الجنرال يهاتف الفيضان
نيسان ـ نشر في 2016/08/22 الساعة 00:00
خذها قاعدة، عندما يعيدون فتح الأستوديوهات أمام مرتضى منصور، ويستعيدون معركة تكفير المدعو سيد القمني، وتخرج تظاهرات نحيفة وهزيلة في أشهر ميادين الثورة في الإسكندرية، ترفع صور الزعيم الذي يرفل في نعيم الفشل، ويرتدي مصطفى بكري وفرقته الفاشية دروع الحرب.. عندما ترى ذلك كله، اعلم أن الجنرال في متاهة الإحساس بالخطر، وأنه يشعر بأنه لم يعد هناك ما يكفي من أوراقٍ تكفي لتغطية عورات البلادة والفشل والانهيار.
يستدعون مرتضى منصور مجدّداً لصناعة معارك دون كيشوتية، فوق شاشات التلفزيون، تحتوي على التوليفة الحرّاقة ذاتها من الملهيات، أهلي وزمالك، وسباب علني لأمهات المعارضين وآبائهم. وفي النهاية، يعلن أن "السيسي معاه ظهير رباني"، في مواجهة الأعداء "أمريكا بنفوذها وقطر بفلوسها وتركيا بإعلامها".
يصف رئيس نادي الزمالك عبد الفتاح السيسي بأنه "أكتر رئيس متبهدل"، وبعدها مباشرة تظهر صورة تظاهرات مواطني السيسي الشرفاء في الإسكندرية، تهتف "احنا معاك هناكلها بملح".
يعلم القاصي والداني أن التظاهر صار مجرّماً في مصر، ولا يستطيع أحد أن يرفع لافتةً أو يطلق هتافاً من أي نوع، وفي أي مكان، من دون أن يكون مصيره الحبس، وبالتالي، لا يمكن النظر إلى هذه التظاهرات الكوميدية إلا باعتبارها فخر صناعة أجهزة النظام الذي يطلق حنجرته الزاعقة، مصطفى بكري، ليحذر "اللي هيخرج ضد غلاء الأسعار مفيش عودة مفيش دولة فيه دبح".
تبلغ حالة الهذيان القومي ذروتها مع باحث استراتيجي رصين، ونقيب سابق للصحافيين، حين يطل بوجهه الانقلابي الصريح على الشاشة، واضعاً السيسي مع مؤسس نهضة مصر، محمد علي باشا، في خانة واحدة، يقول ضياء رشوان "تجربة محمد علي مؤسس مصر تخيم على تجربة الرئيس السيسي، وليس تجربة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وذلك من خلال فكرة التغيير الجغرافي لمصر، وإعادة رسم البنية التحتية لمصر، وفي قلبها الجيش، على غرار ما كان موجوداً في عصر محمد علي".
الفارق بين التجربتين، من وجهة نظر باحث الأهرام الاستراتيجي، أن الجمهور اختلف، وقبل أن تضع ما تشاء من علامات التعجب والاستفهام أمام هذا القول الشنيع، تضحكك صحيفة سيساوية بخبرٍ عن مكالمة هاتفية من الجنرال، اطمئناناً على فيضان النيل، لتتذكّر على الفور تلك الصورة الكاريكاتورية التي رسمها عبد الرحمن الأبنودي للسادات، في أوج شعوره بالعظمة والخيلاء، حين كتب في "الجزر والمد" قصيدته الشهيرة:
وازرع شجرة تطلع فى الكاميرا/ وقبل ما تمشى .. تموت/ واتصور ماسك بيضة/ أو بتبوس بقرة/ أو تصطاد حوت.
الجنرال الذي يهاتف الفيضان، ويعبئ الأوهام في علب الأحلام، يدرك أن رصيده من القدرة على بيع الأكاذيب القومية الزاهية الألوان، قد نفد، ويستشعر عتاة الحاشية اتساعاً مضطرداً في رقعة التململ الشعبي من إجراءات اقتصاديةٍ، لا تقل في بشاعتها وجنونها عن الانتهاكات الأمنية التي تزهق الأرواح، وتنحر الحريات العامة والخاصة، فكان إعلان التعبئة العامة في جيوشه الإعلامية، لخوض الحرب الاستباقية ضد دعواتٍ لتحركاتٍ شعبية، ترفض إلهاب ظهور البسطاء بسياط القرارات الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة، في محاولةٍ بائسةٍ لإنقاذ النظام من التصدع.
يعرف هؤلاء الأوغاد، من البدائل العكاشية، الأقل تأثيراً ونجاعة، أن ردود فعل شعبية بسيطة، مثل دعوات الامتناع عن سداد فواتير استهلاك الكهرباء، ووقوع احتكاكاتٍ مميتة بين مواطنين، ومحصلي الفواتير، هي مستصغر الشرر الذي ينبئ بحريقٍ اجتماعي هائل، لا يبقي ولا يذر، ولأنهم اكتشفوا أن جرعات الخرافة والدجل فقدت صلاحيتها للسيطرة على الغضب المتنامي، لم يبق أمامهم سوى تكثيف جرعات الإرهاب والترهيب، والتخويف والتهديد بالموت، لكل من تسول له نفسه الاحتجاج والعصيان. وفي أجواء مثل هذه، ليس من المستبعد أن يعيدوا توفيق عكاشة إلى الخدمة، في ظل العجز الواضح في أداء العكاشيات المقلدة.
