العدوان..شيخ الصحافيين الذي تخلّى عن الوزارة ليعود إلى عشقه الأول

نيسان ـ نشر في 2016/07/23 الساعة 00:00
كتب إبراهيم قبيلات..حينما وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع قناعاته ومبادئه، التي أنفق عقوداً طويلة من عمره؛ دفاعاً عنها في شارع الصحافة، فضّل الانحياز لحرية الرأي والإعلاء من قيمتها، على البقاء في حكومة معروف البخيت، التي دخلها شباط 2011م.
نحن نتحدث عن شيخ الصحافيين، رئيس تحرير صحيفة "العرب اليوم" الأسبق، طاهر العدوان، الذي حمل حقيبة وزير دولة لشؤون الاعلام والأتصال، في حكومة تشكلت على وقع "الربيع العربي"، والحراك الشعبي الأردني، فظن أنها ستكون إصلاحية، وسيتمكن عبرها من ترجمة أفكاره إلى أفعال.
بعد أشهر أربعة من دخوله بيت الحكومة وجد العدوان أن الطريق ما يزال طويلاً للوصول إلى أرضية رسمية صلبة، تنزع ثوب القمع والتعسف عن نفسها لترتدي عباءة الحرية، إذ أصرت حكومة البخيت على إدخال تعديلات على مشاريع قوانين العقوبات والمطبوعات والنشر ومكافحة الفساد، تحجّم الصحافة وتقيّد الكلمة، فانحاز لزملائه وهجر "الرابع".
من يعرف العدوان، أو زامله يدرك أنه بحضرة قامة وطنية، تواصل نضالها من دون مقابل، وهو بذلك ينسجم وقناعاته التي تشرّبها منذ ودّع أبيه الشهيد على ثرى فلسطين فتياً، ولم يتجاوز عمره الأربعة اعوام، ثم فقد والدته بعد أقل من عامين.
شكل فقده لأبيه حالة من النضج المبكر سياسياً وثقافياً، فارتبط بالقضية الفلسطينة، باعتبارها ملاذاً عربياً بعد ان تحكّمت "النكبة" بمسارات الوعي ليس للعدوان فحسب، بل لأجيال بقيت أسيرة حلم أجهضته "أنظمة" خدمت العدو، وتواطأت ثم باعت.
يغوص العدوان في الذاكرة؛ فيعود مثقلاً بأوجاع عربية، اتضحت معالمها مبكراً، يقول لصحيفة نيسان: "فلسطين كشفت سوءات الأنظمة العربية أمام شعوب لا تملك من أمرها شيئاً".
دول سادها الضعف والاستلاب؛ اللذان شكلا ملامح مرحلة ما بعد الاستعمار الغربي، ثم جاءت حرب العام 1948م، فازدادت الحقبة هشاشة وضعفاً، وهو ما جعل العدوان ينخرط بالعمل بالعمل العام؛ نصرة للقضايا العربية.
لا ينكر العدوان أهمية الوعي المجتمعي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في تشكيل بنائه الثقافي والسياسي والنضالي، يقول: "الإنسان مرآة مجتمعه"، مستشهداً بحالة الانقسام حول الطريقة الفضلى في إدارة الدولة، ومجابهة الاستعمار، وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
تلك الحالة عايشها الأردنيون بكل فئاتهم، ولم تقف كما هي اليوم عند النخب، بل شملت الفلاحين والحراثين والعمال والشباب وحتى طلاب المدارس، الذين انخرطوا بالعمل الحزبي مبكراً، وهمهم في ذلك تحرير فلسطين.
ساهمت قراءات العدوان العربية والأجنبية، إضافة إلى ترجمات التاريخ وكتب ماركس ولينين في تحديد مساراته الفكرية، فاختار أن يكون عروبياً وقومياً وطنياً، مسكوناً بقضايا الناس وأوجاعهم.
