هل (سينكش) جورج حواتمة (عش الدبابير)؟
نيسان ـ نشر في 2016/06/14 الساعة 00:00
بقلم سعد حتر
جواّل جورج حواتمة لم يصمت مذ كلّفته الحكومة برئاسة مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. عشرات الأصدقاء والمريدين من داخل الوطن وخارجه – وهم كثر- تسابقوا لتقديم التهنئة للإعلامي المخضرم، المعتكف منذ سنوات بعيدا عن تيار الإعلام الرسمي والخاص.
لكن قلّة منهم قد يدركون حجم المشاق والعقبات التي ستعترض طريق إنقاذ مؤسسة الإذاعة والتلفزيون من تعاقب إدارات ضعيفة الكفاءة، رتابة البرامج وفجاجة بعضها.
قرار حكومة هاني الملقي ربما جاء متأخرا، بعد أن أهملت حكومات سابقة عديد دراسات وأوراق بحثية بالتشاور مع القطاع الخاص؛ عنوانها العريض تطوير الإعلام. وفي تناقض صارخ مع التوصيات، صبّت غالبية القرارات السابقة باتجاه تسريع انهيار الإعلام الرسمي وتراجع صدقيته.
أمام حواتمة جبال من التحدي؛ على رأسها إخراج منصات الإعلام الرسمي من دائرة عبث الحكومات ومراكز قوى نافذة. ثم اختيار طواقم تحرير محترفة وإدارات نوعية قادرة على اجتراح برامج حيوية-تفاعلية-مشرقة، بعيدا عن النمطية والتكلس. تجربته الثرية في قيادة ثلاث يوميات – الجوردن تايمز، الرأي والغد- تشي بأن هذا الرجل لا يهادن حين يتعلق الأمر بقواعد صناعة الإعلام. ذلك أنه دفع ثمن مواقفه مرارا نتيجة تمسّكه بأخلاقيات العمل الصحافي، في مواجهة ضغوط الرسميين ومؤامرات بعضهم.
ظلّ على مبادئه حين تخلّى آخرون عنها. خطّ مدرسة متفردة في الصحافة، خرّجت غالبية الأسماء اللامعة في سماء الإعلام الدولي. بوصلته الاحتراف. عقيدته المهنية والإبداع. فهل سيقبل حواتمة وأعضاء مجلس الإدارة بالعفن المتغلغل في ثنايا المؤسسة؟ هل ينجح في ضخ دماء جديدة في المفاصل الرئيسة لتلوين محتوى التلفزة الرسمية وإحداث نقلة في التواصل البصري لملايين الأردنيين داخل الوطن وخارجه؟ وكذلك ترميم جسور الثقّة بين الأردنيين ومنبرهم الرسمي المهجور؛ عبر مخاطبة عقولهم وأفئدتهم بعيدا عن الابتذال والسطحية؟
نسرد هذه التساؤلات وفي الذاكرة محاولات مسؤولين امتطاء الإعلام الرسمي وترويض المنصات الخاصّة من وحي نرجسيتهم. وهكذا يعتقدون بأن إطلالتهم "المبجلة" على صدر نشرات الأخبار تهم الأردنيين أكثر من نبش الحقائق ونقل الوقائع كما هي دون تزويق وترويج. وبذلك اختزلوا المحتوى البصري والسمعي إلى: "أشاد، دشّن، قص الشريط، (عبط) وافتتح"، دون إطلاع المشاهد على الأحداث كما هي وتفسيرها.
سبقنا الدول الشمولية في تمييع تراتبية النشرة الإخبارية، بحيث تتصدرها مناسبات بروتوكولية ترويجية لا يجوز وضعها على شريط الأنباء.
