كيف سقط السيسي من جيب مرسي!
نيسان ـ نشر في 2016/07/25 الساعة 00:00
قبل أن تقرأ:
في هذا المقال سأتجنب قدر الإمكان الدخول في تلك المساحة اللانهائية، التي لا تعرف حدوداً للكلام عن جدارة الرئيس محمد مرسي للحكم والإدارة، أو تلك التي ترى في كل ما فعله أخطاء.
Ad
أيضا، ليس ما أكتبه هنا بدافع الاشتباك مع الصديق والزميل العزيز أحمد منصور، أو الطعن في مقصده مما نشره قبل أيام بصحيفة" الوطن" القطرية، منسوباً لمصادر لم يسمها، ومشتملا على ما وصفه برواية "شاهد عيان". دافعي للخوض في موضوع العلاقة بين الرئيس المنتخب- فك الله أسره- ووزير دفاعه- فك الله أسر مصر من كوارثه- هو الحقيقة، والحقيقة فقط، كما عايشتها، كطرف مباشر، بعيداً عن روايات "المصادر" التي تغرق الساحة بحكايات عن نبوغها وفراستها وقراءتها الحكيمة الواعية للموقف، ونصحها وتحذيرها للرئيس الذي لم يسمع الكلام.
يقول الأستاذ أحمد منصور ما يلي:
"باختصار شديد كان الانقلاب الحقيقي الذي قاده السيسي على الثورة المصرية في شهر ديسمبر من عام 2012 حينما دعا السيسي القوى السياسية للاجتماع في وزارة الدفاع للبحث عن مخرج للأزمة السياسية دون علم مرسي أو استئذانه أو مشورته، وقد فوجئ أحد الوزراء وهو الدكتور محمد محسوب بالخبر على شاشة الجزيرة، وكان يجلس وقتها في القصر الجمهوري ينتظر لقاء الرئيس الذي كان في اجتماع مغلق، هرع محسوب إلى أحد مستشاري مرسي المقربين منه وأبلغه بالخبر الذي صدم به مرسي، وهناك تفصيلات كثيرة لا مجال هنا لسردها". لن أختلف مع الزميل في أن الانقلاب الحقيقي بدأ في ديسمبر، بل أزيد بأن التحضير للانقلاب بدأ في أغسطس/ آب 2012، وتحديدا في الرابع والعشرين منه، بتلك المليونية البائسة التي رعاها المجلس العسكري لأتباع أحمد شفيق عند النصب التذكاري. ولم تتوقف محاولات الانقلاب أبدا، وقد سجلت تفاصيل محاولة أخرى، وارد الخارج، في مقال نشرته بصحيفة" الشروق" المصرية بتاريخ 13 نوفمبر 2012 تحت عنوان" من هو رئيس مصر 2013" وجاءت أحداث الاتحادية بعدها، لتكشف خيوطا من هذا المخطط الممول إقليمياً، وفاجأني أحد مستشاري الرئيس بأن كل ما ورد في المقال صحيح، وأن الرئاسة على علم بالموضوع. أتوقف هنا عند مسرح الرواية التي يسردها أحمد منصور، عن دعوة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي القوى السياسية، منسوبة للوزير محمد محسوب الذي يقول إنه فوجئ بالخبر على الشاشة وهو يجلس بالقصر الجمهوري. والحاصل أنه في ذلك اليوم كنا في اجتماع للقوى الحزبية والشخصيات العامة، بنائب الرئيس المستشار محمود مكي، وذلك بإحدى قاعات فندق "تريومف" التابع للقوات المسلحة، بشارع الخليفة المأمون، حيث تم نقل هذه الجلسة من الحوار، إلى الفندق، بدلا من قصر الاتحادية، نظراً لازدحام جدول الرئيس في ذلك اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2012 بحضور قيادات حزب الوسط، أبو العلا ماضي وعصام سلطان ومحمد محسوب. وقد دونت ذلك بمقالي اليومي في "الشروق" بتاريخ 13 نوفمبر تحت عنوان" حفلة شم نسيم الحوار" وقلت نصاً: "بينما كان الحوار منعقداً بين نائب الرئيس وممثلى قوى سياسية وشخصيات وطنية، بدت على ملامح المجتمعين علامات وجوم مفاجئة، إذ كانت أنباء دعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع للقاء وطنى فى القرية الأوليمبية قد وصلت إلى القاعة، الأمر الذى جعل كثيرين يحولون دفة الحوار إلى سؤال قلق حول دلالة هذه الخطوة. وللوهلة الأولى اعتبرها البعض عودة إلى «عسكرة السياسة» من خلال دخول المؤسسة العسكرية إلى المشهد السياسى مرة أخرى، غير أن نائب الرئيس المستشار مكى أوضح بهدوء أن هذا أمر يجرى بالتنسيق والترتيب مع مؤسسة الرئاسة، وهو ما أكده مدير مكتب الرئيس بقوله إن اللقاء الذى رحبت الرئاسة بفكرته يهدف إلى تخفيف حدة الاحتقان بين أطراف الصراع السياسى بتركيزه على الجوانب الإنسانية والاجتماعية بين مكونات المعادلة السياسية فى مصر". رواية عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط لتلك الواقعة، جاءت على النحو التالي كما نشرها، حينذاك، على صفحته بموقع "فيسبوك":
"أثناء وجودنا فى أحد فنادق القاهرة لعقد جلسة الحوار بين الأحزاب والقوى السياسية، بوجود نائب رئيس الجمهورية وعدد من الرموز السياسية، أوضح لنا الدكتور أحمد عبد العاطى مدير مكتب رئيس الجمهورية، أن لقاءً تم صباح اليوم جمع بين وزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس الجمهورية وآخرين للترتيب وإنهاء الإجراءات الخاصة باستفتاء يوم السبت". وأضاف: «أثناء هذا اللقاء عرض الفريق السيسى فكرة ترطيب الأجواء التى كانت محتقنة بلقاءٍ ودى على الغداء يجمع بين الرموز السياسية والإعلامية والشخصيات العامة حتى تسود حالة من الارتياح بين الجميع، فوافق الرئيس على ذلك على الفور، هذا ما ذكره لنا الآن الدكتور أحمد عبد العاطى فى حضور نائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكى الذى أقرَّ ذلك». واختتم عصام سلطان بالقول إنه أراد توضيح الأمور فقط من خلال كشف كواليس دعوة الفريق السيسي للحوار بين القوى السياسية، حتى يقطع الأمر على المتربصين. وأذكر أنني كنت ممن رأوا في هذه القفزة الخطيرة التي قام بها السيسي، متضامناً مع وزير الداخلية في ذلك الوقت، أحمد جمال الدين، عبثاً خطيراً في مرحلة لا تحتمل العبث، وأن في ذلك إهانة ونسفا لفكرة الحوار الوطني الذي انخرطنا فيه، استجابة لدعوة من مؤسسة الرئاسة، وأنجزنا من خلاله إلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس وأشعل الأزمة. وقد عادت الرئاسة وأعلنت فيما بعد، على ضوء حصيلة نقاش المجتمعين إلغاء اللقاء. لا أذيع سرا هنا إذا قلت إنه بعد الوجوم الذي خيم على الوجوه، لم أسمع أن أحداً من الحاضرين طلب من الرئيس أو مستشاريه إقالة وزير الدفاع أو اعتقاله، بل كانت هناك وجهة نظر ترى في دعوة وزيري الدفاع والداخلية فرصة لمواجهة مع رموز جبهة الإنقاذ، وأن انعقاد اللقاء بحد ذاته قد يذيب بعض الجليد ويفتح آفاقاً للحوار. وأظن أن هذه الفكرة اشتغل عليها الدكتور محمد محسوب، فيما بعد استقالته من الوزارة، وجرى لقاء سراً مع عمرو حمزاوي وآخرين في فندق "ماريوت" بحي الزمالك، وبعدها تلقيت دعوة من الدكتور محسوب للمشاركة في جولة ثانية من النقاش، بمنطقة المقطم، وقد ذهبت وأصدقاء آخرون، مدفوعين بالرغبة في إخماد فتنة سياسية شريرة، وجلسنا ننتظر انضمام حمزاوي وآخرين من نواب منتمين لجبهة الإنقاذ، لكن انتظارنا طال لساعة متأخرة من الليل، من دون أن يأتي أحد، وعلمنا أن حمزاوي وزملاءه تراجعوا عن فكرة استكمال الحوار، بعد أن انهتك ستر الجولة السرية الأولى، وتسربت أخبارها لوسائل الإعلام، عبر بصاصين كانوا منتشرين في الفندق، وكأنها كانت "حفلة لعبدة الشيطان" وليست حوارا وطنيا محترما! ماذا كان يفعل هيكل في مقر الرئيس؟
