طاهر المصري: مش زابطة معنا .. وما هو قادم كبير
نيسان ـ نشر في 2015/04/03 الساعة 00:00
بين الدوارين الثالث والثاني، حيث عمان العتيقة يربض مكتب رئيس الوزراء الأسبق رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري. على اليسار من قلب عمان الحقيقي، استقبلنا المصري بكامل أناقة تاريخه، مسترسلا مرة ومتحفظا مرة. لكنه في كل حين لم يكن ليجامل، "عندما يتعلق الأمر بالوطن لا استطيع إلا أن أقول ما أؤمن به". يقول المصري.
هادئ الطبع. مطمئن. طويل التفكير.. المصري من الشخصيات القليلة التي لا تجد الكثير لتختلف معها. ليس لأنه لا يوجد ما يختلف عليه بل لكونه – وبحكم تجربة ممتدة في عراقة الدولة الأردنية - لا يفرض على الآخر موقفه.
هذا ليس كل شيء عن المصري. لكن في الساعة التي جلسنا فيها معه تحدث المصري عن اليمن، وعاصفة الحزم. وتحدث عن الإيرانيين، وعن الإصلاح في الأردن، وعن الولاية العامة، وجماعة الإخوان.
يسعد (نيسان) أن يكون أول مقابلاتها مع رجل بحجم طاهر المصري.
وتاليا نص الحوار:
نيسان: دعنا نبدأ من الملف الأسخن اليوم.. كيف تنظر الى ما يجري في اليمن اليوم؟
هو جزء من التفسخ السائر في العالم العربي على أسس اثنية وطائفية والحبل على الجرار ولم ينته الأمر.
نيسان: هل تقول إننا لم نشهد الأخطر؟
طبعا.
نيسان: إلى أين تسير الأمور؟
هذا يعتمد على الزعامات العربية.. وإلى أين يقودون الأمور. فإن استمروا بهذا الوضع والسيطرة والاستبداد الذي كانوا يمارسونه سابقا، ستبقى الدول العربية دويلات على أسس طائفية وتضع نفسها في مهب ريح الدول الخارجية.
الشوكة الإيرانية
نيسان: هل تعتقد أن التحالف العربي المشكل حديثا سيستطيع سحب قدرة إيران على التمدد في المنطقة؟
لا. الوضع العربي ليس متماسكا حتى الآن ليقف في وجه إيران. فإيران ستحظى في المستقبل بحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة، والاتفاق الأخير بين واشنطن وطهران مؤشر على ذلك. وأحد أسباب هذا العنف أو التمدد الذي نراه، أن إيران تعرف والعالم يعرف أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يريد أن يحول إيران الى مرتكز أساسي للولايات المتحدة في الإقليم.
نيسان: هل تقول أن إيران ستعود مجددا الى شرطي المنطقة.. وفق منظور أوباما.. هل تريد قول ذلك؟
لا.. ستلعب دورا إيرانيا. إيران تسعى لنفسها وليس لكي تسهل للولايات المتحدة مصالحها. طهران تريد من العالم أن تعترف بها أنها قوة نووية وإقليمية وأن يتم التعامل معها على هذا الأساس. وفي السابق كانت الإدارات الأمريكية ترفض ذلك بسبب النظام الديني في طهران لكن عندما جاء أوباما قرر أن إيران دولة عميقة وذات جذور في المنطقة ولا يجوز العمل على إقصائها أو الهجوم عليها، فاتصل بهم وسألهم عن مطالبهم، فأجابوه أنهم يريدون النووي، والاعتراف بنا كقوة إقليمية، وبالفعل وصلوا إلى اتفاق. وهذا يقوي من شوكة إيران.
للأسف نتيجة ما جرى في اليمن. ونتيجة عاصفة الحزم، وبقيادة السعودية التي عرف عنها أنها لم تطلق طلقة واحدة إلا بعد حسابات طويلة. قامت اليوم بحرب قوية ضد جماعات في بلد آخر. وحتى "الكاركتر" السعودي الذي يعمل من تحت الطاولة تغير مع العهد الجديد.
نيسان: هل فرضت الظروف ذلك على السعودية أم أن الملك الجديد فرض هذا؟
الأمران معا. الظروف فر ضت على الرياض ذلك، وجاءت هذه الظروف متزامنة مع جلوس ملك جديد على كرسي الحكم فتحرك بسرعة.
مش زابطة معنا
نيسان: ما هو سيناريوهات التحرك السعودي برأيك؟
اليمن مستنقع. وهناك تجارب كثيرة فيما يتعلق باليمن. وأنا أخشى من توريط المملكة العربية السعودية في المستنقع اليمني.
نيسان: هل نحن أمام حرب شاملة؟
لا أدري.. قلت لك .. قد تكون توريط للسعودية أولا .. كل السيناريوهات باتت مفتوحة.
نيسان: ماذا يعني أردنيا كل ذلك؟
أنا لا أعرف ما الذي يجري في المطبخ. لكن مما نراه. نحن نحاول التوازن بقدر الإمكان لكن (مش زابطة معنا ... إلا تزعل طرف من الأطراف) .. تذهب الى هذا الطرف لإرضائه يغضب الطرف الثاني.. فتعود إليه يغضب الطرف الأول.. عنا وضع حساس جدا. والدبلوماسية يجب أن تقاس بدقة.