تقارير مطولة مملة تتضمن تصريحات لمسؤولين تزيد عن دقيقة؛ بينما يفترض أن لا يتجاوز المعدل الاحترافي 15 ثانية. أشركنا موظفي مؤسسات عامّة في تجهيز تقارير إخبارية عن "أنشطتها وإنجازاتها"، وأمعنا في تعطيل دور الإعلام في المراقبة والمساءلة. فأطل علينا موظفون بزيهم الرسمي لسرد أحوال مؤسساتهم، في تداخل يندر تطبيقه إلا –ربما- في كوريا الشمالية.
حشونا ساعات البث ببرامج (سؤال وجواب) وسردية جامدة بلون واحد، متجاهلين اهتمامات قطاعات واسعة من المجتمع.
سرقنا مرآة الوطن والناس، وجعلناها مجهرا على المسؤول و"سجاياه".
قزّمنا رسالة الإعلام وميّعناها، في تناقض مع الرؤية الملكية وأوراق الملك النقاشية. فهل سيتمكن حواتمة من فك التداخل بين شاشة الوطن وبعض الهيئات الرسمية؟ وهل سيسمح له بنكش "عش الدبابير"، في محاولة لترشيق المؤسسة، تفعيلا لمفاصل المعطلة فيها وتأهيل عشرات الصبايا والشباب باتجاه بناء تقارير إخبارية احترافية وإدارة برامج عصرية تهم المجتمع.
في زمن مضى، كانت شاشة الوطن وإذاعاته محجا لغالبية العرب الباحثين عن محتوى تنويري وترفيهي.
لكن منذ سنوات يتداعى الإعلام الرسمي بلا هدي. فلا عينه على المشهد الداخلي، بما هو جزء أصيل من خطابه وفلسفته، لكن بشفافية وحيدة. ولا هو قادر على منافسة عشرات الفضائيات فينقل الأحداث الساخنة في الإقليم وسائر العالم.
تشير الاستطلاعات إلى أن معدل متابعة المشاهد/ة لشاشة التلفاز لا تزيد عن 40 ثانية. فإذا لم يجد/ تجد ما يشد انتباهه/ا سيغير/ تغير القناة بحثا عن الصور الجاذبة والمحتوى المقنع. اليوم، يتسلم حواتمة مؤسسة بدون أجنحة. فكيف سيحلق بها، وسط ضعف التمويل، عشوائية التخطيط وانحسار دعم الحكومات. إذ ينفق التلفزيون 90 % من موازنته على رواتب موظفيه، والبقية على اشتراكات الفضائيات واستهلاك الوقود، وفق مديره السابق عدنان الزعبي.
يعمل في التلفزيون 1700 موظف، منهم 600 مهندسوفنيوإداري. ويرجع مدراء سابقون أزمةشاشة الوطن إلى شح الكوادر المحترفة بسبب هجرة الكفاءات صوب فضائيات عربية ودولية. وكذلك انتهاء العمر الافتراضي لتكنولوجيا البث المستخدمة.
كل ذلك يتطلب قرارا سياسيا وخطّة عمل محكمة لإخراج التلفزيون من دائرة الاجترار والتخبط إلى مسرح الإبداع والتنوع.
في إحدى زياراته، منح الملك مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مليونا ونصف المليون دينار، بحيث تضاف إلى المخصصات الحكومية المحددة بعشرة ملايين دينار سنويا، أقل من نصف اشتراكات التلفزيون المنزلية.
يحق للأردني -الذي يدفع اشتراكا شهريا باسم مؤسسة الإذاعة والتلفزيون- أن يرى منصة وطن متنوعة، شفافة وثرية بمضامينها تواكب التطور الذي يشهده الإعلام البصري والسمعي. ننتظر لنرى مساحة المناورة التي سيتحرك مجلس الإدارة الجديد في إطارها، ومدى قدرته على انتزاع أدوات السيطرة والتغيير.
في البال، محطات استكانة وانسحاب من بلاط صاحبة الجلالة مشى حواتمة صوبها مرات عدّة خلال عقوده الأربعة مع "مهنة المتاعب". وإن استعصت محاولاته "لنفض" الإذاعة والتلفزيون وفق معاييره الاحترافية في ظل هيمنة اللاعبين المؤثرين ذاتهم، فلا نستبعد انكفاء رئيس التحرير المخضرم داخل صومعته الأثيرة؛ حيث يبني منذ عقدين موسوعة إعلامية رقمية فريدة في العالم العربي.