"بخمسة قروش كنت استعير كتابين من المكتبة لأسبوع" يقول العدوان الذي يرجع أسباب انتشار ثقافة القراءة بين أفراد جيله إلى غياب أدوات ووسائل الترفيه والمعرفة، واقتصارها على الكتاب الذي كان محورياً في تشكيل وعي ورؤية الأجيال.
ولد العدوان عام 1945 لأب انخرط في المؤسسة العسكرية، فدرس الابتدائية في مدارس العاصمة عمان، ودرس الاقتصاد في جامعة الإسكندرية أوائل سبعينيات القرن الماضي، رغم ميوله الأدبية، التي أنتجت تالياً أربعة أعمال أدبية، كان العمل الأول عام 1986، بعنوان "الفلسطينيون بين حربين (حرب الكاتيوشا وحصار بيروت)، ثم أتبعها رواية "وجه الزمان" بعد نحو العام، وفي عام 1990 قدم رواية "حائط الصفصاف"، وآخرها "أنوار" عام 2000 .
ارتحل العدوان من العاصمة عمان إلى بيروت عام 1975، ثم القاهرة وقبرص، قبل أن يعود إلى عمان عام 1983، فأتاحت له الغربة الاطلاع على الحالة الثورية في لبنان التي دخلت حربها الاهلية، وبقيت طوائفها في حالة تصارع وانقسام حتى اليوم، وكذلك الوقوف على أبرز المحطات الصحافية في مصر، فيما كان الأردن قاحلاً سياسياً وصحافياً.
بالنسبة للعدوان فإن الانظمة العربية نجحت في أن تكون انظمة أمنية؛ من أجل أمن الحاكم فقط، مقابل فشل ذريع في إنتاج المشروع العربي والوطني، أو حتى تكوين مجتمعات عصرية مدنية.
اليوم، ينهمك العدوان في إنتاج كتاب عن صحيفة "العرب اليوم"، بما فيها من محطات ومراحل صعبة، جدّفت طويلاً عكس التيار، ليس مناكفة، بل من أجل بناء حالة إعلامية حرة، تعلي من قيمة الحريات، بوصفها ركناً أساسياً في بناء الديمقراطية وتعزيزها، وبما يمكن الشعب الأردني من التعبير عن إرادته بطريقة سلمية.
يقول العدوان :"البلد خسرت "العرب اليوم"، والصحافة والصحافيون اليوم في مأزق بعد أن ذهب سدّهم المنيع".
تعرّف الزميل سلامة الدرعاوي، إلى رئيس تحريره في "العرب اليوم" قبل نحو عقدين من الزمان، فانتبه جيداً إلى قيادة العدوان "مركبه" وسط بحر هائج، معتمداً على متانة الأشرعة في مواجهة الرياح العاتية.
يستعيد الدرعاوي أياماً خلت من عمره الصحافي، وتستقر به الذكرى عند العام 1997، حين كان صحافياً متدرباً ولا يجد كرسياً يجلس عليه في قسم الاقتصاد، يقول لصحيفة نيسان : " العدوان وضع اسمي صحافياً منافساً بعد أن نجحت في كشف فساد بيع سكة حديد العقبة عام 1998".
توالت بعد ذلك قفزات الدرعاوي الصحافية، بالاستناد إلى ما يقدمه من معلومات حصرية لصحيفته، ولعل ذلك وراء قرار العدوان برفع معاشه عام 1999 إلى حوالي 190 ديناراً، ثم تكليفه بإدارة قسم الاقتصاد عام 2000 .
يقول الدرعاوي "لم يخذلني العدوان في كل ما كشفت من قضايا فساد، سواء في قضية بيع شركة امنية والفوسفات أو الكهرباء أو الكازينو أو خالد شاهين وغيرها الكثير". معتبراً نفسه تلميذاً في مدرسة العدوان.
باختصار يقدم الدرعاوي زميله العدوان بالتالي: رجل قومي وعروبي انتزع الحرية انتزاعاً، وصاحب كرامة وموقف.
    نيسان ـ نشر في 2016/07/23 الساعة 00:00