كان على الإخوان إصلاح أنفسهم أولا
نيسان: ما هو موقفك مما جرى من أزمة داخل جماعة الإخوان المسلمين من جهة وتعاطي الدولة معها من جهة أخرى؟
كنت أتمنى إن لا يحدث ما حدث ورغم خلافي السياسي معهم لكن زيادة الانشقاقات والبعثرة في المجتمع السياسي الأردني مضر مهما كان السبب.
لكن للأسف بينما كانت الجماعة تدعو الى الإصلاح كان الأولى بهم أن ينظموا بيتهم التنظيمي.
لقد تغيرت الأحوال والظروف في الأردن وخارج الأردن وأصبحت منظمة مثل الجماعة قديمة وعريقة كان من الضروري أن تتأقلم مع الربيع العربي ومتطلبات الإصلاح والديمقراطية.
وكان مطروحا منذ فترة أن يتم التعامل مع الجماعة على أساس أنها جماعة للدعوة، وان الحزب يختص بالسياسة وان يكون هناك استقلال للقرار السياسي وليس خاضعا بكل تفاصيله الى التنظيم الأم، ولم يستطيعوا إفراز ذلك.
النموذج المصري
نيسان: هل تعتقد أن الدولة ستستنسخ التجربة المشهد المصري في التعامل مع الإخوان؟
لا أظن أن يحدث ذلك. وإن حدث فهو عمل خاطئ.
الإصلاح السياسي
نيسان: هل انتهى الحديث رسميا في العقل السياسي عن الإصلاح بشقيه في ظل وضع المنطقة؟
بوجود هذا النزاع والصراعات والاقتتال في مقابل إن المملكة تتمتع بأمن واستقرار سواء على الحدود أو داخليا أن يجري تعزيز المفهوم الإصلاحي والنظام السياسي الذي عمل على حمايتنا. فإذا أردت أن تعيد التقييد سيعود الاحتقان ويزيد لأسباب سياسية فوق ما هو اليوم لأسباب معيشية واقتصادية.
مشاركة الأردن لضرب داعش واليمن
نيسان: هل كان قرارا صائبا مشاركة الأردن في الحرب على الإرهاب ضد داعش واليوم في اليمن؟
من الصعب أن يجيب بأنه كان قرارا صائبا أو خاطئا، لكن بالنسبة لي فان داعش خطر يهدد الجميع والظن بأن داعش بعيدة عنا قد يكون فيه خطأ. لكن أيضا لا يجب أن أوهم نفسي أني قادر على إبعاد الخطر بمجرد هجومي على داعش. أظن أن هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها بأبيض أو أسود.
إذا أردنا نسير بين حبات المطر حتى لا تبلل لكن من المحتمل أن تصيبك.
في هذا الوقت الذي صار فيه الوضع الإقليمي مشوشا إلى هذا الحد، ومعقدا الى هذا الحد اعتقد انه من الضروري إعادة النظر في كثير من سياساتنا. وأي شخص - بعد مرور سنوات - سيشعر أنه بحاجة الى إعادة نظر فيما مضى. لكن ما نحن عليه هو ردود فعل ولا نقوم بالمبادرة. كما أننا عندما نقول بالفعل لا نكمله الى آخر المطلوب من الأعمال. ودائما ما نقوم بأعمال ناقصة.
من هنا أقول إننا بحاجة الى نية حقيقة للإصلاح في جميع مراحله، وأن نوم بإعادة ترتيب بيتنا الداخلي فما هو قادم كبير، وما نحن فيه كذلك أمر كبير، ووضعنا الاقتصادي خطير، وكل المحاولات التي تتحدث عن أن الحكومة قامت بها لإيقاف الهدر وتقليص العجز يظهر أن العجز يزيد والإنفاق لم يتأثر. كل هذا العجز والإنفاق وكل هذا اللم من الناس.. بينما الأمور ما زالت على حالها.
عجز الدولة عن إفراز الوجوه
نيسان: يعاني المجتمع الأردني من عجزه عن إفراز وجوه سياسية رسمية وشعبية في الوقت ذاته .. لماذا؟
أيامنا كان الوجه السياسي يبدأ من الحكومة وموظفيها. بينما مؤسسات المجتمع المدني لم تعد تفرز شخصيات وطنية وكذلك المجتمع. في السابق عندما كنت تذهب الى وزارة الخارجية كنت تجد سفراء تحولوا الى رؤساء حكومات ولوجوه شعبية؛ من وصفي التل وعبدالمنعم الرفاعي وطاهر المصري، أي كان الجهاز الحكومي يفرز مثل هذه الشخصيات، لكن اليوم لم يعد كذلك.
وحال المجتمع المدني ليس أحسن من الجهاز الرسمي.. فمؤسسات المجتمع المدني هي الأخرى لم تعد قادرة على إفراز وجوده شعبية يمكن أن تنتقل الى الوزارات. كان المحامي الفلاني المشهور أو الناشط يتحول الى وزير. أما الآن فلم يعد هذا الأسلوب متبعا.
نيسان: يبدو أن الماكينة الأردنية الراهنة باتت تؤثر على ذلك؟
الراهنة حتما. لكن هذا التراكم الذي نراه أسبابه موجودة منذ زمن. أما الآن فرئيس الوزراء لم يعد يمتلك الشخصية، بل أنا أزعم أن رئيس الوزراء لدينا صار أقرب إلى أن يكون الوزير الأول في المغرب.
نيسان: ماذا تعني بذلك.. هل فقد هيبته السياسية.. وقدرته الادارية؟
لا .. ليس الهيبة. بل الولاية العامة.
نيسان ـ نشر في 2015/04/03 الساعة 00:00