جواد العناني ضابط إيقاع الفريق الاقتصادي في الأردن
نيسان ـ نشر في 2016/08/02 الساعة 00:00
كتب محمد قبيلات...
ليست المرة الأولى التي يحمل فيها نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الصناعة والتجارة والتموين، جواد العناني الحقيبة الوزارية. العناني الذي صدرت الإرادة الملكية بتعيينه يوم الأربعاء الأول من الشهر الماضي وزيرا ضمن حكومة هاني الملقي، سبق وشغل منصب وزير التموين والتجارة والصناعة منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، إضافة إلى تبوّئه العديد من المناصب المهمة في الدولة الأردنية منذ ذلك الوقت إلى الآن.
دخل القطاع الحكومي بعد أن أنهى تعليمه الجامعي الأول، فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 1967، وكان قد درس الهندسة المدنية لمدة عامين في جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة مطلع ستينات القرن العشرين، ونال شهادة الماجستير من جامعة فاندربلت فيها، ويحمل اليوم، شهادة الدكتوراه في الاقتصاد.
شغل العناني العديد من المناصب المهمّة، في فترات مختلفة، امتدت من أواسط سبعينات القرن الماضي إلى عام 2012 حيث ترأس المجلس الاقتصادي الاجتماعي المعني برسم خطط السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وخلال تلك الفترة شارك في العديد من الحكومات وتولّى حقائب وزارية، منها؛ الإعلام والصناعة والتجارة والتموين والعمل.
يضاف إلى ذلك عضويته في مجلس الأعيان ورئاسته البلاط الملكي، وهو عضو الوفد الأردني المفاوض لمباحثات السلام ورئيس وفد الأردن لمفاوضات اللاجئين متعددة الأطراف.
الخبرة في مواجهة الإرث
العناني؛ باحث وكاتب اقتصادي تميّز بخبراته الواسعة، عمل في القطاع الخاص وفي مراكز عامة مهمة، وكان مديرا عاما لمؤسسة الضمان الاجتماعي في وقت مبكر من تأسيسها، كما عمل باحثا في البنك المركزي الأردني، وواكب مراحل تطور الاقتصاد الأردني منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي، أي أنه عاصر الحقبة النفطية وتأثيراتها في الاقتصاد الأردني منذ بداياتها.
وكان خلال الفترة بالغة الحساسية من تاريخ الدولة الأردنية، في الأعوام 1988-1989 وزيرا في حكومة زيد الرفاعي، وهذه الفترة يمكن وصفها بفترة دفع الأثمان، حيث انتهت الحرب العراقية الإيرانية، وتوقّف العراق عن تقديم المساعدات للأردن، وكذلك لم ينفّذ مشروع الخط الناقل للنفط الذي كان من المقرّر أن يمرّ من الأراضي الأردنية إلى خليج العقبة، كما توقّفت المساعدات الخليجية لدول المواجهة مع إسرائيل.
أيضا؛ كانت العلاقة مع أميركا على غير ما يرام، في الفترة الرئاسية الثانية لرونالد ريغان، بسبب الغضب الإسرائيلي من قيام الأردن بفك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية، وهو ما وضع إسرائيل في موقف إجباري للتباحث مع الفلسطينيين وجها لوجه.
وغير بعيد عن هذه التداعيات كلها، جاء انخفاض سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار، ونضبت العملات الصعبة من خزائن البنك المركزي الأردني، وما جرى من مضاربات واسعة على الدينار، خصوصا مع وجود كتلة نقدية هائلة في الضفة الغربية، ما ولّد إحساسا لدى بعض مراكز القرار بأن إسرائيل ربما استغلت هذه الكتلة النقدية لمعاقبة الأردن على قرار فك الارتباط بالمضاربة على الدينار.
هذه العوامل مجتمعة، إضافة إلى عدم استغلال الكم الهائل من الدعم والمساعدات في توجيه وبناء مشروعات اقتصادية منتجة؛ أدخلت البلاد في أزمة اقتصادية خانقة مهدت الطريق لحدوث مظاهرات واحتجاجات أدت إلى رحيل حكومة الرفاعي حينها.