لكن قلّة منهم قد يدركون حجم المشاق والعقبات التي ستعترض طريق إنقاذ مؤسسة الإذاعة والتلفزيون من تعاقب إدارات ضعيفة الكفاءة، رتابة البرامج وفجاجة بعضها.
قرار حكومة هاني الملقي ربما جاء متأخرا، بعد أن أهملت حكومات سابقة عديد دراسات وأوراق بحثية بالتشاور مع القطاع الخاص؛ عنوانها العريض تطوير الإعلام. وفي تناقض صارخ مع التوصيات، صبّت غالبية القرارات السابقة باتجاه تسريع انهيار الإعلام الرسمي وتراجع صدقيته.
أمام حواتمة جبال من التحدي؛ على رأسها إخراج منصات الإعلام الرسمي من دائرة عبث الحكومات ومراكز قوى نافذة. ثم اختيار طواقم تحرير محترفة وإدارات نوعية قادرة على اجتراح برامج حيوية-تفاعلية-مشرقة، بعيدا عن النمطية والتكلس. تجربته الثرية في قيادة ثلاث يوميات – الجوردن تايمز، الرأي والغد- تشي بأن هذا الرجل لا يهادن حين يتعلق الأمر بقواعد صناعة الإعلام. ذلك أنه دفع ثمن مواقفه مرارا نتيجة تمسّكه بأخلاقيات العمل الصحافي، في مواجهة ضغوط الرسميين ومؤامرات بعضهم.
ظلّ على مبادئه حين تخلّى آخرون عنها. خطّ مدرسة متفردة في الصحافة، خرّجت غالبية الأسماء اللامعة في سماء الإعلام الدولي. بوصلته الاحتراف. عقيدته المهنية والإبداع. فهل سيقبل حواتمة وأعضاء مجلس الإدارة بالعفن المتغلغل في ثنايا المؤسسة؟ هل ينجح في ضخ دماء جديدة في المفاصل الرئيسة لتلوين محتوى التلفزة الرسمية وإحداث نقلة في التواصل البصري لملايين الأردنيين داخل الوطن وخارجه؟ وكذلك ترميم جسور الثقّة بين الأردنيين ومنبرهم الرسمي المهجور؛ عبر مخاطبة عقولهم وأفئدتهم بعيدا عن الابتذال والسطحية؟
نسرد هذه التساؤلات وفي الذاكرة محاولات مسؤولين امتطاء الإعلام الرسمي وترويض المنصات الخاصّة من وحي نرجسيتهم. وهكذا يعتقدون بأن إطلالتهم "المبجلة" على صدر نشرات الأخبار تهم الأردنيين أكثر من نبش الحقائق ونقل الوقائع كما هي دون تزويق وترويج. وبذلك اختزلوا المحتوى البصري والسمعي إلى: "أشاد، دشّن، قص الشريط، (عبط) وافتتح"، دون إطلاع المشاهد على الأحداث كما هي وتفسيرها.
سبقنا الدول الشمولية في تمييع تراتبية النشرة الإخبارية، بحيث تتصدرها مناسبات بروتوكولية ترويجية لا يجوز وضعها على شريط الأنباء.
تقارير مطولة مملة تتضمن تصريحات لمسؤولين تزيد عن دقيقة؛ بينما يفترض أن لا يتجاوز المعدل الاحترافي 15 ثانية. أشركنا موظفي مؤسسات عامّة في تجهيز تقارير إخبارية عن "أنشطتها وإنجازاتها"، وأمعنا في تعطيل دور الإعلام في المراقبة والمساءلة. فأطل علينا موظفون بزيهم الرسمي لسرد أحوال مؤسساتهم، في تداخل يندر تطبيقه إلا –ربما- في كوريا الشمالية.
