حلب تغيّر المعادلة
نيسان ـ نشر في 2016/08/07 الساعة 00:00
أنجز الثوار السوريون، في الأيام القليلة الماضية، اختراقاتٍ نوعية في كسر الطوق العسكري الذي فرضه النظام السوري وحلفاؤه على مساحةٍ واسعةٍ من حلب، في محاولةٍ لإخضاع المدنيين والثوار، وإجبارهم على الاستسلام والمغادرة من المدينة، كما حدث في مناطق أخرى عديدة سابقاً. لكن الثوّار، بمساندةٍ استثنائيةٍ من المدنيين، صمدوا صموداً أسطورياً، وجعلوا من حلب بمثابة ستالينغراد، لكن بصورة مقلوبة، فالروس هم الغازون مع نازيي النظام السوري، بينما المعارضة المحاصرة هي التي قلبت المعادلة، وتسعى إلى جعل حلب "نقطة تحوّل"، معاكسة تماماً لما كان يريده النظام السوري والروس والإيرانيون، في ظل تواطؤ حقيقي من الغرب والولايات المتحدة معهم.
المهم في معركة حلب التي تدور حالياً أنّها كسرت التوقعات الدولية والإقليمية، وتجاوزت المعارضة ذاتها وتفوقت على نفسها، بعدما أدار لها العالم ظهر المجنّ، فأعادت خلط الأوراق الدولية والإقليمية مرّة أخرى.
الأكثر أهميةً في التغيّرات الأخيرة هو الموقف التركي، وتحديداً بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، وإرهاصات ذلك التحول التي سبقت تلك المحاولة، وارتبطت بمحاولة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فك الحصار السياسي والديبلوماسي غير المعلن الذي تتعرّض له تركيا.
لم يكن النظام السوري، بإسنادٍ روسي وإيراني مكثّف، لينجح في حصار حلب، ومحاولة إجبار المعارضة على الاستسلام هناك، لو كان الموقف التركي متماسكاً في دعمه المعارضة هناك. لكن موقف أردوغان بعد الانقلاب (كما ذكرنا في مقالة سابقة) أصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً، فالأولوية له داخلية، وهو بحاجة لإصلاح علاقته مع الروس والإيرانيين، بعدما اكتشف هشاشة علاقته بالعالم العربي من جهة، ومراوغة الولايات المتحدة وأوروبا معه من ناحية ثانية.
نظرياً التغير في الموقف التركي حاسم، بالنسبة للمعارضة، فهي الداعم الأكبر للفصائل الشمالية، وساعدت تركيا دوماً هذه الفصائل في التسلح والتنسيق والدعم، وكان للتحالف التركي- السعودي دور مهم في تأسيس جيش الفتح (قبل قرابة عامين) في ريف إدلب، الذي قلب المعادلة هناك تماماً، ووصل إلى ريف اللاذقية، وحرّر مدينة إدلب بالكامل.
لذلك، حاول النظام السوري، بدعمٍ روسي، الاستثمار في تحول الموقف التركي للسيطرة على عاصمة المعارضة، حلب، وتحقيق اختراقاتٍ كبيرةٍ في المناطق الشمالية، وتغيير موازين القوى جذرياً، مع وجود ضوء أخضر أميركي- أوروبي ضمني، بعد التحولات غير المعلنة رسمياً وديبلوماسياً، لكنها واضحة سياسياً، في مواقف المجتمع الدولي الذي لم يعد يفكّر البتة بمصير الأسد، بقدر ما ينشغل في التفكير بالتخلص من داعش، ولا يشعر بالارتياح تجاه الصبغة الإسلامية للمعارضة السورية المسلحة.
العالم أصبح أقرب إلى نظام الأسد اليوم، والشكر موصول لداعش، بالطبع، لكنه لم يكن في أي وقت مخلصاً وصادقاً مع الثورة السورية، ونذكر تماماً محطاتٍ فاصلة، كان يمكن أن تكون نهاية نظام الأسد فيها، لكن الخشية المزيفة من نظام ما بعد الأسد هي التي عطلت سقوطه أكثر من مرة.
النظام الرسمي العربي هو أيضاً أقرب اليوم من أي وقت مضى للأسد، فمصر والجزائر رسمياً معه، وموقف الإمارات والأردن أكثر تعقيداً والتباساً، ولكن بات واضحاً أن أولويتهما القضاء على داعش، من دون الاكتراث بمصير الأسد، وتبقى السعودية وقطر تحاولان التأكيد على أن المشكلة الحقيقية هي في النظام السوري، لكن دورهما تراجع أخيراً، وبدأت الخلافات بينهما وبين المجتمع الغربي بالظهور، مع محاولة اتهامهما مع تركيا بتمويل المعارضة الإسلامية.
الآن، وهنا بيت القصيد، تجد المعارضة، للمرة الأولى، نفسها مكشوفة إقليمياً ودولياً، بصورة كاملة، بلا أي سند أو مساعدة أو غطاء، ولو حتى سياسي يُذكر، لكنها على الرغم من ذلك استطاعت إغلاق جزءٍ كبير من خلافاتها وانقساماتها الأيديولوجية والعسكرية في الداخل، وتوحّدت في معركة حلب، وتمكّنت من إعطاب التوقعات الدولية الإقليمية، وإذا ما تمكّنت من إفشال المخطط الروسي السوري في حلب، فسنكون أمام معادلةٍ جديدة موضوعية، تعني استقلالية أكبر للثورة، ودحض النظريات الروسية والغربية بأنها امتداد لأجنداتٍ إقليمية، بينما الواقع أن النظام السوري نفسه تحول إلى مجرد ورقة على طاولة الروس والإيرانيين.
