ضد أردوغان ومعه
نيسان ـ نشر في 2016/07/24 الساعة 00:00
مساء يوم الجمعة، الخامس عشر من يوليو/ تموز الجاري، ومع بداية الأخبار عن محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، كان الشارع العربي، بغالبيته العظمى، جاهزاً للتوزّع على معسكريْن، لكل منهما أبعاده، والتي في مجملها نابعة من نكاياتٍ سياسيةٍ وامتدادات دينية ومذهبية. قلة هم الذين نظروا إلى الأمر من زاوية الدفاع عن مسار سياسي، من الممكن أن يدمره حكم العسكر، تماماً كما دمر هذا الحكم الحياة السياسية في دول عربية عديدة منذ عام 1952.
في المعسكريْن، كان هناك اصطفاف حاد، إما مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو ضده. هو الخيار القديم بين الفسطاطين الذي بات سمة الحياة السياسية العربية، على الرغم من أنه من الممكن جداً ألا تكون مع هذا الطرف أو ذاك، وتسوق مبرراتك التي تدفعك إلى أن تكون معارضاً للانقلاب العسكري، وفي الوقت نفسه غير مؤيد لأردوغان وسطوته المتعاظمة على السلطة. ربما يجدر بالمتابعين العرب للوضع التركي، والمتحمسين بشدة لأردوغان، النظر قليلاً إلى مواقف الأحزاب التركية المعارضة، والأخذ بها مثلاً. هذه الأحزاب، وفي مقدمتها "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، وقفت منذ اللحظة الأولى ضد الانقلاب، على الرغم من أنها معارضة بالمطلق لحزب "العدالة والتنمية" وسياساته وممارساته.
كانت نظرة هؤلاء أبعد من المصالح الآنية والفئوية، وذات امتداد أوسع وأشمل، طاولت الشكل العام المرتقب للدولة، في ما لو نجح الانقلاب، وما سيؤدي إليه من تعطيل للمسار الديمقراطي في البلاد، حتى وإن كانت هذه الديمقراطية اليوم لا تصب في صالح هذه الأحزاب، ولا تعطيها الأغلبية لتحكم، لكن بقاء هذا المسار يضمن، مع الوقت، عملية التناوب على السلطة، وهو ما لا يمكن أن يحصل في ظل الحكم العسكري.
الأمر نفسه بالنسبة إلى كثيرين من الأتراك الذين نزلوا إلى الشارع لمواجهة دبابات الجيش. كثير منهم غير منتم إلى حزب العدالة والتنمية، وربما لا يحب أردوغان ولا يؤيده، غير أنهم كانوا خائفين على مستقبل الدولة والحياة العامة، وحقهم لاحقاً في الاختيار. نزل كثيرون من هؤلاء إلى الشارع، دفاعاً عن أصواتهم في صناديق الاقتراع، وللحفاظ مستقبلاً على تمكّنهم من إبداء آرائهم. لم يقفوا طويلاً والاختيار بين التسلط السياسي الممارس من "العدالة والتنمية" والتسلط العسكري القادم على ظهر دبابة، خصوصاً أنهم اختبروا هذا النوع من التسلط أربع مرات سابقاً. كان اختيار الانحياز إلى المسار السياسي سهلاً، طالما أنه خاضع لآلية ديمقراطية ورغبة شعبية قابلة للتحول مع الوقت، على عكس الوضع مع الحكم العسكري.
ليست المسألة، إذن، أن تكون مع أردوغان أو ضده، أو مؤيداً لحزب "العدالة والتنمية" وأيديولوجيته أو معارضاً له. ليست القضية النظرة إلى أردوغان، وهي عامة في البلاد العربية خصوصاً، إذ إنه بالنسبة إلى الشارع العربي واحد من اثنين، إما ديكتاتور أو "سلطان جائر"، أو "خليفة للمسلمين" ومعيد مجد "الإمبراطورية العثمانية". نظرة لا علاقة، ربما، للأتراك بها، وهي نابعة أساساً من قصور سياسي عربي، وتراث من التمجيد والكراهية لا تعرف الحلول الوسط، ولا ترى الأمور إلا من منطلقات فئوية.
هذا الأمر مستمر حتى بعد فشل الانقلاب، فمن كان مؤيداً أردوغان، ها هو يدافع بشراسة عن كل الإجراءات الديكتاتورية، من الاعتقالات وفرض الطوارئ إلى إغلاق الصحف وإقالات آلاف الموظفين، والتي يقوم بها تحت مسمى "احتواء تداعيات الانقلاب". ومن كان معارضاً ها هو يرى في هذه الإجراءات دليلاً على صوابية موقفه منذ البداية، متناسياً أنه يعيش في ظل حكم ديكتاتوري، يقوم بالممارسات نفسها، لكنه يقبلها طالما تتوافق مع ميوله.