يؤرقهم هاجس الانتفاضة الشعبية ضد السادات في يناير/ كانون الثاني 1977، ويتوهمون أنهم الأكثر دهاءً من التاريخ، ويصور لهم شيطان بلادتهم أنهم قادرون على إقامة السدود بمواجهة فيضان نهر الغضب، على الرغم من أن حكايات التاريخ تهتف بسخريةٍ من كل الطغاة الفشلة "كان غيركم أشطر".
يستدعون مرتضى منصور مجدّداً لصناعة معارك دون كيشوتية، فوق شاشات التلفزيون، تحتوي على التوليفة الحرّاقة ذاتها من الملهيات، أهلي وزمالك، وسباب علني لأمهات المعارضين وآبائهم. وفي النهاية، يعلن أن "السيسي معاه ظهير رباني"، في مواجهة الأعداء "أمريكا بنفوذها وقطر بفلوسها وتركيا بإعلامها".
يصف رئيس نادي الزمالك عبد الفتاح السيسي بأنه "أكتر رئيس متبهدل"، وبعدها مباشرة تظهر صورة تظاهرات مواطني السيسي الشرفاء في الإسكندرية، تهتف "احنا معاك هناكلها بملح".
يعلم القاصي والداني أن التظاهر صار مجرّماً في مصر، ولا يستطيع أحد أن يرفع لافتةً أو يطلق هتافاً من أي نوع، وفي أي مكان، من دون أن يكون مصيره الحبس، وبالتالي، لا يمكن النظر إلى هذه التظاهرات الكوميدية إلا باعتبارها فخر صناعة أجهزة النظام الذي يطلق حنجرته الزاعقة، مصطفى بكري، ليحذر "اللي هيخرج ضد غلاء الأسعار مفيش عودة مفيش دولة فيه دبح".
تبلغ حالة الهذيان القومي ذروتها مع باحث استراتيجي رصين، ونقيب سابق للصحافيين، حين يطل بوجهه الانقلابي الصريح على الشاشة، واضعاً السيسي مع مؤسس نهضة مصر، محمد علي باشا، في خانة واحدة، يقول ضياء رشوان "تجربة محمد علي مؤسس مصر تخيم على تجربة الرئيس السيسي، وليس تجربة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وذلك من خلال فكرة التغيير الجغرافي لمصر، وإعادة رسم البنية التحتية لمصر، وفي قلبها الجيش، على غرار ما كان موجوداً في عصر محمد علي".
الفارق بين التجربتين، من وجهة نظر باحث الأهرام الاستراتيجي، أن الجمهور اختلف، وقبل أن تضع ما تشاء من علامات التعجب والاستفهام أمام هذا القول الشنيع، تضحكك صحيفة سيساوية بخبرٍ عن مكالمة هاتفية من الجنرال، اطمئناناً على فيضان النيل، لتتذكّر على الفور تلك الصورة الكاريكاتورية التي رسمها عبد الرحمن الأبنودي للسادات، في أوج شعوره بالعظمة والخيلاء، حين كتب في "الجزر والمد" قصيدته الشهيرة:
وازرع شجرة تطلع فى الكاميرا/ وقبل ما تمشى .. تموت/ واتصور ماسك بيضة/ أو بتبوس بقرة/ أو تصطاد حوت.
الجنرال الذي يهاتف الفيضان، ويعبئ الأوهام في علب الأحلام، يدرك أن رصيده من القدرة على بيع الأكاذيب القومية الزاهية الألوان، قد نفد، ويستشعر عتاة الحاشية اتساعاً مضطرداً في رقعة التململ الشعبي من إجراءات اقتصاديةٍ، لا تقل في بشاعتها وجنونها عن الانتهاكات الأمنية التي تزهق الأرواح، وتنحر الحريات العامة والخاصة، فكان إعلان التعبئة العامة في جيوشه الإعلامية، لخوض الحرب الاستباقية ضد دعواتٍ لتحركاتٍ شعبية، ترفض إلهاب ظهور البسطاء بسياط القرارات الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة، في محاولةٍ بائسةٍ لإنقاذ النظام من التصدع.
يعرف هؤلاء الأوغاد، من البدائل العكاشية، الأقل تأثيراً ونجاعة، أن ردود فعل شعبية بسيطة، مثل دعوات الامتناع عن سداد فواتير استهلاك الكهرباء، ووقوع احتكاكاتٍ مميتة بين مواطنين، ومحصلي الفواتير، هي مستصغر الشرر الذي ينبئ بحريقٍ اجتماعي هائل، لا يبقي ولا يذر، ولأنهم اكتشفوا أن جرعات الخرافة والدجل فقدت صلاحيتها للسيطرة على الغضب المتنامي، لم يبق أمامهم سوى تكثيف جرعات الإرهاب والترهيب، والتخويف والتهديد بالموت، لكل من تسول له نفسه الاحتجاج والعصيان. وفي أجواء مثل هذه، ليس من المستبعد أن يعيدوا توفيق عكاشة إلى الخدمة، في ظل العجز الواضح في أداء العكاشيات المقلدة.
يؤرقهم هاجس الانتفاضة الشعبية ضد السادات في يناير/ كانون الثاني 1977، ويتوهمون أنهم الأكثر دهاءً من التاريخ، ويصور لهم شيطان بلادتهم أنهم قادرون على إقامة السدود بمواجهة فيضان نهر الغضب، على الرغم من أن حكايات التاريخ تهتف بسخريةٍ من كل الطغاة الفشلة "كان غيركم أشطر".
نيسان ـ نشر في 2016/08/22 الساعة 00:00