اغتيال ناهض حتر: يوم حزين ولحظة فارقة في تاريخ الأردن
نيسان ـ نشر في 2016/09/26 الساعة 00:00
اغتيال الكاتب السياسي ناهض حتر على بوابة قصر العدل في عمّان جريمة مروّعة، إضافة إلى أنها سابقة خطيرة في تاريخ الأردن. إذ إنه لم يحصل أن تم غتيال صحافي أو سياسي، مهما كان إشكالياً، في وضح النهار وتحت أنظار رجال الشرطة. أي أن الجاني لم يأبه باعتقاله أو سجنه، ما يدلّ على قناعة راسخة أو مضَللة، وإن كانت النتيجة واحدة.
الأخطر هو الترحيب بالعملية البشعة على بعض صفحات التواصل الاجتماعي بحجة إساءة حتر «للذات الإلهية»، بعدما كان يواجه دعوى قضائية إثر إعادته نشر رسمة كاريكاتور، اعتُبرت مسيئة للإسلام وتحريضاً على النعرات الطائفية. وبرغم أن الرسمة على فجاجتها، لم تكن هجوماً عى الدين بل استنكاراً لاستغلال «داعش» للدين، وبرغم أن حتّر سحب الصورة وقدّم اعتذاراً لمن أساء فهم النشر، فقد تداعت صيحات اغتياله.
في المقابل، فإن الإدانة الواسعة والقطعية من معظم الأطياف السياسية في الأردن، بل حتى من قبل أشدّ معارضي أفكار حتر، هي مؤشر في غاية الأهمية. إذ تعكس مخاوف من فلتان أمني ومن انتشار ممارسات مماثلة، بغرض الانتقام أو عن طريق حل الخلافات بالسلاح، وسط انتشار خطاب الكراهية وتزايد أعمال العنف المجتمعي في مناطق عدة في الأردن.
النقطة التي تثير قلقاً شديداً في المجتمع الأردني تتمثل بالخوف من إرهاصات ممارسات «داعشية»، خاصة ضد دعاة العلمانية، بعد انتخابات نيايبة شهدت بروز تيار يدعو إلى الدولة المدنية (وإن لم يكن لحتر دور فيها) فاز بمقعدين في المجلس النيابي، في مواجهة تيار «الاخوان المسلمين» الذي حصد 18 نائباً بعدما شملت قوائمه مسيحيين وشراكسة.
لكن لاغتيال حتر تبعات أكبر وأوسع من تجاذبات بين العلمانيين والإسلاميين. إذ كان يُعتبر مفكراً مهماً، برغم كونه خلافياً وإشكالياً، لأسباب بينها مساندته الصريحة للنظام السوري ولطهران، ومناهضته القاطعة للإسلام السياسي، حيث كان يدعو إلى حلف أردني مع إيران وسوريا والعراق، لقناعته أن مثل هذا الحلف يحمي الأردن من المدّ الأصولي التكفيري.
وقد مثلت أفكار حتر، حتى قبل اندلاع الأزمة السورية، تأسيساً فكرياً وسياسياً لإعادة تعريف مفهوم الوطنية الأردنية. وقد كانت غاية هذا «التأسيس»، من وجهة نظره، تتمثّل بتحصين استمرارية الكيان في وجه احتمالات الابتلاع على وقع المتغييرات الإقليمية وموجات النزوح الفلسطينية والسورية والعراقية. وقد جعل هذا كتاباته محل جدل، خاصة أنها، عن قصد أو غير قصد، أثارت مخاوف أردنيين من أصل فلسطيني، وساهمت بتعميق الشرخ الإقليمي.
الجدل الصاخب حيال أفكار ناهض حتر وأهميته كرمز «للوطنية الأردنية الحديثة»، تجعل من اغتياله حدثاً تاريخياً فارقاً في معانيه وتداعياته. فالمأساة ليست شخصية فحسب، بل وطنية في أبعادها. إذ قد تساهم في إشعال الفرقة «الإقليمية» بين الأردنيين، والطائفية لكون حتر مسيحي الولادة، وهي قد تؤجج الصراع بين العلمانيين والتيار الديني، وهو آخر ما يحتاج له الأردن، الذي يأمل مواطنوه بتجنب عاصفة الذبح والمجازر التي تجتاح محيطه.