هو التسلط واحد، عسكرياً كان أو سياسياً. والمسألة ليست التخندق في هذا المعسكر أو ذاك والنظر إلى الطرف الآخر باعتباره الشر المطلق، بل في الاختيار بين مسارين، لكل منهما مقدار من الشر. لكن، يبقى المعطى السياسي مفتوحاً على أفق الإصلاح والتبديل.
في المعسكريْن، كان هناك اصطفاف حاد، إما مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو ضده. هو الخيار القديم بين الفسطاطين الذي بات سمة الحياة السياسية العربية، على الرغم من أنه من الممكن جداً ألا تكون مع هذا الطرف أو ذاك، وتسوق مبرراتك التي تدفعك إلى أن تكون معارضاً للانقلاب العسكري، وفي الوقت نفسه غير مؤيد لأردوغان وسطوته المتعاظمة على السلطة. ربما يجدر بالمتابعين العرب للوضع التركي، والمتحمسين بشدة لأردوغان، النظر قليلاً إلى مواقف الأحزاب التركية المعارضة، والأخذ بها مثلاً. هذه الأحزاب، وفي مقدمتها "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، وقفت منذ اللحظة الأولى ضد الانقلاب، على الرغم من أنها معارضة بالمطلق لحزب "العدالة والتنمية" وسياساته وممارساته.
كانت نظرة هؤلاء أبعد من المصالح الآنية والفئوية، وذات امتداد أوسع وأشمل، طاولت الشكل العام المرتقب للدولة، في ما لو نجح الانقلاب، وما سيؤدي إليه من تعطيل للمسار الديمقراطي في البلاد، حتى وإن كانت هذه الديمقراطية اليوم لا تصب في صالح هذه الأحزاب، ولا تعطيها الأغلبية لتحكم، لكن بقاء هذا المسار يضمن، مع الوقت، عملية التناوب على السلطة، وهو ما لا يمكن أن يحصل في ظل الحكم العسكري.
الأمر نفسه بالنسبة إلى كثيرين من الأتراك الذين نزلوا إلى الشارع لمواجهة دبابات الجيش. كثير منهم غير منتم إلى حزب العدالة والتنمية، وربما لا يحب أردوغان ولا يؤيده، غير أنهم كانوا خائفين على مستقبل الدولة والحياة العامة، وحقهم لاحقاً في الاختيار. نزل كثيرون من هؤلاء إلى الشارع، دفاعاً عن أصواتهم في صناديق الاقتراع، وللحفاظ مستقبلاً على تمكّنهم من إبداء آرائهم. لم يقفوا طويلاً والاختيار بين التسلط السياسي الممارس من "العدالة والتنمية" والتسلط العسكري القادم على ظهر دبابة، خصوصاً أنهم اختبروا هذا النوع من التسلط أربع مرات سابقاً. كان اختيار الانحياز إلى المسار السياسي سهلاً، طالما أنه خاضع لآلية ديمقراطية ورغبة شعبية قابلة للتحول مع الوقت، على عكس الوضع مع الحكم العسكري.
ليست المسألة، إذن، أن تكون مع أردوغان أو ضده، أو مؤيداً لحزب "العدالة والتنمية" وأيديولوجيته أو معارضاً له. ليست القضية النظرة إلى أردوغان، وهي عامة في البلاد العربية خصوصاً، إذ إنه بالنسبة إلى الشارع العربي واحد من اثنين، إما ديكتاتور أو "سلطان جائر"، أو "خليفة للمسلمين" ومعيد مجد "الإمبراطورية العثمانية". نظرة لا علاقة، ربما، للأتراك بها، وهي نابعة أساساً من قصور سياسي عربي، وتراث من التمجيد والكراهية لا تعرف الحلول الوسط، ولا ترى الأمور إلا من منطلقات فئوية.
هذا الأمر مستمر حتى بعد فشل الانقلاب، فمن كان مؤيداً أردوغان، ها هو يدافع بشراسة عن كل الإجراءات الديكتاتورية، من الاعتقالات وفرض الطوارئ إلى إغلاق الصحف وإقالات آلاف الموظفين، والتي يقوم بها تحت مسمى "احتواء تداعيات الانقلاب". ومن كان معارضاً ها هو يرى في هذه الإجراءات دليلاً على صوابية موقفه منذ البداية، متناسياً أنه يعيش في ظل حكم ديكتاتوري، يقوم بالممارسات نفسها، لكنه يقبلها طالما تتوافق مع ميوله.
هو التسلط واحد، عسكرياً كان أو سياسياً. والمسألة ليست التخندق في هذا المعسكر أو ذاك والنظر إلى الطرف الآخر باعتباره الشر المطلق، بل في الاختيار بين مسارين، لكل منهما مقدار من الشر. لكن، يبقى المعطى السياسي مفتوحاً على أفق الإصلاح والتبديل.
نيسان ـ نشر في 2016/07/24 الساعة 00:00