لا جدال في أن عبد الفتاح السيسي خدع الرئيس مرسي، ولا شك في أن المخطط كان أعقد بكثير مما نعلم جميعا، وأعترف شخصيا بأني خدعت نفسي حين تصورت أن حضور الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل إلى المشهد، بعد حوار تلفزيوني بدا فيه هادئاً وعقلانياً وموضوعياً غير منحاز، بات لازماً وضرورياً، ودفعت بي سذاجتي إلى كتابة مقال تحت عنوان" الحل في برقاش وليس من واشنطن" وقلت "أستاذ هيكل، نستأذنك فى الحضور على وجه السرعة فالخطر داهم والبحارة يتعاركون على ظهر السفينة والقراصنة لا يرحمون". وأظن أن اللقاء المغلق للرئيس الذي تحدث عنه الزميل أحمد منصور في مقاله كان مع الأستاذ هيكل، وهو اللقاء الذي تبعته حملة شتائم معتبرة طال رذاذها الأستاذ هيكل من معسكر "الصراع المفتوح" وأعقبته فترة سكون، أو هدوء سياسي، انصرف فيها الجميع إلى الاستفتاء على الدستور، بعد ثمان وأربعين ساعة من دعوة وزير الدفاع والداخلية، التي لم تتم، وقد ظن الجميع أنه بإقرار الدستور، والبدء في التحضير للانتخابات البرلمانية، عرفت البلاد طريقها إلى استقرار سياسي، خصوصاً بعد قيام القوات المسلحة والشرطة بتأمين عملية الاستفتاء، التي مرت بسلام على الجميع. صحيح أنه تبين أنه هدوء كاذب، واستقرار خادع فيما بعد، إلا أن هذه الأجواء أعطت انطباعاً بأن مؤسسات الدولة انتظمت في مساراتها، وخصوصا بعد أن مرت ذكرى الخامس والعشرين من يناير، من دون إسقاط الرئيس المنتخب، حسب سيناريو المحاولة الانقلابية المدعومة من خارج الحدود. وأستطيع أن أقول هنا، استناداً إلى مصادر أثق في اطلاعها وقربها من مؤسسة الرئاسة، أنه في ظل هذه الحالة العابرة من الهدوء، طلب بعض الذين استقالوا من دوائر مؤسسة الرئاسة، تحت ضغط أحداث الاتحادية، طلبوا شفاهة من مقربين من الرئيس اختبار إمكانية العودة إلى أماكنهم، وأظن أن هذا يعبر عن إحساس بانقشاع تلك الموجة العاتية من الغبار، واستقرار الطقس السياسي، نسبيا، بما يعنيه ذلك من أن أمرا واقعا ساد، وأن الرئيس خرج أكثر سيطرة. هل خدع السيسي أردوغان أيضا؟
في الأسبوع الثاني من مايو 2013 كنا في مقر رئاسة الحكومة التركية بالعاصمة أنقرة، كاتب هذه السطور والأساتذة جمال خاشقجي وجهاد الخازن وحلمي الأسمر، رئيس تحرير" الدستور" الأردنية، والدكتور محمد السعيد إدريس، والكاتب اللبناني سعد محيو، وصحافيين عرب آخرين، بدعوة من الحكومة التركية، التي كان يرأسها في ذلك الوقت رجب طيب أردوغان، الذي حالت ارتباطاته دون عقد لقاء معنا، حيث اجتمعنا مع نائبيه، وفي ذلك اليوم فوجئنا بوجود وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، للقاء مع رئيس الحكومة التركية، في إطار زيارة عسكرية موسعة، ضمت 11 من قيادات القوات المسلحة المصرية، لإجراء مباحثات مع وزير الدفاع التركي، بشأن "إقامة تحالف استراتيجي بين البلدين في كافة المجالات" كما ذكرت الصحف المصرية، والتنسيق المشترك في الموضوع السوري، تنفيذاً لما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين المصري محمد مرسي، والتركي عبد الله جول. كان ذلك قبل انقلاب السيسي على الرئيس بواحد وخمسين يوما فقط، وأزعم أن هذه الزيارة لواحدة من كبرى العواصم الداعمة لتجربة حكم مرسي كانت من الأسباب التي أنعشت أسطورة الهدوء والاستقرار، كجزء من عملية الخداع الإستراتيجي، التي وقع فيها الجميع. يا عزيزي كلنا مخدوعون
مرة أخرى لن أجادل في أن وزير الدفاع نجح في خداع رئيسه، ثم انقضّ على الحكم، لكن، هل الرئيس مرسي هو وحده الذي خُدِعَ؟ يؤسفني القول إن بعض الذين يجلدون الرئيس على أنه تعرض لخديعة، كانوا هم أنفسهم، من حيث لا يدرون، جزءاً من عملية الخداع، سمّها الغفلة، أو قل الثقة في غير موضعها، أو ما تشاء من توصيفات. عقب بيان الجيش الغامض في الأسبوع الأخير قبل تنفيذ الانقلاب، دار حوار عبر الهاتف بيني وبين عدد من السياسيين المحترمين يقبعون في سجون الانقلاب الآن، وحاول أحدهم، وأعتز بصداقته وأعرف صدقه ونبله، طمأنتي، قائلاً إنه كان مثلي قلقا مما هو آت، حتى حضر لقاء على مستوى ضيق، تم بين سياسيين من قيادات حزبه مؤيدي استمرار المسار الديمقراطي، من جانب، وعسكريين كباراً من جانب آخر، وقد شهد اللقاء شرحاً من وزير الدفاع حينئذ، لسيناريو واحتمالات يوم الخروج، وكلها بنيت على أن الكتلة الأكبر من الحشود التي ستحاصر قصر الاتحادية هي من جمهور دولة حسني مبارك وأحمد شفيق، يقودها ويتولى شحنها رموز وقيادات الحزب الوطني المنحل، وأن هذه الكتلة من المرجح أن تستخدم العنف بكثافة سلاحاً في اليوم الموعود، غير أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية مستعدة للتعاون والحسم النهائي.. وبتعبير صديقي المحترم فإن العسكريين لم يستبعدوا إراقة دماء وسقوط ضحايا، قد يصل عددهم لعدد شهداء ثورة يناير، من المدافعين عن حق السلطة المنتخبة في استكمال مدتها، غير أن هذه ستكون الدماء التي تغسل مسيرة ثورة المصريين، وثمنا لإنهاء القلاقل، ثم الانطلاق بالدولة على طريق البناء. ومن المهم هنا أيضا الإشارة إلى أن الصديق المحترم الذي قص عليّ هذه السردية العسكرية الكاذبة، كان مصدقا لما سمع، مثلي، وهو بالمناسبة لا ينتمي للإخوان المسلمين، وحين رحت أنقل هذه الطمأنينة إلى صديق آخر، من ثوار يناير، المنتمين للإخوان، وجدته غير مستعد للتفاؤل، بل قالها لي بغضب يائس: المؤامرة اكتملت.
صديقي العزيز/ أحمد منصور:
هذا سياسي معارض ومحنك، وقع في شرك سيناريوهات وزير الدفاع، ومثله كثيرون من سياسيين بالفعل، وآخرين صاروا كذلك في غفلة من الزمن، يمسكون بعصا الأستاذية للرئيس الأسير الآن، لأنه افترض في وزير دفاعه أنه يحترم قسمه العسكري، ويحترم وطنه. القصة لم تكن سوء اختيار شخص عبد الفتاح السيسي، أنظر أين يجلس طنطاوي من السيسي في كل المناسبات، ستدرك أن الانقلاب كان اختياراً استراتيجياً لمؤسسة، ولم يكن مغامرة مجنونة من شخص ينتمي لهذه المؤسسة، فأي جيب مهما بلغ طوله وعرضه يمكن أن يستوعب هذا الحوت العسكري، المحاط بزعانف وشوكات مدنية سامة، ومزيفة؟!