الغريب أن هذه ليست المرة الأولى التي تستنجد فيها الإدارة الأردنية بوزراء من حقبة سبعينات القرن العشرين عهدت إليهم بإدارة الملف الاقتصادي، فقد سبق تعيين العناني إلى هذا المنصب، رجائي المعشر الذي كان نائبا لرئيس الوزراء، ووزيرا للتجارة والصناعة في حكومة سمير الرفاعي، وهو أيضا شغل المنصب ذاته عام 1989 في حكومة الرفاعي الأب.
اللافت أكثر أن توكل المهام الاقتصادية لفريق حكومي يترأسه وزير مخضرم مثل جواد العناني، وفي الوقت عينه يتم تشكيل مجلس للسياسات الاقتصادية توكل إليه المهمات ذاتها، بصلاحيات أكبر، حيث يشرف الملك بنفسه على هذا المجلس، وهذا يعني بشكل مباشر أن الفريق الاقتصادي الحكومي مجرد ديكور مصمم ليظهر أن الحكومة هي صاحبة الولاية ولأغراض إظهار الامتثال للدستور، بينما الحقيقة أن الصلاحيات الفعلية بيد هذا المجلس، وليست هذه الحالة الوحيدة، فهناك الكثير من الصلاحيات خارج ولاية الحكومة.
حتى أن بعض الغلاة رأوا في إزاحة الصلاحيات من الحكومة لتصبح مباشرة بيد الملك أو من خلال لجان يشرف عليها الملك، ما هي إلا لتحميل الملك مسؤولية الفشل. فحسب الدستور، الوزراء يتحمّلون المسؤولية عن الأخطاء ولا يعفون من المحاسبة حتى لو كانت نتيجة أوامر ملكية.
ما يهمّنا هنا، هو صلاحيات الفريق الاقتصادي، وإلى أيّ درجة يستطيع هذا الفريق أن يقرر الخطط الكفيلة بإدارة العملية الاقتصادية، في ظل وجود لجنة تمتلك الصلاحيات الواسعة في بناء التصورات والتمهيد لاستصدار القرارات من دون الدخول في حبائل البيروقراطية.
المولود الميت
على الرغم من أن هذه الحكومة جاءت لإدارة الانتخابات النيابية المقبلة، التي من المقرر إجراؤها في 20 سبتمبر المقبل، إلا أنها صممت بحيث تُشرف على الصندوق الاستثماري الأردني السعودي، وما سيقدّمه هذا الصندوق من دفع لعجلة الاقتصاد المترنّحة على وقع تقافز أرقام المديونية والعجز في الموازنة والبطالة ومستوى المعيشة.
الحكومة الأردنية الحالية تتركز مهمتها في إدارة الانتخابات النيابية المقبلة، التي من المقرّر إجراؤها في 20 سبتمبر المقبل، إلا أنها صممت بحيث تُشرف على الصندوق الاستثماري الأردني السعودي، وما سيقدمه هذا الصندوق من دفع لعجلة الاقتصاد المترنحة
ولقد قام ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة إلى الأردن بعد إنجازه الخطوات المتسارعة مع مصر، وتمّ الاتفاق على الاجتماع شهريا لمتابعة تنفيذ مشروع الصندوق الاستثماري، لكن مرَّت الأشهر الأربعة الماضية من دون أن يلتئم أيّ اجتماع، وإلى هذه اللحظة يسود صمت مطبق، فرغم الاستعجال في استصدار القوانين والتشريعات اللازمة، إلا أن الأمور لا يبدو أنها آلت إلى ما كان مخططاً لها. والتباطؤ ليس رهين حدود المسؤولية الأردنية. فالإدارة في عمّان تلقفت أخبار التغيير في السعودية، فسارعت إلى التهييئات التشريعية وإن بشكل متعجل، لكنها فعلت كل المطلوب منها، حتى على صعيد السياسة الإقليمية؛ فتم تشذيب بعض الممارسات والقيام ببعض الإجراءات، على صعيد العلاقة مع إيران مثلا، لكن من دون أن تصل الرسائل السعودية القوية التي تلبّي الشغف الأردني بمشروعات ولي ولي العهد السعودي. ولعل التباطؤ الجاري على المسار