التفكير خارج الصندوق أردنياً
نيسان ـ نشر في 2016/08/14 الساعة 00:00
يتغلب هاجس الإخوان المسلمين على تفكير دوائر القرار في عمّان، ويطغى على رؤيتها للانتخابات النيابية المقبلة (20 سبتمبر/ أيلول 2016)، مع وجود قائمةٍ عريضةٍ من المرشحين "الإخوان" والمتحالفين معهم، تصل إلى قرابة 100 اسم.
شكّلت جماعة الإخوان، في العقود الأخيرة، القوة المعارضة السياسية الرئيسة في البلاد، وتحوّلت العلاقة بينها وبين النظام من التعايش والتوافق إلى العداء والصراع الذي وصل، أخيراً، إلى قرار بحظر قانوني للجماعة، ومصادرة أملاكها، ما يصل إلى مرحلة "الطلاق" بينهما.
ماذا لو تجاوزنا حدود التفكير التقليدي لدوائر القرار، وحاولنا التفكير خارج الصندوق، في تحديد قوى المعارضة السياسية الحقيقية في البلاد وتعريفها، من زوايا الحجم والتنظيم والراديكالية والاعتدال، فهل فعلاً "الإخوان" هم القوة الأكثر تحدّياً للدولة حالياً، أو في المستقبل المنظور؟
القاعدة الاجتماعية للإخوان المسلمين في المدن، وعمودهم الفقري هو الطبقة الوسطى التكنوقراطية المحافظة دينياً في المدن الكبرى، ونسبياً أقل في المحافظات الأخرى، فهم أقرب إلى الاعتدال الديني والاجتماعي والسياسي نسبياً أيضاً. وقد انعكس هذا وذاك على خطابهم السياسي أيضاً، فمهما ارتفع سقفه فهو محكوم بإصلاح النظام (كما تبدّى في الربيع العربي)، وضمن قواعد اللعبة السياسية.
على الطرف الآخر، بدأ التيار "السلفي الجهادي" ينمو، بدرجة أولى، في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وفي الأحياء الشعبية، وفي المحافظات المختلفة، أي في رحم الفقراء والمحرومين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وبدأ، أخيراً، يتمدّد في الطبقة الوسطى المحافظة، وفي أوساط من المتعلمين وطلاب الجامعات.
بالطبع، "التيار الجهادي"، وخصوصاً في نسخته الداعشية اليوم، بعكس "الإخوان"، متشدّد دينياً واجتماعياً وسياسياً، وهو تيار راديكالي، ويصل الجناح الداعشي منه إلى العدمية، ولا يعترف لا بالعملية السياسية، ولا بالنظام، ولا حتى بمؤسسات الدولة، السياسية والعسكرية والدينية والتعليمية، وأصبح يضم اليوم آلاف الأتباع، وجزءٌ كبير منهم يقاتل في سورية.
وإذا تجاوزنا أحزاب المعارضة التقليدية المعروفة، مثل القوميين واليساريين، فهم محدودو القدرة في الشارع، فإنّ المعارضة الجديدة في الأردن التي بدأت تتبلور بوضوح مع الحراك الشعبي في 2011، هي القادمة من المحافظات الشرق أردنية، من أبناء الطبقة الوسطى التي تتعرّض لضغوط اقتصادية كبيرة، وهي المحافظات التي تهيمن على جزءٍ كبيرٍ من القطاع العام، وخصوصاً الجيش والأمن، والجامعات في الأطراف، وغيرها من مؤسسات الدولة، باستثناء تقريباً الصحة والتعليم.
تعكس المعارضة الجديدة- الشرق أردنية حجم التحولات الكبرى، اجتماعياً واقتصادياً، والأزمة المتدحرجة مثل كرة الثلج بين النظام والشرق أردنيين، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، والتحول الجوهري في سياسات الدولة الاقتصادية، من الريعية إلى الخصخصة.
ليست المشكلة في سياسات الدولة الاقتصادية الجديدة التي أحدثت شعوراً لدى الشرق أردنيين أنهم مكشوفون، وأنّ النظام تخلى عنهم، وتركهم بلا أي أفقٍ اقتصادي، إنما تتمحور في أبعادٍ أخطر من ذلك؛ أن هذه السياسات لم تتزامن وتترافق مع محاولة إيجاد بدائل وأسواق عمل في المحافظات، ولا يوجد قطاع خاص فاعل في أغلبها، وهنالك شريحة اجتماعية واسعة غير قادرة اليوم على التكيف مع الشروط الاقتصادية الجديدة.
فضلاً عن ذلك، اعترت التحولات الجديدة شكوك كبيرة في الشفافية والحاكمية الرشيدة، وتلبستها ظنون الفساد، مع الشعور بغياب العدالة الاجتماعية والمساءلة، ونتجت عن ذلك قناعة، انفجرت في وجه رموز النظام مع الربيع العربي، بأن ثروات الأردن سرقت، والمال العام نُهب.
تراجع الحراك الشعبي، على وقع ما يحدث في سورية والعراق، وتغلب الخوف على مشاعر الاحتقان، لكن رهان النظام على ذلك لم يستمر طويلاً، خصوصاً مع عودة الأزمة الاقتصادية إلى الانفجار وانغلاق الأفق الاقتصادي، والارتفاع الكبير في معدلات الفقر والبطالة، حتى وصلت أرقام إلى تقدير نسبة البطالة بين الشباب إلى 42 بالمائة.
التيار الذي مثّل، في العقود الماضية، رصيداً استراتيجياً لشعبية النظام، هو نفسه الذي يتململ اليوم، ويشعر بالقلق أكثر، ويفرز الحراك الشعبي والخطاب الراديكالي الذي تجلى في أحداث ذيبان قبل أشهر، عندما تجاوز العاطلون عن العمل هناك كل السقوف السياسية، وداسوا على الخطوط الحمراء، من دون أن يرفّ لهم جفن.
