أبو ريشة لـــ (نيسان):الاسلام السياسي هتك نسيج المجتمع الاردني وأهّله لتدين سطحي تافه

نيسان ـ نشر في 2016/07/05 الساعة 00:00
الزمن هو الذي اثار الجدل حول " غسيل الاقنعة" بدءاً بالاستعداد للانتخابات ومروراً بمشاركة التيار الاسلامي وانتهاء بالقاء القبض على امجد قورشة الذي اوسعته نقدا
حرفوا كلامي على نحو دراماتيكي وايدولوجي واتهموني بالسعي لاغلاق مراكز تحفيظ القرآن وهو ما لم اقله بعد
هي حملة ذات بعد نفعي -انتخابات- وذات بعد انتقامي لامجد قورشة, وذات بعد سلطوي لفرض سلطة الغوغاء على من يستقدم التفكير الناقد والعاقل
الاسلام السياسي يعمل الآن على موضوع اثارة الوجدان, أي على الغائب الوجداني للناس وخصوصا الاطفال
تغلغل الاسلام السياسي هتك نسيج المجتمع الاردني وأهّله لتدين سطحي تافه
تغلغل الاسلام السياسي اخرج جيلا يتمسك بمظاهر الدين ولكنه بالحقيقة بلا خلق وعنيف
كانت تشن حملات رهيبة ضدي فكانت تردني مئات الرسائل الورقية الحبلى بالشتائم والتنديد والتهديد بالقتل حاورتها كرستينا مراد
اتهمت الكاتبة والشاعرة الاردنية زليخة أبو ريشة أطرافاً محملة بأجندات ذات بعد نفعي -انتخابات- وذات بعد انتقامي لامجد قورشة, وذات بعد -سلطوي- لفرض سلطة الغوغاء على من يستقدم التفكير الناقد والعاقل, بتحريف كلامها في مقالها " غسيل الادمغة" المنشور بيومية الغد على نحو دراماتيكي وايدولوجي وغير آمن ."قالوا إنني أريد اغلاق مراكز تحفيظ القرآن وهو ما لم أقله بعد".تقول أبو ريشة.".
وبينت الكاتبة في حوار خاص لــ "صحيفة نيسان", أن موضوع المقال، هو نقد للاليات التي تقوم عليها مراكز تحفيظ القرآن بالاردن, وقالت ان هذه المراكز خطرة بالاليات الراهنة، وانها تستخدم خطاب الكراهية، وغسيل الادمغة، وهذا يعني ان من سيتخرج منها عباراة عن خلايا نائمة, واشارت الى ان هذا الكلام حُرّف على نحو دراماتيكي ونحو ايدولوجي.
وقالت:"اتهمت بأنني اهاجم الاسلام ولا ادري اذا كانت المراكز القرآنية او كليات الشريعة او منابر الاسلاميين هي نفسها الاسلام, هي تفسير ما، او موقف ما من الاسلام، او فهم خاص من الاسلام، ولكنها من المؤكد ليست هي الاسلام".
وحول رؤيتها للحالة الاردنية ومستقبلنا, بينت أبو ريشة أن تغليب الحكومات على تاريخها المتطاول لليمين على اليسار أدى الى تغلغل الاسلام السياسي الذي هتك نسيج المجتمع الاردني, وأهّله لتدين سطحي تافه، وسحب امكانية اخراج جيل مفكر ناقد مبدع ومبتكر، بينما الحاصل انه اخرج جيلا يتمسك بمظاهر الدين, ولكنه بالحقيقة بلا خلق وعنيف.
وتاليا" نص الحوار:
*أثار مقالك غسيل الأدمغة جدلاً واسعاً... كيف تنظرين إلى الانقسام الذي حصل في وسائل الإعلام؟
-الجدل بالحقيقة هو جدل قديم حول جميع مقالاتي, لكن بالتحديد الزمان، هو الذي اثار الجدل , بدءاً بالاستعداد للانتخابات، ومروراً بمشاركة التيار الاسلامي بالانتخابات وانتهاء بالقاء القبض على امجد قورشة الذي اوسعته نقدا.
موضوع المقال هو نقد الاليات التي تقوم عليها مراكز تحفيظ القرآن بالاردن, وقد قلت ان هذه المراكز خطرة بالاليات الراهنة، وانها تستخدم خطاب الكراهية وغسيل الادمغة، وهذا يعني ان من سيتخرج منها عباراة عن خلايا نائمة.