حشونا ساعات البث ببرامج (سؤال وجواب) وسردية جامدة بلون واحد، متجاهلين اهتمامات قطاعات واسعة من المجتمع.
سرقنا مرآة الوطن والناس، وجعلناها مجهرا على المسؤول و"سجاياه".
قزّمنا رسالة الإعلام وميّعناها، في تناقض مع الرؤية الملكية وأوراق الملك النقاشية. فهل سيتمكن حواتمة من فك التداخل بين شاشة الوطن وبعض الهيئات الرسمية؟ وهل سيسمح له بنكش "عش الدبابير"، في محاولة لترشيق المؤسسة، تفعيلا لمفاصل المعطلة فيها وتأهيل عشرات الصبايا والشباب باتجاه بناء تقارير إخبارية احترافية وإدارة برامج عصرية تهم المجتمع.
في زمن مضى، كانت شاشة الوطن وإذاعاته محجا لغالبية العرب الباحثين عن محتوى تنويري وترفيهي.
لكن منذ سنوات يتداعى الإعلام الرسمي بلا هدي. فلا عينه على المشهد الداخلي، بما هو جزء أصيل من خطابه وفلسفته، لكن بشفافية وحيدة. ولا هو قادر على منافسة عشرات الفضائيات فينقل الأحداث الساخنة في الإقليم وسائر العالم.
تشير الاستطلاعات إلى أن معدل متابعة المشاهد/ة لشاشة التلفاز لا تزيد عن 40 ثانية. فإذا لم يجد/ تجد ما يشد انتباهه/ا سيغير/ تغير القناة بحثا عن الصور الجاذبة والمحتوى المقنع. اليوم، يتسلم حواتمة مؤسسة بدون أجنحة. فكيف سيحلق بها، وسط ضعف التمويل، عشوائية التخطيط وانحسار دعم الحكومات. إذ ينفق التلفزيون 90 % من موازنته على رواتب موظفيه، والبقية على اشتراكات الفضائيات واستهلاك الوقود، وفق مديره السابق عدنان الزعبي.
يعمل في التلفزيون 1700 موظف، منهم 600 مهندسوفنيوإداري. ويرجع مدراء سابقون أزمةشاشة الوطن إلى شح الكوادر المحترفة بسبب هجرة الكفاءات صوب فضائيات عربية ودولية. وكذلك انتهاء العمر الافتراضي لتكنولوجيا البث المستخدمة.
كل ذلك يتطلب قرارا سياسيا وخطّة عمل محكمة لإخراج التلفزيون من دائرة الاجترار والتخبط إلى مسرح الإبداع والتنوع.
في إحدى زياراته، منح الملك مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مليونا ونصف المليون دينار، بحيث تضاف إلى المخصصات الحكومية المحددة بعشرة ملايين دينار سنويا، أقل من نصف اشتراكات التلفزيون المنزلية.
يحق للأردني -الذي يدفع اشتراكا شهريا باسم مؤسسة الإذاعة والتلفزيون- أن يرى منصة وطن متنوعة، شفافة وثرية بمضامينها تواكب التطور الذي يشهده الإعلام البصري والسمعي. ننتظر لنرى مساحة المناورة التي سيتحرك مجلس الإدارة الجديد في إطارها، ومدى قدرته على انتزاع أدوات السيطرة والتغيير.
في البال، محطات استكانة وانسحاب من بلاط صاحبة الجلالة مشى حواتمة صوبها مرات عدّة خلال عقوده الأربعة مع "مهنة المتاعب". وإن استعصت محاولاته "لنفض" الإذاعة والتلفزيون وفق معاييره الاحترافية في ظل هيمنة اللاعبين المؤثرين ذاتهم، فلا نستبعد انكفاء رئيس التحرير المخضرم داخل صومعته الأثيرة؛ حيث يبني منذ عقدين موسوعة إعلامية رقمية فريدة في العالم العربي.
نيسان ـ نشر في 2016/06/14 الساعة 00:00