لماذا لا يغني صابر الرباعي في غزة؟

وائل قنديل
نيسان ـ نشر في 2016/08/24 الساعة 00:00
ثلاثة أيام على القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، هي، بلا شك، ثلاثة أيام من المرح والسعادة للسيد أحمد أبو الغيط، أمين عام ما تسمى "جامعة الدول العربية"، إذ يغط الرجل في نوم عميق، راضياً بالإنجاز الصهيوني الجديد، مثله مثل رأس الدبلوماسية المصرية، سامح شكري، الذي يحاول، ببياناتٍ فارغة على موقع وزارته، تغطية فضيحة تصريحه المثير عن عدم إمكانية وصف الإجراءات الإسرائيلية بالإرهاب، من دون تحقيق دولي. القاهرة، نظاماً ومقراً للجامعة، باتت تنتظر الموقف الدولي من العربدة الإسرائيلية، حتى تستطيع التعبير عن موقفها، فإن صفّق المجتمع الدولي لجرائم إسرائيل صفقت، وإنْ لم تصفق الأسرة الدولية، ضاعفت القاهرة من التصفيق، لسد العجز في كميات الدعم للعدوان الصهيوني. لم تكن مصادفةً أن يستدعي عبد الفتاح السيسي رؤساء تحريره، ليقول كلاما ناعما عن القضية الفلسطينية، بعد استقبال مصر وفداً إسرائيلياً، أعقبه القصف الهمجي على غزة. بات مكرّراً وممجوجاً الكلام عن التطابق الكامل بين قاهرة السيسي وتل أبيب، في المواقف من القضية الفلسطينية، غير أن الجديد، هذه المرة، هو الكشف عن فضيحة تعذيب المقاومين الفلسطينيين في سجون السيسي، بعد خطفهم، عن طريق أجهزته الأمنية، وإخفائهم، مع الإنكار الكامل لوجودهم في مصر. هنا أنت بصدد تحول نظام حكم في أكبر دولة عربية إلى فرع للشاباك الصهيوني، يتولى تنفيذ عملياته القذرة، من دون أن يستشعر خجلاً، وكأنه على يقين بأن أحداً لن يحاسبه، بل ستنهال عليه المكافآت. المؤسف أن العرب باتوا يعتبرون ضرب غزة وقصفها شأناً إسرائيلياً خالصاً، لا يجوز التدخل فيه أو التعليق عليه، بل إن المواقف الشعبية، وردود أفعال النخب السياسية والثقافية، دخلت مرحلة التجمد، فما من بيان من تجمع ثقافي أو اتحاد للأدباء أو نقابات، يقول كلمة ضد تجدد العدوان. تقصف غزة، فيذهب المغني صابر الرباعي للغناء بعيداً في أراضي 48 ومناطق السلطة الفلسطينية التي لا تقل سعادة بقصف مواقع المقاومة عن أحمد أبو الغيط وجامعته وقاهرته، وتشتعل مواقع التواصل بصورته مبتسماً بسعادة غامرة مع ضابط صهيوني، يستطيع الأعمى أن يرى علم الاحتلال الأزرق على كتفه. وعلى الرغم من ذلك، يثرثر المطرب التونسي بأن الضابط من أصل درزي، ولم يكن يعلم أنه إسرائيلي. هي السفسطة نفسها التي يلهو بها المطبعون في كل العصور، عن الغناء لفلسطين، عبر البوابة الإسرائيلية وبموافقتها ومباركتها، وكأن الغناء لفلسطين حرام في غزة، حلال في مناطق السلطة التي ترضى عنها إسرائيل. يعلم صابر الرباعي، وأي مطرب أو مثقف عربي آخر، أن العنوان الرسمي والوحيد للتصدّي للمشروع الصهيوني بات في قطاع غزة، ويعرفون أن الشعب المخنوق بالحصار في غزة محبٌّ للفن وللثقافة أيضاً. وعلى ذلك، من أراد دعم النضال الفلسطيني، حقاً، يمكنه أن يتجشم عناء الذهاب إلى غزة، من البوابة المصرية، حيث لا أختام زرقاء، ولا ضباط صهاينة يلتقطون صور العار التذكارية، ويروّجونها عبر الفضاء الإلكتروني. غير أن أحداً من هؤلاء النجوم لم يفعلها، ويذهب إلى معبر رفح، ويناضل من أجل المرور إلى الشعب المحاصر، لأنهم، ببساطة، لا يريدون إحراجاً لسلطات عبد الفتاح السيسي التي تحكم الخناق على القطاع، أو لأنهم باتوا جزءاً من حالة تطبيعية كاملة، يدركون أنها الطريق إلى الجوائز العالمية والمحلية. كان يمكن لصابر الرباعي أن يسعى إلى الوصول إلى غزة، للغناء لصمودها، والمؤكّد أن محاولته كانت ستتكسر على صخرة الموقف الرسمي المصري، غير أن عدم الذهاب، أحياناً، يكون أنبل وأشرف من الوصول السهل والسريع، عبر الطرق الملوثة، فأن تسعى إلى كسر الحصار المفروض على غزة عن طريق مصر، وتفشل، فهذا هو النجاح الأخلاقي، وبامتياز. أما الوصول إلى عمق مناطق السلطة، بالإذن الإسرائيلي، فهذا والسقوط واحد، خصوصاً عندما تتزامن رحلتك الميسرة مع عودة المقاتلات الصهيونية المعتدية من نزهتها الهمجية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
    نيسان ـ نشر في 2016/08/24 الساعة 00:00