أيضا، ليس ما أكتبه هنا بدافع الاشتباك مع الصديق والزميل العزيز أحمد منصور، أو الطعن في مقصده مما نشره قبل أيام بصحيفة" الوطن" القطرية، منسوباً لمصادر لم يسمها، ومشتملا على ما وصفه برواية "شاهد عيان". دافعي للخوض في موضوع العلاقة بين الرئيس المنتخب- فك الله أسره- ووزير دفاعه- فك الله أسر مصر من كوارثه- هو الحقيقة، والحقيقة فقط، كما عايشتها، كطرف مباشر، بعيداً عن روايات "المصادر" التي تغرق الساحة بحكايات عن نبوغها وفراستها وقراءتها الحكيمة الواعية للموقف، ونصحها وتحذيرها للرئيس الذي لم يسمع الكلام.
يقول الأستاذ أحمد منصور ما يلي:
"باختصار شديد كان الانقلاب الحقيقي الذي قاده السيسي على الثورة المصرية في شهر ديسمبر من عام 2012 حينما دعا السيسي القوى السياسية للاجتماع في وزارة الدفاع للبحث عن مخرج للأزمة السياسية دون علم مرسي أو استئذانه أو مشورته، وقد فوجئ أحد الوزراء وهو الدكتور محمد محسوب بالخبر على شاشة الجزيرة، وكان يجلس وقتها في القصر الجمهوري ينتظر لقاء الرئيس الذي كان في اجتماع مغلق، هرع محسوب إلى أحد مستشاري مرسي المقربين منه وأبلغه بالخبر الذي صدم به مرسي، وهناك تفصيلات كثيرة لا مجال هنا لسردها". لن أختلف مع الزميل في أن الانقلاب الحقيقي بدأ في ديسمبر، بل أزيد بأن التحضير للانقلاب بدأ في أغسطس/ آب 2012، وتحديدا في الرابع والعشرين منه، بتلك المليونية البائسة التي رعاها المجلس العسكري لأتباع أحمد شفيق عند النصب التذكاري. ولم تتوقف محاولات الانقلاب أبدا، وقد سجلت تفاصيل محاولة أخرى، وارد الخارج، في مقال نشرته بصحيفة" الشروق" المصرية بتاريخ 13 نوفمبر 2012 تحت عنوان" من هو رئيس مصر 2013" وجاءت أحداث الاتحادية بعدها، لتكشف خيوطا من هذا المخطط الممول إقليمياً، وفاجأني أحد مستشاري الرئيس بأن كل ما ورد في المقال صحيح، وأن الرئاسة على علم بالموضوع. أتوقف هنا عند مسرح الرواية التي يسردها أحمد منصور، عن دعوة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي القوى السياسية، منسوبة للوزير محمد محسوب الذي يقول إنه فوجئ بالخبر على الشاشة وهو يجلس بالقصر الجمهوري. والحاصل أنه في ذلك اليوم كنا في اجتماع للقوى الحزبية والشخصيات العامة، بنائب الرئيس المستشار محمود مكي، وذلك بإحدى قاعات فندق "تريومف" التابع للقوات المسلحة، بشارع الخليفة المأمون، حيث تم نقل هذه الجلسة من الحوار، إلى الفندق، بدلا من قصر الاتحادية، نظراً لازدحام جدول الرئيس في ذلك اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2012 بحضور قيادات حزب الوسط، أبو العلا ماضي وعصام سلطان ومحمد محسوب. وقد دونت ذلك بمقالي اليومي في "الشروق" بتاريخ 13 نوفمبر تحت عنوان" حفلة شم نسيم الحوار" وقلت نصاً: "بينما كان الحوار منعقداً بين نائب الرئيس وممثلى قوى سياسية وشخصيات وطنية، بدت على ملامح المجتمعين علامات وجوم مفاجئة، إذ كانت أنباء دعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع للقاء وطنى فى القرية الأوليمبية قد وصلت إلى القاعة، الأمر الذى جعل كثيرين يحولون دفة الحوار إلى سؤال قلق حول دلالة هذه الخطوة. وللوهلة