واتهمت بأنني أهاجم الاسلام، ولا ادري اذا كانت المراكز القرآنية او كليات الشريعة او منابر الاسلاميين هي نفسها الاسلام, هي تفسير ما او موقف ما من الاسلام او فهم خاص من الاسلام ولكنها من المؤكد ليست هي الاسلام, لكنهم حرفوا كلامي على نحو دراماتيكي وايدولوجي وعلى نحو غير امين الى انني اريد اغلاق هذه المراكز وهو ما لم اقله بعد.
لذلك هي حملة ذات بعد نفعي -انتخابات- وذات بعد انتقامي لامجد قورشة, وذات بعد سلطوي لفرض سلطة الغوغاء على من يستقدم التفكير الناقد والعاقل.
*مقالك كان كفيلا بإشعال الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي واسقطت عليك الكثير من التهم والتعليقات الناقدة منها التكفير كيف تردين على ذلك؟
-هجومهم وكلامهم هو نفس حكمي على مراكز تحفيظ القران الكريم، ليس لانها تدرس القران الكريم انما لكيفية تدريسه.
يعمل الاسلام السياسي الان على موضوع اثارة الوجدان, أي على الغائب الوجداني للناس وخصوصا الاطفال, فيسلطون الضوء نحو الترغيب والترهيب ويغلب الترهيب, الترهيب من نار جهنم ومن عذاب القبر والى ما ذلك, في الوقت الذي يجب ان يستمتع الاطفال فيه بالحياة وان يروا منها وجهها المشرق, وان نعلمهم تعليما ايجابيا ليكونوا ايجابيين تجاه الحياة وتجاه البشر والمجتمع والوطن.
ولكن هذا لا يحدث، ما يحدث هو ترهيب وترعيب, ولذلك يغرس في الاطفال دون وعي منهم العنف، لان العقاب جهنم والخ, وعندما يتعلم الاطفال ان هذا هو الاسلام اذا هم بالواقع والمنطق قد تعلموا العنف, فيخرج الطفل منهم الى المجتمع كارهاً للاخر مكفراً له, لانه -حسب اعتقاده- مختلف وهو وحده من يمتلك الحقيقة، والاسلام الذي يؤمن به هو الاسلام الصحيح وما عداه كفر وزندقة والحاد وعلمانية.
لقد كفروا العلمانية مع ان العلمانية ليست دينا، ولا منهج حياة، هي فصل الدين عن الدولة, يعني أن لا يحكم احد باسم الدين, الخطورة هي ان يحكم ناس باسم الدين.
*هذه ليست المرة الأولى، لقد اثرت نقاشات واسعة وجدلاً منذ ثمانينيات القرن الماضي خاصة فيما يتعلق بكتاباتك حول المرأة والمجتمع... ماذا خسرت زليخة وماذا كسبت؟
-خسرت الكثير, آخر شيء خسرته في رزقي، إذ لا احد يجرؤ ان يكلفني بمهمة حتى لا يوصم بافكاري, لان هناك هيمنة محافظة على مستوى الحكومات والنظام، وهناك هيمنة الاسلام السياسي الذي فرض الاسلام على المجتمع بالطريقة التي يراها هو صحيحة.
بالبداية كان الناس يؤيدونني فقط بالصالونات, لكن في المنابر لم يجرؤ احد على تأييدي، ولا في الصحف، لم يكتب احد مطلقا بأنه يؤيدني في الثمانينيات, الشخص الوحيد ربما كان فيما بعد، وهو المرحوم اياد القطان, و بالعكس كانت تشن حملات رهيبة ضدي، فكانت تردني مئات الرسائل الورقية الحبلى بالشتائم والتنديد والتهديد بالقتل, كنت اتلقى الازعاجات عبر الهاتف، وكان هناك دائما من يقرع الباب او يحاول فتحه, حتى وصل الحال بي أن اضع هاتفي عدة مرات تحت المراقبة, و في فترة من الفترات كنت اتخوف ان يصبني مكروه مباشر, مررت بفترات صعبة جدا.
ولكنني كسبت الآن, والذي كسبته هو اني ارى ان هناك اطاراً من العقل والتفكير الناقد قد انبثق انبثاقا رائعاً في وجه الظلامية المتراكمة, فانا ارى خيوطا من الشمس تتسلل وسط هذا الظلام الدامس, وهؤلاء هم الكتاب والمفكرون والنقاد والادباء والشعراء والشاعرات والاديبات والكاتبات إذ ارتفع عددهم وكسروا الخوف وارتفعت عنهم هيبة السلطة الدينية الراهنة .
