الكذب الشامل
نيسان ـ نشر في 2016/08/23 الساعة 00:00
كان أديب فرنسا، أندريه جيد، يقول إنه لا شيء يدمر الفرد، أو الجماعة، مثل آفة الكذب: أن تخدع نفسك، وأن تخدع الآخرين، يعني أن تدمر عقلك. أُرغَم ريتشارد نيكسون على الاستقالة، ليس لأنه أمر بالتجسس على مقر الحزب الديمقراطي، بل لأنه كذب عندما نفى ذلك.
والآن تقول لنا لجان حكومية رسمية إن جورج دبليو بوش قد كذب، وتوني بلير قد كذب، وإن ديك تشيني والزمرة المحيطة بجورج بوش دبروا الكذبة النووية في العراق، من أجل تبرير حرب أدت إلى تدمير المنطقة.
لم توجه لجنة التحقيق البريطانية التهمة إلى بلير بحيث يُحال إلى المحاكمة. لكن ليس من العدل أن يُحال المسؤولون عن الإبادات في العالم الثالث إلى القضاء الدولي، ويُعفى من ذلك المسؤولون الغربيون عن إبادات مماثلة. ثم إن جورج بوش خاض حرب تدمير العراق حتى من دون غطاء أممي. وربما لم يكن في إمكان بريطانيا بلير التنصل من المشاركة مع حليفتها الأولى، لكن جاك شيراك اتخذ موقفًا بالغ الشجاعة الأدبية عندما قال إن الحرب على العراق «سوف تفتح أبواب الجحيم».
وقد دفعت فرنسا غاليًا ثمن معارضتها الحرب، لكنها دخلت التاريخ على أنها رفضت الخضوع للابتزاز المالي والسياسي الذي قادته زمرة الاحتلال في البيت الأبيض، التي لم تستطع حتى العثور على كذبة قابلة للتصديق. المغرور والضعيف يقودان إلى الخراب التاريخي. الأول، لأنه لا يعي ما يسمع، والثاني، لأنه يقبل كل ما يسمع.
وجورج دبليو بوش كان رجلاً محدود الاطلاع، قليل الثقافة، لم يُشهد له أي معدل من معدلات الذكاء المقبولة. وقد انقسم حوله الأميركيون في الدورة الأولى، ولم يفز إلا بقرار قضائي غامض. لقد خسر كمرشح جميع الامتحانات العامة أمام الجمهور. لكن أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 قلبت كل شيء لحسابه.
وبدل أن يفتش عن «القاعدة» في باكستان، قرر أن يطاردها في بغداد. لا يزال العراق يدفع ثمن المضاعفات، وكذلك أميركا. يومها قال لي سياسي عربي إن ثمة خطة دولية لاستدراج الإرهابيين إلى العراق من أجل ضربهم هناك!
وكان جوابي أن الإرهاب ليس جيًشا منظًما تدعوه إلى المنازلة على جبهة واضحة ومحددة. وقلت له إن جاك شيراك لم يكن يستخدم جملة إنشائية عندما تحدث عن «أبواب الجحيم»، بل كان يؤكد الفارق في المستوى المعرفي بينه وبين ذلك المصّر على فَتحها.
نيسان ـ نشر في 2016/08/23 الساعة 00:00