الأولى اعتبرها البعض عودة إلى «عسكرة السياسة» من خلال دخول المؤسسة العسكرية إلى المشهد السياسى مرة أخرى، غير أن نائب الرئيس المستشار مكى أوضح بهدوء أن هذا أمر يجرى بالتنسيق والترتيب مع مؤسسة الرئاسة، وهو ما أكده مدير مكتب الرئيس بقوله إن اللقاء الذى رحبت الرئاسة بفكرته يهدف إلى تخفيف حدة الاحتقان بين أطراف الصراع السياسى بتركيزه على الجوانب الإنسانية والاجتماعية بين مكونات المعادلة السياسية فى مصر". رواية عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط لتلك الواقعة، جاءت على النحو التالي كما نشرها، حينذاك، على صفحته بموقع "فيسبوك":
"أثناء وجودنا فى أحد فنادق القاهرة لعقد جلسة الحوار بين الأحزاب والقوى السياسية، بوجود نائب رئيس الجمهورية وعدد من الرموز السياسية، أوضح لنا الدكتور أحمد عبد العاطى مدير مكتب رئيس الجمهورية، أن لقاءً تم صباح اليوم جمع بين وزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس الجمهورية وآخرين للترتيب وإنهاء الإجراءات الخاصة باستفتاء يوم السبت". وأضاف: «أثناء هذا اللقاء عرض الفريق السيسى فكرة ترطيب الأجواء التى كانت محتقنة بلقاءٍ ودى على الغداء يجمع بين الرموز السياسية والإعلامية والشخصيات العامة حتى تسود حالة من الارتياح بين الجميع، فوافق الرئيس على ذلك على الفور، هذا ما ذكره لنا الآن الدكتور أحمد عبد العاطى فى حضور نائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكى الذى أقرَّ ذلك». واختتم عصام سلطان بالقول إنه أراد توضيح الأمور فقط من خلال كشف كواليس دعوة الفريق السيسي للحوار بين القوى السياسية، حتى يقطع الأمر على المتربصين. وأذكر أنني كنت ممن رأوا في هذه القفزة الخطيرة التي قام بها السيسي، متضامناً مع وزير الداخلية في ذلك الوقت، أحمد جمال الدين، عبثاً خطيراً في مرحلة لا تحتمل العبث، وأن في ذلك إهانة ونسفا لفكرة الحوار الوطني الذي انخرطنا فيه، استجابة لدعوة من مؤسسة الرئاسة، وأنجزنا من خلاله إلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس وأشعل الأزمة. وقد عادت الرئاسة وأعلنت فيما بعد، على ضوء حصيلة نقاش المجتمعين إلغاء اللقاء. لا أذيع سرا هنا إذا قلت إنه بعد الوجوم الذي خيم على الوجوه، لم أسمع أن أحداً من الحاضرين طلب من الرئيس أو مستشاريه إقالة وزير الدفاع أو اعتقاله، بل كانت هناك وجهة نظر ترى في دعوة وزيري الدفاع والداخلية فرصة لمواجهة مع رموز جبهة الإنقاذ، وأن انعقاد اللقاء بحد ذاته قد يذيب بعض الجليد ويفتح آفاقاً للحوار. وأظن أن هذه الفكرة اشتغل عليها الدكتور محمد محسوب، فيما بعد استقالته من الوزارة، وجرى لقاء سراً مع عمرو حمزاوي وآخرين في فندق "ماريوت" بحي الزمالك، وبعدها تلقيت دعوة من الدكتور محسوب للمشاركة في جولة ثانية من النقاش، بمنطقة المقطم، وقد ذهبت وأصدقاء آخرون، مدفوعين بالرغبة في إخماد فتنة سياسية شريرة، وجلسنا ننتظر انضمام حمزاوي وآخرين من نواب منتمين لجبهة الإنقاذ، لكن انتظارنا طال لساعة متأخرة من الليل، من دون أن يأتي أحد، وعلمنا أن حمزاوي وزملاءه تراجعوا عن فكرة استكمال الحوار، بعد أن انهتك ستر الجولة السرية الأولى، وتسربت أخبارها لوسائل الإعلام، عبر بصاصين كانوا منتشرين في الفندق، وكأنها كانت "حفلة لعبدة الشيطان" وليست حوارا وطنيا محترما! ماذا كان يفعل هيكل في مقر الرئيس؟
