كامرون المتشرد

نيسان ـ نشر في 2016/09/11 الساعة 00:00
كتب محمد قبيلات... نقل موقع قناة العربية- قبل اسبوع- عن صحيفة الديلي ميل البريطانية صورة نَشَرَتها لرئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، يجلس فيها على حائط هابط، حافي القدمين.
ظهر رئيس وزراء بريطانيا الذي استقال من منصبه بعد نجاح الاستفتاء على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، إلى جانب سيدة، لم تظهر ملامح وجهها لكن يُعتقد أنها زوجته، ويمسك بيده طبقا لوجبة سريعة.
لا أعلم لماذا تذكرت درسا من دروس علم النفس التطوري؛ موضوعه أن الطفل عند بلوغه سن الخامسة يرى الصور مقلوبة، وربطتُ بعض القراءات لصورة كاميرون واستنتاجاتها بهذه المرحلة العمرية التي تناسب في التدرج الطبيعي لنمو المهارات: التمهيدي.
دلَّت على ذلك قراءات الصورة التي ليس من تفسير لاستنتاجاتها المغلوطة غير أن الناظرين للصورة رأوها مقلوبة على نحو ما.
لا يستوعب بعضنا أن المسؤول في المجتمعات الديمقراطية مجرد إنسان عادي، وربما كان أقل من ذلك، وأنه مجرد موظف يؤدي دوره وتنتهي خدمته في القطاع العام، ويتقاعد ويمارس حياته كما يفعل أي مواطن.
ما زلنا في مرحلة يتم فيها إضفاء هالة من القداسة على أصحاب السلطة، ولا نعاملهم معاملة البشر، ما ضخّم لديهم الشعور بالعظمة، حتى صاروا يطلبون منا المزيد من الطاعة والولاء والتقديس.
الذي غاب عن بال القراء المتعجلين للصورة، ان صاحبها ابن لعائلة ثرية قبل أن يكون قياديا في حزب العمال ورئيسا للوزراء، وأنه واجه فضيحة نشرتها الصحف الانجليزية، أثناء توليه مقعد رئاسة الوزراء، عن اشتراكه في حفل صاخب، مع أصدقاء له أيام شبابه المبكر، وكانوا يتنافسون فيما بينهم مَنْ منهم يحرق (ويحرق بالفعل) أكبر مبلغ من الجنيهات.
المعنى وباختصار؛ الرجل لم يتشرد، بل إنه الآن يمارس حياته الطبيعية من دون حرس أو مرافقين.
وبخصوص عدم اكتراث الناس الجالسين من حوله كما تُظهر الصورة، هذا الأمر يتعلق بالثقافة الجمعية، واحترام الخصوصية، ومن جانب آخر له علاقة بالسلوك الطبيعي للشخصية الانجليزية غير المسكونة بهواجس قداسة السلطوي.
فبرغم الهالة التي يُضفيها المجتمع الانجليزي على العائلة المالكة، إلا أن ذلك لا يعني الولاء بمفهومه وصورته المُعممة في الأنظمة المتخلفة، فهناك تستطيع أصغر صحيفة، من حيث عدد القراء، أن تنشر صور وفضائح الأمراء، بل إن صحافيا "تشعبط" على أسوار قصر باكنجهام وعدَّ المصابيح المضاءة في القصر، وطالب بأن تلتزم الملكة بما تفرضه الحكومة من سياسات تقشفية.
لا بد من الاعتراف بأن غياب مبادئ الديمقراطية في الساحة العربية إلى جانب اختفاء الشفافية وتداول السلطة، أفرز "هالة" من القداسة ظلت رفيقة للمسؤول، بغض النظر عن إنجازاته الوطنية، المهم أنه مسؤول.
    نيسان ـ نشر في 2016/09/11 الساعة 00:00