المصري يعمّق الشعور بالإحباط لدى الجانب الأردني، بالرغم من أنه كان من الأمنيات في العهد السابق، فلم ينظر الأردنيون بعين الارتياح إلى المليارات التي دعمت بها القاهرة وهم يرزحون تحت وطأة الأزمة. التنظير وامتحان الممارسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الصناعة والتجارة والتموين العناني -من مواليد مدينة الخليل- على علاقة جيدة مع الأمير الحسن بن طلال، فقد عمل معه لفترات طويلة، خصوصا أن الأمير هو من كان يدير الملفات المحلية خلال الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الماضي، وكان يُشاع أن العناني يدخل الحكومات على كوتة الأمير. والعناني من دعاة إتمام الحقوق المنقوصة، ففي بداية عهد الملك عبدالله الثاني عندما تم استبعاد جماعة الأمير الحسن زاد نشاط العناني في المطالبة بمنح حقوق سياسية للأردنيين من أصل فلسطيني. وكتب في إحدى مقالاته ما معناه، أن الأردن لم يعطه كفلسطيني أكثر ممّا أعطى هو للأردن، وطالما تحدث العناني في الفترة ذاتها عن اختفاء ثلاثين مليار دينار عن سطح التعاملات الاقتصادية الرسمية، حديث ظل يكتنفه الغموض ولم يفصح عنه بأكثر من هذه العبارات التي تشبه شيفرات التهديد.
من الطبيعي الآن، وهو في هذا الموقع، ألاّ يعود لطرح مثل هذه القصص، فمن عادات السياسة في الأردن أن السياسي عندما يبتعد عن المناصب يصبح صوته عاليا، لكنه يخفت إلى درجة الصمت إذا عاد لدائرة المسؤولية. القصة باتت اليوم أصعب من أيّ وقت مضى، فالاقتصاد الأردني يحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة، فالمكوّنات الاجتماعية الأردنية تواءمت ضمن ما يشبه العقد الاجتماعي القسري الناتج عن احتلال فلسطين وترحيل الفلسطينيين إلى الأردن بأعداد توازي السكان الأصليين، تمّ تجنيسهم وتوجيههم إلى أعمال التجارة والنشاطات الاقتصادية الحرة، بينما تم توجيه الأردنيين إلى العمل في القطاع العام والجيش والأجهزة الأمنية. فلا الفلسطيني ظلّ فلسطينيا يتهيأ للعودة إلى بلاده، ولا هو اندمج بشكل كامل في المجتمع على حسب ما تؤهله له الجنسية من حقوق، وكذلك الأردني من أصول أردنية، لم يبق معتمدا على وسائله الإنتاجية التقليدية من فلاحة ورعي، ولا الحكومة ظلت قادرة على منح أبنائه وظائف جديدة. وخير دليل على ذلك؛ تلك المشاهد التي ترد من بلدة ذيبان (70 كم جنوب العاصمة عمّان) إذ تقدم مؤشرا على فشل السياسات والمعالجات الاقتصادية الحكومية، ففي هذه البلدة قام مجموعة من الشباب ببناء خيمة سمّوها “خيمة اعتصام المُعطّلين عن العمل”، فأدخلت الحكومة في حرج كبير من حيث طريقة المعالجة، كما أنها قد تفتح الباب لاحتجاجات مشابهة كثيرة، وتعيد الحراك الشعبي إلى الشارع مجدداً، وهو ما لا تريده الحكومة. سبل المعالجة التقليدية لم تعد ناجحة الآن، فما زالت الموازنة تشمل بند المساعدات المتوقعة، وفي ذلك مخادعة كبيرة وعلى أكثر من مستوى، داخلي وخارجي، كما أن هناك الكثير من الأرقام المهمة غير دقيقة، فكيف يمكن تصميم الحلول على أساسها؟ البطالة حسب الأرقام الرسمية 14.8 بالمئة، بينما هناك من يقول بأنها تتجاوز 25 بالمئة، والقوى العاملة المنخرطة في القطاع العام رسميا بحدود 42 بالمئة. لكن هناك مؤشرات على أنها تتجاوز 60 بالمئة. ليس أخطر من الخبراء الاقتصاديين عندما يكونون في المواقع الحساسة، فتصبح خبراتهم منحصرة في قلب الأرقام، وليس الأمر صعبا عليهم. إذ يستطيع الواحد منهم أن يتحدث لك بحديثين متناقضين عن الفكرة نفسها، وليست بعيدة قصة الخبير الاقتصادي الذي كان عندما يرضى عن الحكومة يقول إن نسبة النمو في الاقتصاد بلغت أكثر من 4 بالمئة وهذا أمر جيد، وعندما يغضب يحوّر حديثه على الفور فيقول: صحيح إن نسبة النمو 4 بالمئة، لكن النمو السكاني أيضا 4 بالمئة، فهو يبتلعها، وبالنتيجة تُصبح نسبة النمو صفرا. ضمن هذه الأجواء والخلفيات يجاهد جواد العناني الآن للسباحة مع التيارات لا عكسها، فهو في موقع يلزمه بالمجاراة وتغيير الأدوات ونبرة الخطاب، فالقصة كبيرة في مثل هذا الموقع، ولا تتعلق فقط بإبداع الأفكار الجديدة، بل بشد الهمة لحمل إرث ثقيل واستخدام الكثير من الكوابح لتجاوز منحدرات متعرجة ربما يتبعها صعود شاق. العرب اللندنية
ولقد قام ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة إلى الأردن بعد إنجازه الخطوات المتسارعة مع مصر، وتمّ الاتفاق على الاجتماع شهريا لمتابعة تنفيذ مشروع الصندوق الاستثماري، لكن مرَّت الأشهر الأربعة الماضية من دون أن يلتئم أيّ اجتماع، وإلى هذه اللحظة يسود صمت مطبق، فرغم الاستعجال في استصدار القوانين والتشريعات اللازمة، إلا أن الأمور لا يبدو أنها آلت إلى ما كان مخططاً لها. والتباطؤ ليس رهين حدود المسؤولية الأردنية. فالإدارة في عمّان تلقفت أخبار التغيير في السعودية، فسارعت إلى التهييئات التشريعية وإن بشكل متعجل، لكنها فعلت كل المطلوب منها، حتى على صعيد السياسة الإقليمية؛ فتم تشذيب بعض الممارسات والقيام ببعض الإجراءات، على صعيد العلاقة مع إيران مثلا، لكن من دون أن تصل الرسائل السعودية القوية التي تلبّي الشغف الأردني بمشروعات ولي ولي العهد السعودي. ولعل التباطؤ الجاري على المسار المصري يعمّق الشعور بالإحباط لدى الجانب الأردني، بالرغم من أنه كان من الأمنيات في العهد السابق، فلم ينظر الأردنيون بعين الارتياح إلى المليارات التي دعمت بها القاهرة وهم يرزحون تحت وطأة الأزمة. التنظير وامتحان الممارسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الصناعة والتجارة والتموين العناني -من مواليد مدينة الخليل- على علاقة جيدة مع الأمير الحسن بن طلال، فقد عمل معه لفترات طويلة، خصوصا أن الأمير هو من كان يدير الملفات المحلية خلال الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الماضي، وكان يُشاع أن العناني يدخل الحكومات على كوتة الأمير. والعناني من دعاة إتمام الحقوق المنقوصة، ففي بداية عهد الملك عبدالله الثاني عندما تم استبعاد جماعة الأمير الحسن زاد نشاط العناني في المطالبة بمنح حقوق سياسية للأردنيين من أصل فلسطيني. وكتب في إحدى مقالاته ما معناه، أن الأردن لم يعطه كفلسطيني أكثر ممّا أعطى هو للأردن، وطالما تحدث العناني في الفترة ذاتها عن اختفاء ثلاثين مليار دينار عن سطح التعاملات الاقتصادية الرسمية، حديث ظل يكتنفه الغموض ولم يفصح عنه بأكثر من هذه العبارات التي تشبه شيفرات التهديد.