لا جدال في أن عبد الفتاح السيسي خدع الرئيس مرسي، ولا شك في أن المخطط كان أعقد بكثير مما نعلم جميعا، وأعترف شخصيا بأني خدعت نفسي حين تصورت أن حضور الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل إلى المشهد، بعد حوار تلفزيوني بدا فيه هادئاً وعقلانياً وموضوعياً غير منحاز، بات لازماً وضرورياً، ودفعت بي سذاجتي إلى كتابة مقال تحت عنوان" الحل في برقاش وليس من واشنطن" وقلت "أستاذ هيكل، نستأذنك فى الحضور على وجه السرعة فالخطر داهم والبحارة يتعاركون على ظهر السفينة والقراصنة لا يرحمون". وأظن أن اللقاء المغلق للرئيس الذي تحدث عنه الزميل أحمد منصور في مقاله كان مع الأستاذ هيكل، وهو اللقاء الذي تبعته حملة شتائم معتبرة طال رذاذها الأستاذ هيكل من معسكر "الصراع المفتوح" وأعقبته فترة سكون، أو هدوء سياسي، انصرف فيها الجميع إلى الاستفتاء على الدستور، بعد ثمان وأربعين ساعة من دعوة وزير الدفاع والداخلية، التي لم تتم، وقد ظن الجميع أنه بإقرار الدستور، والبدء في التحضير للانتخابات البرلمانية، عرفت البلاد طريقها إلى استقرار سياسي، خصوصاً بعد قيام القوات المسلحة والشرطة بتأمين عملية الاستفتاء، التي مرت بسلام على الجميع. صحيح أنه تبين أنه هدوء كاذب، واستقرار خادع فيما بعد، إلا أن هذه الأجواء أعطت انطباعاً بأن مؤسسات الدولة انتظمت في مساراتها، وخصوصا بعد أن مرت ذكرى الخامس والعشرين من يناير، من دون إسقاط الرئيس المنتخب، حسب سيناريو المحاولة الانقلابية المدعومة من خارج الحدود. وأستطيع أن أقول هنا، استناداً إلى مصادر أثق في اطلاعها وقربها من مؤسسة الرئاسة، أنه في ظل هذه الحالة العابرة من الهدوء، طلب بعض الذين استقالوا من دوائر مؤسسة الرئاسة، تحت ضغط أحداث الاتحادية، طلبوا شفاهة من مقربين من الرئيس اختبار إمكانية العودة إلى أماكنهم، وأظن أن هذا يعبر عن إحساس بانقشاع تلك الموجة العاتية من الغبار، واستقرار الطقس السياسي، نسبيا، بما يعنيه ذلك من أن أمرا واقعا ساد، وأن الرئيس خرج أكثر سيطرة. هل خدع السيسي أردوغان أيضا؟
في الأسبوع الثاني من مايو 2013 كنا في مقر رئاسة الحكومة التركية بالعاصمة أنقرة، كاتب هذه السطور والأساتذة جمال خاشقجي وجهاد الخازن وحلمي الأسمر، رئيس تحرير" الدستور" الأردنية، والدكتور محمد السعيد إدريس، والكاتب اللبناني سعد محيو، وصحافيين عرب آخرين، بدعوة من الحكومة التركية، التي كان يرأسها في ذلك الوقت رجب طيب أردوغان، الذي حالت ارتباطاته دون عقد لقاء معنا، حيث اجتمعنا مع نائبيه، وفي ذلك اليوم فوجئنا بوجود وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، للقاء مع رئيس الحكومة التركية، في إطار زيارة عسكرية موسعة، ضمت 11 من قيادات القوات المسلحة المصرية، لإجراء مباحثات مع وزير الدفاع التركي، بشأن "إقامة تحالف استراتيجي بين البلدين في كافة المجالات" كما ذكرت الصحف المصرية، والتنسيق المشترك في الموضوع السوري، تنفيذاً لما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين المصري محمد مرسي، والتركي عبد الله جول. كان ذلك قبل انقلاب السيسي على الرئيس بواحد وخمسين يوما فقط، وأزعم أن هذه الزيارة لواحدة من كبرى العواصم الداعمة لتجربة حكم مرسي كانت من الأسباب التي أنعشت أسطورة الهدوء والاستقرار، كجزء من عملية الخداع الإستراتيجي، التي وقع فيها الجميع. يا عزيزي كلنا مخدوعون