شكّلت جماعة الإخوان، في العقود الأخيرة، القوة المعارضة السياسية الرئيسة في البلاد، وتحوّلت العلاقة بينها وبين النظام من التعايش والتوافق إلى العداء والصراع الذي وصل، أخيراً، إلى قرار بحظر قانوني للجماعة، ومصادرة أملاكها، ما يصل إلى مرحلة "الطلاق" بينهما.
ماذا لو تجاوزنا حدود التفكير التقليدي لدوائر القرار، وحاولنا التفكير خارج الصندوق، في تحديد قوى المعارضة السياسية الحقيقية في البلاد وتعريفها، من زوايا الحجم والتنظيم والراديكالية والاعتدال، فهل فعلاً "الإخوان" هم القوة الأكثر تحدّياً للدولة حالياً، أو في المستقبل المنظور؟
القاعدة الاجتماعية للإخوان المسلمين في المدن، وعمودهم الفقري هو الطبقة الوسطى التكنوقراطية المحافظة دينياً في المدن الكبرى، ونسبياً أقل في المحافظات الأخرى، فهم أقرب إلى الاعتدال الديني والاجتماعي والسياسي نسبياً أيضاً. وقد انعكس هذا وذاك على خطابهم السياسي أيضاً، فمهما ارتفع سقفه فهو محكوم بإصلاح النظام (كما تبدّى في الربيع العربي)، وضمن قواعد اللعبة السياسية.
على الطرف الآخر، بدأ التيار "السلفي الجهادي" ينمو، بدرجة أولى، في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وفي الأحياء الشعبية، وفي المحافظات المختلفة، أي في رحم الفقراء والمحرومين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وبدأ، أخيراً، يتمدّد في الطبقة الوسطى المحافظة، وفي أوساط من المتعلمين وطلاب الجامعات.
بالطبع، "التيار الجهادي"، وخصوصاً في نسخته الداعشية اليوم، بعكس "الإخوان"، متشدّد دينياً واجتماعياً وسياسياً، وهو تيار راديكالي، ويصل الجناح الداعشي منه إلى العدمية، ولا يعترف لا بالعملية السياسية، ولا بالنظام، ولا حتى بمؤسسات الدولة، السياسية والعسكرية والدينية والتعليمية، وأصبح يضم اليوم آلاف الأتباع، وجزءٌ كبير منهم يقاتل في سورية.
وإذا تجاوزنا أحزاب المعارضة التقليدية المعروفة، مثل القوميين واليساريين، فهم محدودو القدرة في الشارع، فإنّ المعارضة الجديدة في الأردن التي بدأت تتبلور بوضوح مع الحراك الشعبي في 2011، هي القادمة من المحافظات الشرق أردنية، من أبناء الطبقة الوسطى التي تتعرّض لضغوط اقتصادية كبيرة، وهي المحافظات التي تهيمن على جزءٍ كبيرٍ من القطاع العام، وخصوصاً الجيش والأمن، والجامعات في الأطراف، وغيرها من مؤسسات الدولة، باستثناء تقريباً الصحة والتعليم.
تعكس المعارضة الجديدة- الشرق أردنية حجم التحولات الكبرى، اجتماعياً واقتصادياً، والأزمة المتدحرجة مثل كرة الثلج بين النظام والشرق أردنيين، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، والتحول الجوهري في سياسات الدولة الاقتصادية، من الريعية إلى الخصخصة.
ليست المشكلة في سياسات الدولة الاقتصادية الجديدة التي أحدثت شعوراً لدى الشرق أردنيين أنهم مكشوفون، وأنّ النظام تخلى عنهم، وتركهم بلا أي أفقٍ اقتصادي، إنما تتمحور في أبعادٍ أخطر من ذلك؛ أن هذه السياسات لم تتزامن وتترافق مع محاولة إيجاد بدائل وأسواق عمل في المحافظات، ولا يوجد قطاع خاص فاعل في أغلبها، وهنالك شريحة اجتماعية واسعة غير قادرة اليوم على التكيف مع الشروط الاقتصادية الجديدة.
فضلاً عن ذلك، اعترت التحولات الجديدة شكوك كبيرة في الشفافية والحاكمية الرشيدة، وتلبستها ظنون الفساد، مع الشعور بغياب العدالة الاجتماعية والمساءلة، ونتجت عن ذلك قناعة، انفجرت في وجه رموز النظام مع الربيع العربي، بأن ثروات الأردن سرقت، والمال العام نُهب.
تراجع الحراك الشعبي، على وقع ما يحدث في سورية والعراق، وتغلب الخوف على مشاعر الاحتقان، لكن رهان النظام على ذلك لم يستمر طويلاً، خصوصاً مع عودة الأزمة الاقتصادية إلى الانفجار وانغلاق الأفق الاقتصادي، والارتفاع الكبير في معدلات الفقر والبطالة، حتى وصلت أرقام إلى تقدير نسبة البطالة بين الشباب إلى 42 بالمائة.
التيار الذي مثّل، في العقود الماضية، رصيداً استراتيجياً لشعبية النظام، هو نفسه الذي يتململ اليوم، ويشعر بالقلق أكثر، ويفرز الحراك الشعبي والخطاب الراديكالي الذي تجلى في أحداث ذيبان قبل أشهر، عندما تجاوز العاطلون عن العمل هناك كل السقوف السياسية، وداسوا على الخطوط الحمراء، من دون أن يرفّ لهم جفن.
نيسان ـ نشر في 2016/08/14 الساعة 00:00