من الطبيعي الآن، وهو في هذا الموقع، ألاّ يعود لطرح مثل هذه القصص، فمن عادات السياسة في الأردن أن السياسي عندما يبتعد عن المناصب يصبح صوته عاليا، لكنه يخفت إلى درجة الصمت إذا عاد لدائرة المسؤولية. القصة باتت اليوم أصعب من أيّ وقت مضى، فالاقتصاد الأردني يحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة، فالمكوّنات الاجتماعية الأردنية تواءمت ضمن ما يشبه العقد الاجتماعي القسري الناتج عن احتلال فلسطين وترحيل الفلسطينيين إلى الأردن بأعداد توازي السكان الأصليين، تمّ تجنيسهم وتوجيههم إلى أعمال التجارة والنشاطات الاقتصادية الحرة، بينما تم توجيه الأردنيين إلى العمل في القطاع العام والجيش والأجهزة الأمنية. فلا الفلسطيني ظلّ فلسطينيا يتهيأ للعودة إلى بلاده، ولا هو اندمج بشكل كامل في المجتمع على حسب ما تؤهله له الجنسية من حقوق، وكذلك الأردني من أصول أردنية، لم يبق معتمدا على وسائله الإنتاجية التقليدية من فلاحة ورعي، ولا الحكومة ظلت قادرة على منح أبنائه وظائف جديدة. وخير دليل على ذلك؛ تلك المشاهد التي ترد من بلدة ذيبان (70 كم جنوب العاصمة عمّان) إذ تقدم مؤشرا على فشل السياسات والمعالجات الاقتصادية الحكومية، ففي هذه البلدة قام مجموعة من الشباب ببناء خيمة سمّوها “خيمة اعتصام المُعطّلين عن العمل”، فأدخلت الحكومة في حرج كبير من حيث طريقة المعالجة، كما أنها قد تفتح الباب لاحتجاجات مشابهة كثيرة، وتعيد الحراك الشعبي إلى الشارع مجدداً، وهو ما لا تريده الحكومة. سبل المعالجة التقليدية لم تعد ناجحة الآن، فما زالت الموازنة تشمل بند المساعدات المتوقعة، وفي ذلك مخادعة كبيرة وعلى أكثر من مستوى، داخلي وخارجي، كما أن هناك الكثير من الأرقام المهمة غير دقيقة، فكيف يمكن تصميم الحلول على أساسها؟ البطالة حسب الأرقام الرسمية 14.8 بالمئة، بينما هناك من يقول بأنها تتجاوز 25 بالمئة، والقوى العاملة المنخرطة في القطاع العام رسميا بحدود 42 بالمئة. لكن هناك مؤشرات على أنها تتجاوز 60 بالمئة. ليس أخطر من الخبراء الاقتصاديين عندما يكونون في المواقع الحساسة، فتصبح خبراتهم منحصرة في قلب الأرقام، وليس الأمر صعبا عليهم. إذ يستطيع الواحد منهم أن يتحدث لك بحديثين متناقضين عن الفكرة نفسها، وليست بعيدة قصة الخبير الاقتصادي الذي كان عندما يرضى عن الحكومة يقول إن نسبة النمو في الاقتصاد بلغت أكثر من 4 بالمئة وهذا أمر جيد، وعندما يغضب يحوّر حديثه على الفور فيقول: صحيح إن نسبة النمو 4 بالمئة، لكن النمو السكاني أيضا 4 بالمئة، فهو يبتلعها، وبالنتيجة تُصبح نسبة النمو صفرا. ضمن هذه الأجواء والخلفيات يجاهد جواد العناني الآن للسباحة مع التيارات لا عكسها، فهو في موقع يلزمه بالمجاراة وتغيير الأدوات ونبرة الخطاب، فالقصة كبيرة في مثل هذا الموقع، ولا تتعلق فقط بإبداع الأفكار الجديدة، بل بشد الهمة لحمل إرث ثقيل واستخدام الكثير من الكوابح لتجاوز منحدرات متعرجة ربما يتبعها صعود شاق. العرب اللندنية
نيسان ـ نشر في 2016/08/02 الساعة 00:00