مرة أخرى لن أجادل في أن وزير الدفاع نجح في خداع رئيسه، ثم انقضّ على الحكم، لكن، هل الرئيس مرسي هو وحده الذي خُدِعَ؟ يؤسفني القول إن بعض الذين يجلدون الرئيس على أنه تعرض لخديعة، كانوا هم أنفسهم، من حيث لا يدرون، جزءاً من عملية الخداع، سمّها الغفلة، أو قل الثقة في غير موضعها، أو ما تشاء من توصيفات. عقب بيان الجيش الغامض في الأسبوع الأخير قبل تنفيذ الانقلاب، دار حوار عبر الهاتف بيني وبين عدد من السياسيين المحترمين يقبعون في سجون الانقلاب الآن، وحاول أحدهم، وأعتز بصداقته وأعرف صدقه ونبله، طمأنتي، قائلاً إنه كان مثلي قلقا مما هو آت، حتى حضر لقاء على مستوى ضيق، تم بين سياسيين من قيادات حزبه مؤيدي استمرار المسار الديمقراطي، من جانب، وعسكريين كباراً من جانب آخر، وقد شهد اللقاء شرحاً من وزير الدفاع حينئذ، لسيناريو واحتمالات يوم الخروج، وكلها بنيت على أن الكتلة الأكبر من الحشود التي ستحاصر قصر الاتحادية هي من جمهور دولة حسني مبارك وأحمد شفيق، يقودها ويتولى شحنها رموز وقيادات الحزب الوطني المنحل، وأن هذه الكتلة من المرجح أن تستخدم العنف بكثافة سلاحاً في اليوم الموعود، غير أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية مستعدة للتعاون والحسم النهائي.. وبتعبير صديقي المحترم فإن العسكريين لم يستبعدوا إراقة دماء وسقوط ضحايا، قد يصل عددهم لعدد شهداء ثورة يناير، من المدافعين عن حق السلطة المنتخبة في استكمال مدتها، غير أن هذه ستكون الدماء التي تغسل مسيرة ثورة المصريين، وثمنا لإنهاء القلاقل، ثم الانطلاق بالدولة على طريق البناء. ومن المهم هنا أيضا الإشارة إلى أن الصديق المحترم الذي قص عليّ هذه السردية العسكرية الكاذبة، كان مصدقا لما سمع، مثلي، وهو بالمناسبة لا ينتمي للإخوان المسلمين، وحين رحت أنقل هذه الطمأنينة إلى صديق آخر، من ثوار يناير، المنتمين للإخوان، وجدته غير مستعد للتفاؤل، بل قالها لي بغضب يائس: المؤامرة اكتملت.
صديقي العزيز/ أحمد منصور:
هذا سياسي معارض ومحنك، وقع في شرك سيناريوهات وزير الدفاع، ومثله كثيرون من سياسيين بالفعل، وآخرين صاروا كذلك في غفلة من الزمن، يمسكون بعصا الأستاذية للرئيس الأسير الآن، لأنه افترض في وزير دفاعه أنه يحترم قسمه العسكري، ويحترم وطنه. القصة لم تكن سوء اختيار شخص عبد الفتاح السيسي، أنظر أين يجلس طنطاوي من السيسي في كل المناسبات، ستدرك أن الانقلاب كان اختياراً استراتيجياً لمؤسسة، ولم يكن مغامرة مجنونة من شخص ينتمي لهذه المؤسسة، فأي جيب مهما بلغ طوله وعرضه يمكن أن يستوعب هذا الحوت العسكري، المحاط بزعانف وشوكات مدنية سامة، ومزيفة؟!
نيسان ـ نشر في 2016/07/25 الساعة 00:00