عندما ينكشف الخداع في صفقة النووي

عبد الوهاب بدرخان
نيسان ـ نشر في 2016/09/06 الساعة 00:00
ما يتأكد أكثر فأكثر بشأن الاتفاق النووي، بعد عام على توقيعه، أنه لا يؤيّد توقعات واشنطن عن انعكاساته الإيجابية على منطقتي الخليج والشرق الأوسط، بل يثبت الشكوك بأنه انطوى على جوانب سرّية تكشّفت مع الوقت، سواء في بنود صيغت بغموض يسمح لإيران بالتحايل في التطبيق أو بتفاهمات جانبية تتيح لها مرونة في التصرّف. ويمكن إجمال الحصيلة كالآتي: مقابل تجميد مشروع «القنبلة» لفترة زمنية، نالت إيران اعترافاً ببرنامج نووي تستطيع الاستمرار في تطويره، تحت عنوان «الأغراض السلمية»، استعداداً لانتهاء مهلة الحظر أو لاختصارها. ومقابل الاتفاق (وقّع في 14/07/2015) تكرّس قبول دولي عمليّ بإيران كدولة غير عادية، وهو ما حوّلته طهران قبولاً بنظامها وسياساتها وممارساتها ضد مواطنيها وضد شعوب عربية عدّة. في الأوّل من سبتمبر الحالي أعلن رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية أن بلاده ستباشر في العاشر من هذا الشهر بناء مفاعلين نوويين جديدين في بوشهر بمساعدة روسيا. ولا يبدو أن ثمة ما يمنع ذلك وفقاً لمحدّدات الاتفاق النووي، لكن تنشيط بناء المفاعلات يشير إلى مواصلة الاستثمار في البرنامج وبالتالي التهديد به. وفي اليوم نفسه كشف تقرير لمعهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن أن الولايات المتحدة وشركاءها في التفاوض اتفقوا «سراً» على «إعفاءات» تسمح لإيران بالالتفاف على بعض قيود الاتفاق النووي كي يتمكّنوا من البدء بتخفيف العقوبات الاقتصادية عنها في الموعد المحدّد. وعدّد هذا التقرير أربع ثغرات تسرّبت منها التسهيلات لإيران، خصوصاً في ما يتعلّق بكمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي يمكنها الاحتفاظ بها ثم تحويلها إلى يورانيوم عالي التخصيب يُستخدم في صنع الأسلحة. الجديد إذن أن الدول خضعت للخداع والابتزاز الإيرانيين إنقاذاً للاتفاق. فالتقرير استند إلى تسريبات مسؤولين في حكومات شاركت في المفاوضات، وقد تكون أوروبية ولم توافق في حينه على النصوص لكنها لم تشأ أن تعرقل الاتفاق. لكنه استند أيضاً إلى «وثائق سرية» أُرسلت إلى الكونغرس، ويقول إن «الإعفاءات تحدث سراً وتحابي إيران» إلا أن الإدارة الأميركية تصرّ على أن الدول الست لم تتفق على أي ترتيبات سرّية، وفي الوقت نفسه ينفي أعضاء في الكونغرس تلقّيهم أي إبلاغٍ عن أي «إعفاءات». هذه التناقضات تدلّ على أمر يراد إخفاؤه أو التهوين منه. والواقع أنه منذ التوقيع على الاتفاق لم يتوقف الحديث عن بنود سرّية، وكانت دول مشاركة في التفاوض مصدرا لهذا التشكيك الذي ما لبث أن هدأ على وقع لقاءات وزيارات من أجل صفقات مع إيران، بل اختفى إعلامياً ليعود الآن مدفوعاً بأمرين: أولهما أن تلك الصفقات لم تتقدّم بسبب استمرار قيود الكونغرس التي لم تستطع إدارة أوباما تخفيفها. والآخر أن الاتفاق النووي بات أحد أسلحة التنافس في الانتخابات الأميركية، فالمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون تريد المضي في هذا الاتفاق، أما المرشح الجمهوري دونالد ترامب فيحمّلها مسؤولية التنازلات الكبيرة لإيران منذ كانت وزيرة للخارجية. والمؤكد الآن، بعد مضي عام، أنه ليس للاتفاق النووي أي مفعول ردعي، وأن البند الذي يشير إلى معاودة فرض العقوبات في حال مخالفة أحكامه، صعب التطبيق بسبب تغيّر الظروف الدولية. ولعل الدليل الأبرز على ذلك التحدّي الذي مارسته إيران في اختباراتها المتكررة للصواريخ الباليستية، منذ أكتوبر الماضي، والجدل الذي أثارته. فالدول الغربية الأربع (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) أوضحت في مذكّرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أن اختبارات الصواريخ هذه «غير منسجمة» مع الاتفاق، ولوّحت بالعودة إلى مجلس الأمن، إلا أن تصريحاً روسياً مقتضباً كان كافياً لتعطيل أي تحرّك، بل إن واشنطن تبنّت موقف موسكو الذي لم يرَ في الصواريخ أي انتهاك للاتفاق. لكن الأهم أن ثمة اقتناعاً يتكوّن لدى عدد متزايد من المراقبين المتخصّصين بأن إيران استأنفت العمل لتطوير برنامجها النووي وتحاول استغلال الانفتاح الغربي عليها للحصول على تقنيات نووية محظورة بكميّات كبيرة. هذا ما استنتجته الاستخبارات الألمانية من اتصالات طهران ببعض الشركات، رغم أن التزامها الأول في الاتفاق هو أن توقف برنامجها عند حدوده «السلمية». هناك مَن يعزو هذا النشاط إلى كون العقوبات لم تُرفع على النحو الذي تمنّته إيران، وإلى أن الأموال الموعودة لم تصل بعد، غير أن العامل الحاسم يبقى أن الاتفاق لم يغيّر عقلها السياسي بل إنها استخدمته لتحصين مشاريع نفوذها وسط صمت أميركي وروسي.
    نيسان ـ نشر في 2016/09/06 الساعة 00:00