الجولاني.. من ابن أسرة غير متدينة إلى قائد جبهة متشددة
نيسان ـ نشر في 2016/08/10 الساعة 00:00
منذ يناير 2012، تاريخ ظهور أول بيان له في سوريا، كان أبومحمد الجولاني زعيم “جبهة النصرة” سابقا وجبهة “فتح الشام” حاليا، سرا من أسرار التنظيم الذي أرّق دولا وحكومات، وطوال أربع سنوات ظهرت الكثير من التخمينات حول شخصيته الحقيقية، وتحدثت أوساط استخباراتية عنه وظهرت الكثير من الفرضيات، إلى أن حسمها بظهوره العلني لتتضح بسرعة شخصيته الحقيقية.
كان سهلا على الكثيرين أن يعرفوا الرجل فور ظهور صورته على الشاشة، فالرجل معروف لدى البعض من السوريين، من بينهم معارضون للنظام وموالون له، فالجولاني عاش في دمشق كل شبابه، ويعرف الكثيرون قصصه إلى اللحظة التي قرر فيها أن يغادر سوريا نحو العراق لينضمّ إلى صفوف السلفية الجهادية.
أحمد حسين الشرع، أو ما عُرف بـ”أبومحمد الجولاني”، ابن أسرة عادية متوسطة الحال، كانت تسكن في منطقة المزة/ فيلات شرقية في العاصمة دمشق، لا يبدو عليه أي مظهر من مظاهر الاهتمام بالدين، ناهيك عن مظاهر التشدد الديني.
وقال أحد جيرانه لـ”العرب”، “والده مختص في الاقتصاد، عمل في أكثر من دولة عربية كمدرّس، ثم عاد ليعمل في سوريا في وظيفة إدارية لها علاقة بالاقتصاد، وتحديدا في مجلس الوزراء السوري، إلى أن قرر ترك القطاع العام وافتتاح متجر صغير، أسماه “ميني ماركت الشرع″ ليعمل به مع ابنيه، ويقع المحل خلف جامع الأكرم في بناء يُدعى الإدارة المحلية، وفي مرحلة لاحقة ترك المتجر لابنيه، واستقر بمكتب عقاري متواضع في الجهة الخلفية من نفس المبنى”.
وأضاف “خرج الجميع من سوريا، وأصدرت السلطات السورية قرارا بمصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، بما فيها المحال التجارية والبيوت وغيرها”.
كان المشروع صغيرا وغير ناجح تجاريا، لكنّه كان متنفسا للشاب ليقضي بعض الوقت فيه مع أصدقائه “الذين كان الدين آخر همومهم، تشدهم معاكسة الفتيات أكثر مما يشدهم أي درس ديني، ولهذا كانت هذه المجموعة من الشباب غير مستلطفة في الجوار” وفق قول أحد أصدقاء أحمد الشرع، الذي أوضح في حديثه لـ”العرب”،”كان طالبا متوسط المستوى، لم يكن لديه شيء استثنائي، ولا يتردد في التسرّب من مدرسة عمر بن عبدالعزيز الثانوية القريبة من مسكن أهله، لو أُتيح له ذلك مع رفاقه لقضاء البعض من الوقت في التسلية الشبابية العادية، وكان له العديد من الأصدقاء الذين لا علاقة لهم بالدين، ولم تكن شخصيته استثنائية ولا قيادية، وبالتأكيد لم تكن توجهاته جهادية، كان يحب الحياة ويحاول أن يستمتع بها”.
وأضاف صديقه الذي طلب عدم ذكر اسمه “لم يكن يوما يخيفنا، صحيح أنه كان طائشا مثل كل الشباب في سنّه لكنّه كان غير مؤذ، أما الآن، وبعد أن شاهدنا فيديو فك ارتباط النصرة عن تنظيم القاعدة، كان سهلا علينا تذكّره، فملامحه العامة لم تتغير، ولأننا اكتشفنا أنه نفسه الجولاني، بتنا نخاف منه حتى لو كان بعيدا عنا”.
أحمد حسين الشرع، أو “أسامة العبسي الواحدي” وفقا للبطاقة الشخصية المزورة التي كان يحملها عندما اعتقله الأميركيون في العراق واحتجزوه في سجن “بوكا” عام 2008، أو “أبومحمد الجولاني” زعيم “جبهة النصرة” ثم “جبهة فتح الشام”، ولد عام 1981 في دمشق، وعاش فيها، رغم أن أصله من ريف محافظة درعا في جنوب سوريا، حيث ترك والده البلدة البسيطة لينتقل إلى العاصمة من أجل الدراسة والعمل.
سجّل الشرع في جامعة دمشق لكنّه لم يدرس فيها، وقيل إنه بدأ يقصد حلب في شمال سوريا لحضور دروس وسماع خطب للداعية محمود غول آغاسي “أبي القعقاع″ في جامع العلاء بن الحضرمي بالصاخور بحلب، المتهم بتجنيد المجاهدين وإرسالهم إلى العراق لمهاجمة القوات الأميركية، والمتهم أيضا بالعمل لحساب أجهزة الاستخبارات السورية التي قيل إنها قامت باغتياله عام 2007 في مدينة حلب. لكن أحدا من أصدقاء أحمد الشرع لم يستطع تأكيد هذه التفاصيل.
قرر الشاب العشريني فجأة أن يلتحق بالمقاتلين الإسلاميين المغادرين إلى العراق لمقاومة الاحتلال الأميركي، وكان هذا القرار وفق أحد جيرانه “صادما لأسرته ورفاقه وجيرانه، كان قرارا شخصيا لم يستشر فيه أحدا، وحاول والده ثنيه عن الموضوع، وكان يعتقد أنها نزوة شباب وقول لن يتبعه فعل، لكن الشاب قرر ونفّذ، وغادر إلى العراق، حيث انقطعت أخباره عن أسرته لفترة بسيطة، قبل أن يعرفوا أين أصبح وماذا يفعل.
لكن من يعرف الشاب يؤكد أن مغادرته لم تكن من منطلق ديني أو جهادي، ويشددون على أنه يحب الحياة، ويؤكدون في نفس الوقت على أنه كتوم، لا يقول كل ما في باطنه، وأن ثقافته السياسية كانت أقل من عادية.
عاد الشاب من العراق بعد نحو سنتين واحتجزته الأجهزة الأمنية السورية لفترة بسيطة ثم أطلقت سراحه، ليختفي مرة ثانية من سوريا، وليظهر في ما بعد لأول مرة علنا كـ”أبومحمد الجولاني” قبل أيام.
لا أحد يعرف كيف تدرّج الشاب في العراق، من مقاتل متطوع عادي لا ديني ولا أيديولوجي ولا مُسيّس، ليصبح زعيم تنظيم يضم عشرات الآلاف من المقاتلين المنتشرين في كل أنحاء سوريا، ولا يعرف أحد كيف انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق، ولا كيف تطورت مرتبته ليصبح في الدائرة المقربة من زعيمها السابق أبومصعب الزرقاوي، ومن بعدها ليصبح من أقرب المقربين لزعيمها الحالي أيمن الظواهري وأحد مساعديه ورجاله الثقات، كما لا تُعرف علاقته تماما بـ”جند الشام” في لبنان، حيث يُقال إنه كان أحد مدربيهم والمشرفين عليهم، ولا يوجد أيضا أي معلومة تفيد بعلاقته وصلاته بالنظام السوري.
عن صحيفة العرب
نيسان ـ نشر في 2016/08/10 الساعة 00:00