعباسية، والمطالبة بفك سراحهن، استغل الإخوان الواقعة لصالحهم، وباعتبار أنهم التيار الإسلامي المعتدل، حتى إذا جرت الإعادة بينهم وبين السلفيين في إحدى دوائر محافظة الإسكندرية خرج الأقباط لينتخبوا المرشح الإخواني!
وبعيدا عن الإخوان، فلم أطالع كتابات نفي من قبل الجماعة الإسلامية وأخواتها، ولست على يقين من أنهم قد علموا بالأحداث أصلا، ومن علم منهم فلا أظن أنها شغلته حد نفي واقعة تعرية "سيدة المنيا"، التي وجدها البعض، من غير "زين العابدين توفيق" فرصة للتأكيد على إنسانيهم التي اختفت في ظروف غامضة، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، ومنهم من فوض على القتل، ورأى الجثث المحترقة أمامه فلم يهتز له رمش!
ومنهم من تآمروا على الحكم المنتخب، وأعطوا "وزير الدفاع" الحق في إهدار دستور تمت الموافقة عليه شعبياً في انتخابات لم يشكك في نزاهتها أحد، فجاءوا يتحدثون عن "دولة القانون" في مواجهة أحاديث الصلح، حتى قبل أن تنطلق، فاتهم أن الدستور، هو القانون الأعلى، تم إهداره "بجرة بيادة"!
لست ميالا لنظرية "قميص عثمان"، فنفتش في الدفاتر القديمة، لنقول أنه من العبث أن يتحدثوا في ظل الانقلابات العسكرية أو في دولة العسكر عن القانون، لكن لا بأس، فلنجاريهم في هذه "السكة".
فليس من المنطق أن يتم الحديث عن القانون ودولته، وهذا الحضور الكنسي الواسع، ومن أسقفية قنا، إلى أسيوط، إلى المنيا، وهو حضور يمثل خروجاً على مقتضى القانون، وعندما يهدد أسقف المنيا، باستدعاء الخارج، فإن هذا يضعه تحت طائلة القانون، الذي يستفيد من تغييبه هذا الطرف المنزعج لغيابه في واقعة تعرية "سيدة المنيا"، فما هى الصفة القانونية لنيافته، وما هو الوضع الذي يرتبه القانون لجماعة الكهنوت في هذه الواقعة؟!
ولا ننس في أحداث الكشح كيف ضبط الأنبا ويصا متلبسا في الفتنة الطائفية، وقد هدد القيادات الأمنية بإبلاغ البيت الأبيض، ثم لم نقرأ اسمه في القضية وفي عريضة الاتهام، فقد جرى إخراجه منها في تسوية سياسية بعيداً عن القانون، ولم ير دعاة دولة القانون في هذا العمل انتهاكاً لقيم هذه الدولة ومبادئها!
الإسلاميون لم ينفوا واقعة تعرية "سيدة المنيا"، ولأنه سبق لي أن ناقشت الواقعة ونفيتها، فإنني أقوم حالا بتأسيس هذا النفي على هذا النحو:
أولا: عندما وقعت مشكلة أبو قرقاص، لم تُذكر واقعة التعري أبداً، ولم يكن للسيدة المذكورة حضوراً في المشهد إلا بعد ستة أيام.
ثانيا: أنه في اليوم الأول للواقعة فإن ستة شهود إثبات في المحضر الرسمي، هم من المسيحيين، من بينهم صاحب المنزل وزوج السيدة "دانيال عطية عبده"، وقد قالوا بالتعدي على المنزل، واتهموا الفريق المعتدي بالحرق والإتلاف وحمل السلاح، ولم يقل أي منهم أن ثمة اعتداء جرى على السيدة.