مؤيدو أفكار حتّر يشبّهون اغتياله باغتيال رئيس الوزراء الأردني وصفي التل، خاصة أن حتّر اعتبر وصفي رمزاً للوطنية الأردنية وعنواناً تاريخياً لها، أي أنه من المرجّح أن يشكّل الاغتيال نقطة انطلاق لتوسيع الحركة «الوطنية الأردنية» التي أسس لها حتّر، مع ما يحمله ذلك من تبعات على حدة الاستقطاب في المجتمع الأردني.
أعترف أني عرفت ناهض حتّر لسنوات طويلة، وأننا افترقنا لتعارضي معه حيال ما اعتبرته دعوة منه لنشأة تيار انعزالي في الأردن. لكني متأكدة أن مشاعر الحزن والصدمة التي تنتابني، هي نفسها مشاعر المئات من الذين اختلفوا عليه، وتعارضوا معه إلى حد القطيعة، علماً أن المشاعر هنا مضاعفة: حزناً عليه، وحزناً وخوفاً على الأردن.
إن اغتيال ناهض حتر قد يشكّل منعطفاً في مسيرة الأردن. فهو مناسبة مفجعة، لكنها قد، بل يجب أن تكون، صرخة تحذير من مغبة الوقوع في شباك الفتنة، طائفية كانت أم سياسية. هي صرخة تحذير من غياب القانون، ومن تأثير حملات التحريض والكراهية. فالاستهانة بمفردات التحريض تكاد تماثل الاستهانة بالقتل.
إن دوافع الجاني الذي يتمّ التحقيق معه ليست واضحة. لكن إذا ثبُت أنه قام بفعلته لاعتباره حتّر «كافراً»، كما تفيد به منشورات عديدة، فهذه جريمة ضد حرية الرأي قد تشكّل منطلقاً لحملات تكفيرية مماثلة. فكما يوضح العديد من التعليقات المرحّبة بقتل حتر: مَن يكفّر الآخر أو يؤمن بالتكفير إنما يدعو إلى القتل والذبح. تبعاً لذلك، فإن الجاني ليس فقط من حمل المسدس ومن أطلق الرصاص، بل مَن قام بالتكفير والتحريض كذلك، وتلك مسالة أخطر.
لا خيار للأردني إلا بالوقوف بوضوح وحزم ضد الطائفية والعنصرية وخطاب الكراهية، أياً كان مبعث هذه الأمور. فخطر العنف والانتقام والانهيار يطاول الجميع.
الأخطر هو الترحيب بالعملية البشعة على بعض صفحات التواصل الاجتماعي بحجة إساءة حتر «للذات الإلهية»، بعدما كان يواجه دعوى قضائية إثر إعادته نشر رسمة كاريكاتور، اعتُبرت مسيئة للإسلام وتحريضاً على النعرات الطائفية. وبرغم أن الرسمة على فجاجتها، لم تكن هجوماً عى الدين بل استنكاراً لاستغلال «داعش» للدين، وبرغم أن حتّر سحب الصورة وقدّم اعتذاراً لمن أساء فهم النشر، فقد تداعت صيحات اغتياله.
في المقابل، فإن الإدانة الواسعة والقطعية من معظم الأطياف السياسية في الأردن، بل حتى من قبل أشدّ معارضي أفكار حتر، هي مؤشر في غاية الأهمية. إذ تعكس مخاوف من فلتان أمني ومن انتشار ممارسات مماثلة، بغرض الانتقام أو عن طريق حل الخلافات بالسلاح، وسط انتشار خطاب الكراهية وتزايد أعمال العنف المجتمعي في مناطق عدة في الأردن.
النقطة التي تثير قلقاً شديداً في المجتمع الأردني تتمثل بالخوف من إرهاصات ممارسات «داعشية»، خاصة ضد دعاة العلمانية، بعد انتخابات نيايبة شهدت بروز تيار يدعو إلى الدولة المدنية (وإن لم يكن لحتر دور فيها) فاز بمقعدين في المجلس النيابي، في مواجهة تيار «الاخوان المسلمين» الذي حصد 18 نائباً بعدما شملت قوائمه مسيحيين وشراكسة.
