ما بعد الاتفاق النووي.. تهديدات أكثر
نيسان ـ نشر في 2016/07/19 الساعة 00:00
الحقيقة المؤكّدة الآن، بعد عام كامل، أن الاتفاق النووي لم يُحدث أي أثر ولو ضئيلاً في السلم العالمي أو الإقليمي، كما وعدت ماكينة الدعاية الأميركية. ولا يعني ذلك أنه ما كان يجب إبرام اتفاق، بل على العكس كان ينبغي أن يكون الاتفاق أكثر شمولاً، ليضمن النتائج المتوخّاة. كانت واشنطن أملت وتوقّعت في حينه أن يؤدّي إلى تعاون إيراني في معالجة أزمات المنطقة، وإذا كان الحاصل في سوريا والعراق واليمن هو هذا «التعاون»، فهناك أحد احتمالين: إمّا أن واشنطن كانت تخدع نفسها، وهذا مستبعد، وإمّا أنها كانت تخدع أصدقاءها العرب، وهذا مرجّح، لكنها تعلم أنهم لم ينخدعوا بدليل جهرهم بشكوكهم ليس في سلوك إيران، بل في السلوك الأميركي نفسه. في الحالين صارت أوضاع الإقليم بعد الاتفاق أسوأ مما كانت قبله.
لم يحدث ما هو خارج التوقعات، إذ نشطت طهران لتنفيذ التزاماتها ففككت المفاعلات وخفّضت التخصيب وصدّرت اليورانيوم عالي التخصيب وباعت ماء «آراك» الثقيل، مؤجّلةً حلم القنبلة. وفي المقابل لم يصادق الكونجرس الأميركي على الاتفاق، وواجه رفع العقوبات التي كانت الإدارة فرضتها بسلسلة جديدة من العقوبات، متوعّداً بأخرى بينها منع بيع طائرات «بوينج» لإيران، بل منعها أيضاً من استخدام الدولار. ربما تعتبر إدارة أوباما أن سلبية الكونجرس وعدائيته عطّلتا «الإيجابيات» المتوقّعة للاتفاق، لكن أحداً لا يستطيع إثبات أن هذه «الإيجابيات» كانت مضمونة، ذاك أنها بنيت أساساً على وعود تبادلها جون كيري ومحمد جواد ظريف مع كثير من الابتسامات أمام الكاميرات، وتبيّن لاحقاً أن معظمها كان أوهاماً برسم البيع للرأي العام.
كانت الرهانات المتفائلة على بنود غير مكتوبة في الاتفاق لكنها صيغت على هامشه كأنها جزء لا يتجزّأ منه، ومفادها أن تطبيعاً بين الولايات المتحدة وإيران يمكن أن يكون له مردود استقراري إقليمياً، لكن التطبيع بمعناه المألوف كان ولا يزال مجرد سراب، فلا أميركا تستطيعه بغير معاييرها وشروطها، ولا إيران قادرة على أن تكون دولة طبيعية ترسم سياساتها وفقاً للقوانين الدولية، وإذ تواصل واشنطن المطالبة بأن تغيّر إيران سلوكها الإقليمي، تواصل طهران مطالبة أميركا بتغيير سلوكها الدولي. لكن، رغم هذه المعادلة السلبية في ظاهرها، يتبيّن أن الجانبين استنبطا، حتى قبل إبرام الاتفاق النووي، نمطاً مختلفاً يقوم على «التطبيع الموضوعي» ويُستدلّ إليه من مراقبة تكيّف سياساتهما بدليل أن واشنطن لم تبدِ يوماً أي موقف حازم حيال الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق واليمن، بل تبدو متعايشة مع مناخ التعطيل والتأزيم الذي يفتعله أتباع إيران في لبنان والبحرين.
لم يُفاجأ العرب بعد الاتفاق النووي، خاصة في الخليج، بأن إيران لم تجنح إلى احترام حسن الجوار، بل ضاعفت تدخّلاتها وتأجيجها للتوتر. ولم يُفاجأوا، بل تأكّدوا أن ما تغيّر فعلاً هو السلوك الأميركي، سواء في مقاربة متطلّبات أمن الخليج، أو في مسألة محاربة الإرهاب، أو كذلك في الترتيبات المزمعة لمعالجة الأزمات الإقليمية المشتعلة. صحيح أن أميركا زادت أخيراً إشاراتها إلى تورّط إيران في دعم الإرهاب، إلا أنها لا تزال دون مستوى الحقائق والمستندات التي تملكها، كما أنها تستخدم هذا الملف وفقاً لما تقتضيه مصالحها، وليس في إطار محاربة جدّية للإرهاب. صحيح أيضاً أن أميركا لا تقلّل من أهمية تجارب الصواريخ الباليستية التي باشرتها إيران، إلا أنها بعيدة جداً عن مواجهة فاعلة لهذه المشكلة التي وصفتها غير مرّة بأنها بمستوى خطر البرنامج النووي.
يبقى رفع العقوبات من أولويات طهران لأن اقتصادها شهد تحسّناً طفيفاً لكنه لم يُقلع بعد، وإذ شكا كبير مستشاري المرشد من أن أميركا لم تنفّذ التزاماتها في الاتفاق النووي فإن عراقيل الكونجرس ومطالبات أعضائه بعقوبات إضافية لا تنطلق من دوافع وسياسات «مبدئية» بمقدار ما هي تعبير عن مصالح لوبيات صناعية أو إسرائيلية. وفي الوقت نفسه أمكن الإدارة الأميركية أن تتعرّف إلى محدودية حكومة «الإصلاحيين» في طهران، فهي جهاز تنفيذي لا يصنع القرار ولا يرسم السياسات، وبالتالي فإن أي رئيس أميركي مقبل مدعو للتعامل مع واقعٍ تشكّل فيه إيران تهديداً حتى من دون سلاح نووي، ولذلك فإن المأخذ الرئيسي على الاتفاق والهرولة الأوروبية إلى طهران وعقود العمل معه أنها أعطتها انطباعاً بأن عواصم العالم تبارك نهجها التخريبي في محيطها العربي.
نيسان ـ نشر في 2016/07/19 الساعة 00:00