اغتيال حتر.. يا أصحاب الرأي أعدوا المتاريس!
نيسان ـ نشر في 2016/09/29 الساعة 00:00
كتب محمد قبيلات...بداية، هذا المقال لن يفهمه من لا يؤمن بأن للاختلاف قيمة إيجابية في الحياة.
على كل حال؛ ليس مهما الآن الفهم أو عدمه، فنحن دخلنا منذ لحظة إطلاق النار على ناهض حتر مرحلة الاشتباك بالذخيرة الحيّة.
تخيلوا! هنا رأي، يقابله في الطرف الآخر مسدس! فإلى أين وصلنا!؟
هي الحرب بكل ما تعنيه الكلمة من معاني الإجحاف بالإنسانية، فيا أصحاب الرأي أعدّوا المتاريس، وتسربلوا بما تيّسر من التمويه، وتجندلوا بالأسلحة الفتاكة، واحرصوا على أن تكون مُذخّرة على الدوام، واقطشوا ألسنة أمانها، فلم تعد هناك فسحة للأمان، ولا تزيغ أصابعكم عن الأزندة، فالحرب خدعة وخيانة للقيم السويّة كافة، وأخلاق الفرسان لم تعد موجودة، بل هي من أساطير الأولين.
بالمناسبة، ليس من الشجاعة أن تُفاجِئ خصماً أعزل بمسدس، وكانت المروءة تقتضي من الجاني أن يناول خصمه مسدساً ثم يبدأ معه المواجهة، وكان حتى عند ذؤبان العرب وصعاليكهم، إذا سقط السيف من يد الخصم يتوقف المقاتل عن المنازلة فاسحاً له فرصة التقاط سيفه.
المهم الآن، وبالنتيجة، إنني بمقتل حتر، خسرت خصماً لدوداً، فحتر لم يكن ملهماً لمؤيديه وأتباعه وأصدقائه بل لخصومه أيضاً، بما كان يمتلكه من قدرة على طرح ما يثير النقاش والحوار.
وللذين لا يعرفون حتر جيداً، أو لم يقرأوه كما ينبغي، سواء من موقع الاختلاف أو التأييد، فإنه حالة نادرة، وصاحب مبادرة وقدرة على خلق الأفكار وسلسلتها بمتانة لا تتخللها مُنِتجات الملل، ولم يكن من أصحاب اللغة الخشبية والانشاء البليد، بل كان صاحب جملة رشيقة، وعبارة صارمة، وأفكار قاسية مبتدعة لا تنقصها الشجاعة.
فهو يمقت الإمّعات، حتى أولئك الذين يعدّون من أتباعه، ولا يخشى من طرح الفكرة القوية، فهو صاحب المقولة الشهيرة أين الرئيس؟؟ حيث كتب مقالاً ينتقد فيه اختفاء الرئيس السوري بشار الأسد، وهو من اختلف مع حزب الله وانتقده علناً في العديد من المقالات، وكذلك ايران، حيث انتقد طريقة تعاملها مع حليفها السوري، وقال -بما معناه- إن ايران لا تدفع للنظام بالمساعدات إلا على سبيل القروض التي تضمن سدادها برهن المباني والعقارات الحكومية.
وقبل أن يؤيد النظام السوري، في السنة الأولى للثورة السورية، تساءل ناهض أمام أصدقاء مشتركين في إحدى الجلسات، قائلاً: لا أدري كيف نؤيد نظاماً دكتاتورياً فاسداً يواجه الشعب السوري في نفس الوقت الذي نؤيد فيه الحراك الشعبي هنا!؟
ويوم مقتله على درجات قصر العدل، كافحت دمعاتي، وأنا أتفهم الآن، متأخراً بالطبع، مقالة كتبها حتر بعيد وفاة الراحل الملك الحسين بن طلال، فوصف فيها المشاعر المختلطة والارتباك اللذين يتملكان الإنسان عندما يفقد خصمه، وكيف كانت دموعه تبلل وجهه حزناً على الحسين وهو يتمشى في شوارع بيروت.
رحل حتر، وكما كان خلافياً في حياته، ها هو يثير الخلافات في موته أيضاً.
الآن، لا نملك في هذا المقام، إلا أن ندين الفعلة الجبانة التي ارتكبها جاهل؛ لا يؤهله –حتى ما يفترض أنه يؤمن به- لإنفاذ الحدود بيده.
الشرع عادل ومستقل ومنزه عن الرغبات والأهواء، فحتى لو كنا نعيش في أيام الخلافة الراشدة، وتحت حكم ثقاة عدول، لما كان حُكِمَ على حتر بالموت.
نيسان ـ نشر في 2016/09/29 الساعة 00:00