حذرت أكثرمن مرة في مقالاتك الأخيرة من التطرف الديني، وكتبت في نقد حركات الإسلام السياسي؟ ووصفها البعض بأنها "استفزازية".. ما الذي تريده زليخة؟ ما هي رؤيتها لما يحدث في واقعنا العربي من تفتت وحروب داخلية وتطرف؟
ما اريده هو التطبيق الصحيح للحرية والديمقراطية , فالديمقراطية لا تطبق فقط من خلال الانتخابات النيابية, الانتخابات هي اخر مرحلة يعني هي "وجه السحارة، لكن داخلها يبدأ من الاسرة, التنشئة الديمقراطية اهم ما اطلبه في جميع ما اكتب، والتنشئة الديمقراطية تعني الاعتراف بحقوقي، والقيام بواجباتي، والاعتراف بوجود الاخر، وبحقوقه وبثقافته ايضا, لا يوجد لدينا حتى الان على مستوى الشعب العربي مثلا اعتراف بالاخر، فمن تسيطر على رأسه فكرة او يتربى وينشأ عليها من خلال خلايا او مؤسسات دينية او مؤسسات حزبية او اخوانية او سلفية او وهابية او غيرها, يريد ان يطبق ذلك ويجبر جميع الناس عليها.
انا أؤمن بمجتمع متمدن يحترم فيه الراي والراي الاخر, و يتاح المجال للجميع ضمن قوانين ناظمة للحريات، ولا يعتدي احد على احد، للجميع الحق في ادلاء رأيه وللجميع الحق في اقتراح اساليب لتطوير المجتمع وتطوير القوانين وللنقد بجميع اشكاله، هذا ما أريده لمجتمعي وهذا ما اتمناه .
بعد رحلة امتدت لأزيد من نصف قرن في الأدب والنقد، انفقت منها الكثير في التدريس... أين تقفين اليوم؟
انا الان في وضع تقاعد من العمل المنتظم, ولكني اكتب وانشط حقوقيا مع القضايا، ومتفرغة للكتابة ومتفرغة للنضال بالافكار ولحملات التوعية .
كيف تنظرين إلى الحالة الأردنية تحديداً.. ومستقبلنا.. أقصد المشهد الاجتماعي والثقافي؟
الوضع في الاردن خطير ومزعج , ليس لان الوضع الاقتصادي فقط سيء, فالوضع الاقتصادي هو نتيجة لسلسة من اشكال الاستبداد والقمع التي سمحت للفساد ان يأخذ حيزاً كبيراً، ويستهلك الموارد ويستهلك المستقبل - مستقبل اطفالنا-, فعلى سبيل المثال نحن الان لدينا 40 مليار دين، يعني هذا ان كل فرد بالمجتمع عليه ان يدفع ما اسيئ استخدامه من سنوات او ما نهب .
هذا الوضع الاقتصادي السيئ و "التفقير", أجل التفقير لان الفقر بحد ذاته ليس بالمشكلة الكبيرة الخطيرة؛ لان الهند فيها فقر رهيب, لكن الافقار يعني ان يتحول المقتدر الى محتاج، ان تتحول الطبقة المتوسطة إلى تحت خط الفقر، هذا هو الخطير هذا الذي يثير مشاعر الغضب والحقد والكراهية ويؤهل الى مجتمع عنيف.
واحدثت الحكومات على تاريخها المتطاول فراغاً فكانت دائما تضرب اليسار وتمنعه فاستقوى اليمين الاسلامي السياسي, واخذ الاسلام السياسي بالتغلغل في الاقتصاد وفي التربية ووسائط الاعلام والمنابر؛ من مساجد وجمعيات واحزاب, هذا التغلغل هتك نسيج المجتمع الاردني, وأهلّه لتدين سطحي تافه، وسحب امكانية اخراج جيل مفكر ناقد مبدع ومبتكر، بينما الحاصل انه اخرج جيلاً يتمسك بمظاهر الدين, ولكنه بالحقيقة بلا خلق وعنيف.
لاحظوا حوادث الغش بامتحانات التوجيهي, التجارة وسوق العمل ان كان هناك اخلاق بالبيع والشراء, لاحظوا كيف يتعامل الناس مع بعضهم في الشارع وكيف تكون قيادة السيارات وكيف ترمى المهملات من نوافذ السيارات، وكيف يشتم الناس بعضهم, لاحظوا بالاخص كيف يردون على فكرة معينة بالتكفير والشتم ومطالبات بالحرق والقتل.

    نيسان ـ نشر في 2016/07/05 الساعة 00:00