ثالثا: أن المجني عليها السيدة "سعاد ثابت" سجلت في محضر رسمي تعريتها، وذلك بعد ستة أيام كما ذكرنا، وذكرت في شهادتها المنفردة أموراً تفقدها الأهلية للشهادة عندما تتهم أحد الأشخاص بأنه كان يحمل مسدسا اسود اللون في يده وقت الأحداث، ثم يتبين أنه ميت منذ يونيو 2005.
وأيضا، عندما تتهم آخراً بأنه كان حاضرا في الحادث بقوة، وأنه شارك فيه بفاعلية ثم يتبين أنه قعيد ومصاب بشلل كامل منذ عامين. وكذلك عندما توجه الاتهام لأحد الأشخاص يثبت للنيابة بشهادة الشهود من زملائه المسيحيين بأنه كان وقت ارتكاب الحادث في عمله!
ولأن الدفع بالسيدة "سعاد ثابت" في الموضوع سيعرضها لاتهامات لا قبل لها بها، إذا أخذ القانون مجراه، وقد تخضع للعقوبات الواردة عن البلاغ الكاذب، والشهادة الزور، وهو التنازل الذي وجدوه فرصة لنصب المناحة، لافتراض أنها تعرضت لضغوط من الأجهزة الأمنية المتحالفة مع الكنيسة، وهى مناسبة مهمة للحديث عن المرأة المكسورة والمقهورة في مواجهة هذه القوة الباطشة ممثلة في قوة الكنيسة وقوة الدولة!
وذلك في حين أن الكنيسة ممثلة في أسقف المنيا المفوض من قبل البابا، لا تزال تقود موقفا متشددا، وتتهم الأمن بأنه مزق محاضر سابقة وما إلى ذلك، بل إن الأسقف يهدد أنه إذا لم يجر عقاب المتهمين وهم من وجهة نظره (300) فرد، فسوف يستدعي الخارج للتحقيق!
فهل الذين يتحدثون عن ضرورة أن يأخذ القانون مجراه جادون في ذلك فعلا؟ أم أنهم يريدون قانونا على المقاس لا يتطرق إلى سبب الأحداث التي اختزلوها في واقعة التعرية؟!
لقد بدأت هذه الأحداث بسبب اتهام تردد بأن ابن هذه السيدة على علاقة مع زوجة صديقه المسلم، لاحظ أنهما صديقان، وأن الديانة لم تمنعهما من أن يتداخلا حد أن شائعة العلاقة كانت مصدقة، وقد دخلت ابنة الزوجة على الخط فأكدت على الاتهام، وهو أمر لم نكن نريد أن ننحدر إليه، لولا التوظيف السياسي لهذه القضية من قبل أهل الحكم للتغطية على قضايا أخرى لا تبدأ بالتفريط في جزيرتي صنافير وتيران، ولا تنتهي بحديث الجفاف وإسقاط الطائرة.
وأيضا، لولا التوظيف المسيحي لها بأنها قضية فتنة طائفية مع أنه كان يمكن أن تحدث بين مسيحيين بعضهم البعض، وبين مسلمين بعضهم البعض!
إنها قضية كان ينبغي أن تنظرها المحكمة في جلسة سرية، ويترافع فيها الدفاع في "غرفة المداولة"، لكن أحد المحامين انتقل بها للإعلام لخدمة توجهه في الحديث عن اضطهاد المسيحيين في مصر، وهو حديث كان يمكن أن يصلح في زمن ولى، لكن الآن فالانقلاب العسكري الحاكم وقفت الكنيسة خلفه داعمة له منذ اليوم الأول، فهل يراد اتهامه بالتقصير في حماية المسيحيين؟ أم أنه والقوم قد توافقا على فكرة اتهام المجتمع، على أساس أن التدخل الدولي لصالحهما، وحتى يحمي السلطة الفاقدة للتأييد الشعبي من قريب؟!
هل تريدون فعلا للقانون أن يأخذ مجراه؟! جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "عربى21"
نيسان ـ نشر في 2016/05/30 الساعة 00:00