لكن لاغتيال حتر تبعات أكبر وأوسع من تجاذبات بين العلمانيين والإسلاميين. إذ كان يُعتبر مفكراً مهماً، برغم كونه خلافياً وإشكالياً، لأسباب بينها مساندته الصريحة للنظام السوري ولطهران، ومناهضته القاطعة للإسلام السياسي، حيث كان يدعو إلى حلف أردني مع إيران وسوريا والعراق، لقناعته أن مثل هذا الحلف يحمي الأردن من المدّ الأصولي التكفيري.
وقد مثلت أفكار حتر، حتى قبل اندلاع الأزمة السورية، تأسيساً فكرياً وسياسياً لإعادة تعريف مفهوم الوطنية الأردنية. وقد كانت غاية هذا «التأسيس»، من وجهة نظره، تتمثّل بتحصين استمرارية الكيان في وجه احتمالات الابتلاع على وقع المتغييرات الإقليمية وموجات النزوح الفلسطينية والسورية والعراقية. وقد جعل هذا كتاباته محل جدل، خاصة أنها، عن قصد أو غير قصد، أثارت مخاوف أردنيين من أصل فلسطيني، وساهمت بتعميق الشرخ الإقليمي.
الجدل الصاخب حيال أفكار ناهض حتر وأهميته كرمز «للوطنية الأردنية الحديثة»، تجعل من اغتياله حدثاً تاريخياً فارقاً في معانيه وتداعياته. فالمأساة ليست شخصية فحسب، بل وطنية في أبعادها. إذ قد تساهم في إشعال الفرقة «الإقليمية» بين الأردنيين، والطائفية لكون حتر مسيحي الولادة، وهي قد تؤجج الصراع بين العلمانيين والتيار الديني، وهو آخر ما يحتاج له الأردن، الذي يأمل مواطنوه بتجنب عاصفة الذبح والمجازر التي تجتاح محيطه.
مؤيدو أفكار حتّر يشبّهون اغتياله باغتيال رئيس الوزراء الأردني وصفي التل، خاصة أن حتّر اعتبر وصفي رمزاً للوطنية الأردنية وعنواناً تاريخياً لها، أي أنه من المرجّح أن يشكّل الاغتيال نقطة انطلاق لتوسيع الحركة «الوطنية الأردنية» التي أسس لها حتّر، مع ما يحمله ذلك من تبعات على حدة الاستقطاب في المجتمع الأردني.
أعترف أني عرفت ناهض حتّر لسنوات طويلة، وأننا افترقنا لتعارضي معه حيال ما اعتبرته دعوة منه لنشأة تيار انعزالي في الأردن. لكني متأكدة أن مشاعر الحزن والصدمة التي تنتابني، هي نفسها مشاعر المئات من الذين اختلفوا عليه، وتعارضوا معه إلى حد القطيعة، علماً أن المشاعر هنا مضاعفة: حزناً عليه، وحزناً وخوفاً على الأردن.
إن اغتيال ناهض حتر قد يشكّل منعطفاً في مسيرة الأردن. فهو مناسبة مفجعة، لكنها قد، بل يجب أن تكون، صرخة تحذير من مغبة الوقوع في شباك الفتنة، طائفية كانت أم سياسية. هي صرخة تحذير من غياب القانون، ومن تأثير حملات التحريض والكراهية. فالاستهانة بمفردات التحريض تكاد تماثل الاستهانة بالقتل.
إن دوافع الجاني الذي يتمّ التحقيق معه ليست واضحة. لكن إذا ثبُت أنه قام بفعلته لاعتباره حتّر «كافراً»، كما تفيد به منشورات عديدة، فهذه جريمة ضد حرية الرأي قد تشكّل منطلقاً لحملات تكفيرية مماثلة. فكما يوضح العديد من التعليقات المرحّبة بقتل حتر: مَن يكفّر الآخر أو يؤمن بالتكفير إنما يدعو إلى القتل والذبح. تبعاً لذلك، فإن الجاني ليس فقط من حمل المسدس ومن أطلق الرصاص، بل مَن قام بالتكفير والتحريض كذلك، وتلك مسالة أخطر.
لا خيار للأردني إلا بالوقوف بوضوح وحزم ضد الطائفية والعنصرية وخطاب الكراهية، أياً كان مبعث هذه الأمور. فخطر العنف والانتقام والانهيار يطاول الجميع.
نيسان ـ نشر في 2016/09/26 الساعة 00:00