تبقى معادلة المنطقة الجنوبية الأكثر حساسية، نظراً لارتباطها بغرفة العمليات العسكرية العربية والأميركية والفرنسية (الموك)، لكن التغير في معادلة حلب قد يفتح شهية ثوار درعا لتفكير مماثل.
المهم في معركة حلب التي تدور حالياً أنّها كسرت التوقعات الدولية والإقليمية، وتجاوزت المعارضة ذاتها وتفوقت على نفسها، بعدما أدار لها العالم ظهر المجنّ، فأعادت خلط الأوراق الدولية والإقليمية مرّة أخرى.
الأكثر أهميةً في التغيّرات الأخيرة هو الموقف التركي، وتحديداً بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، وإرهاصات ذلك التحول التي سبقت تلك المحاولة، وارتبطت بمحاولة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فك الحصار السياسي والديبلوماسي غير المعلن الذي تتعرّض له تركيا.
لم يكن النظام السوري، بإسنادٍ روسي وإيراني مكثّف، لينجح في حصار حلب، ومحاولة إجبار المعارضة على الاستسلام هناك، لو كان الموقف التركي متماسكاً في دعمه المعارضة هناك. لكن موقف أردوغان بعد الانقلاب (كما ذكرنا في مقالة سابقة) أصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً، فالأولوية له داخلية، وهو بحاجة لإصلاح علاقته مع الروس والإيرانيين، بعدما اكتشف هشاشة علاقته بالعالم العربي من جهة، ومراوغة الولايات المتحدة وأوروبا معه من ناحية ثانية.
نظرياً التغير في الموقف التركي حاسم، بالنسبة للمعارضة، فهي الداعم الأكبر للفصائل الشمالية، وساعدت تركيا دوماً هذه الفصائل في التسلح والتنسيق والدعم، وكان للتحالف التركي- السعودي دور مهم في تأسيس جيش الفتح (قبل قرابة عامين) في ريف إدلب، الذي قلب المعادلة هناك تماماً، ووصل إلى ريف اللاذقية، وحرّر مدينة إدلب بالكامل.
لذلك، حاول النظام السوري، بدعمٍ روسي، الاستثمار في تحول الموقف التركي للسيطرة على عاصمة المعارضة، حلب، وتحقيق اختراقاتٍ كبيرةٍ في المناطق الشمالية، وتغيير موازين القوى جذرياً، مع وجود ضوء أخضر أميركي- أوروبي ضمني، بعد التحولات غير المعلنة رسمياً وديبلوماسياً، لكنها واضحة سياسياً، في مواقف المجتمع الدولي الذي لم يعد يفكّر البتة بمصير الأسد، بقدر ما ينشغل في التفكير بالتخلص من داعش، ولا يشعر بالارتياح تجاه الصبغة الإسلامية للمعارضة السورية المسلحة.
العالم أصبح أقرب إلى نظام الأسد اليوم، والشكر موصول لداعش، بالطبع، لكنه لم يكن في أي وقت مخلصاً وصادقاً مع الثورة السورية، ونذكر تماماً محطاتٍ فاصلة، كان يمكن أن تكون نهاية نظام الأسد فيها، لكن الخشية المزيفة من نظام ما بعد الأسد هي التي عطلت سقوطه أكثر من مرة.
النظام الرسمي العربي هو أيضاً أقرب اليوم من أي وقت مضى للأسد، فمصر والجزائر رسمياً معه، وموقف الإمارات والأردن أكثر تعقيداً والتباساً، ولكن بات واضحاً أن أولويتهما القضاء على داعش، من دون الاكتراث بمصير الأسد، وتبقى السعودية وقطر تحاولان التأكيد على أن المشكلة الحقيقية هي في النظام السوري، لكن دورهما تراجع أخيراً، وبدأت الخلافات بينهما وبين المجتمع الغربي بالظهور، مع محاولة اتهامهما مع تركيا بتمويل المعارضة الإسلامية.
الآن، وهنا بيت القصيد، تجد المعارضة، للمرة الأولى، نفسها مكشوفة إقليمياً ودولياً، بصورة كاملة، بلا أي سند أو مساعدة أو غطاء، ولو حتى سياسي يُذكر، لكنها على الرغم من ذلك استطاعت إغلاق جزءٍ كبير من خلافاتها وانقساماتها الأيديولوجية والعسكرية في الداخل، وتوحّدت في معركة حلب، وتمكّنت من إعطاب التوقعات الدولية الإقليمية، وإذا ما تمكّنت من إفشال المخطط الروسي السوري في حلب، فسنكون أمام معادلةٍ جديدة موضوعية، تعني استقلالية أكبر للثورة، ودحض النظريات الروسية والغربية بأنها امتداد لأجنداتٍ إقليمية، بينما الواقع أن النظام السوري نفسه تحول إلى مجرد ورقة على طاولة الروس والإيرانيين.
تبقى معادلة المنطقة الجنوبية الأكثر حساسية، نظراً لارتباطها بغرفة العمليات العسكرية العربية والأميركية والفرنسية (الموك)، لكن التغير في معادلة حلب قد يفتح شهية ثوار درعا لتفكير مماثل.
نيسان ـ نشر في 2016/08/07 الساعة 00:00