العرب لو فازت كلينتون
نيسان ـ نشر في 2016/11/08 الساعة 00:00
على الرغم من إصرار بعضهم على غياب أي فروق جوهرية بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، المتنافسان الرئيسيان على الرئاسة الأميركية ومواقفهما تجاه العالم العربي، إلا أن أي نظرة دقيقة في مواقفهما لا بد أن تكشف عن فروق واضحة بينهما. ولعل أهم ما يميز مواقف هيلاري كلينتون معرفتها الدقيقة بقضايا السياسة الخارجية والعالم العربي من ناحية، ورغبتها في تخطي نزعة الانسحاب الأميركي التي خيمت على سنوات حكم الرئيس باراك أوباما من ناحية أخرى، وذلك لسببين، أولهما شخصي والثاني يرتبط بظروف أميركا نفسها.
فعلى المستوى الشخصي، تبدو هيلاري كلينتون أكثر واقعيةً، وربما صقورية، من أوباما، فهي تعبّر عن رؤى سياسية تقليدية، تقدر الدور الأميركي في قيادة العالم، وأهمية التدخل الأميركي في الصراعات الدولية، كما أنها تؤمن بأن القوة العسكرية الأميركية أداة رئيسية من أدوات صنع السياسة الخارجية، لا يجب التخلي عنها. بمعنى آخر، ترى هيلاري أن نجاح السياسات الخارجية الأميركية يحتم استخدام خليط من الأدوات، يمزج باستمرار بين الدبلوماسية والقوة العسكرية، وهذا يجعلها أكثر صقوريةً من أوباما، الأستاذ الجامعي الذي رأى أن حروب أميركا وتوغلها العسكري خارجيا أضرّا كثيراً بسمعتها ومصالحها.
على المستوى الأميركي، يعرف التاريخ الأميركي محاولات مستمرة لإعادة التوازن إلى السياسة الخارجية الأميركية من خلال العودة إلى القوة بعد فترات العزلة، والعكس صحيح، فبعد الحروب تأتي الرغبة في العزلة، ثم تعود أميركا إلى دور أكثر توغلاً على الساحة الخارجية. فعلى سبيل المثال، في أواخر عهد جورج دبليو بوش، كانت هناك نزعة كبيرة للتدخل العسكري، تلتها رغبة في الانعزال الأميركي خلال عهد أوباما، بسبب شعور الأخير بالأضرار المترتبة على هذا التدخل. ولكن، يتحدّث كثيرون عن وجود شبه إجماع داخل نخب صناعة السياسة الخارجية الأميركية حاليا على أهمية العودة إلى سياسة خارجية أكثر تدخلاً في القضايا الدولية لعلاج انعزالية أوباما.
لذا، يرى بعضهم أن نخب السياسة الخارجية في واشنطن تجمع، في غالبيتها، على دعم هيلاري كلينتون، بسبب نزعتها التدخلية، والملاحظ هنا أن هيلاري لا تريد العودة إلى سنوات جورج دبليو بوش، لكنها تريد تحقيق التوازن بينها وبين سنوات أوباما، مستفيدة من خبرتها الدولية الواسعة. لذا، تريد أن تعيد إلى القوة الأميركية مكانتها من خلال العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري المحدود، ضمن تحالفات دولية لدعم حلفاء أميركا على الأرض. لا تريد هيلاري التوغل في حروب خارجية، لكنها تريد الضغط على خصوم أميركا وإشعارهم بأن لأميركا مكانة ونفوذاً يجب احترامهما.
وفي ما يتعلق بالعالم العربي، يمكن تلخيص أهم مواقف هيلاري كلينتون في النقاط التالية: أولا: في العراق، تأمل هيلاري في إطلاق ما سمّتها "الصحوة الثانية"، أو إعادة التحالف مع سنّة العراق، في تنظيم صحوات جديدة تحارب داعش، على غرار تلك التي ساعد الأميركيون على تأسيسها في العراق خلال عام 2006 لهزيمة القاعدة. وتقول كلينتون إنها تنوي الضغط على الحكومة العراقية، للسماح بدورٍ أكبر للسنة في محاربة داعش، وفي الحياة السياسية العراقية.
ثانياً: تبدو هيلاري أكثر وعيا بقضايا سنة المنطقة، حيث تعد بالضغط على إيران لوقف دعم المليشيات الداعمة لها. وتقول أيضا إنها تريد إقناع العلويين في سورية باتفاق يضمن إنهاء الحرب الأهلية هناك، وإطاحة الأسد، والحفاظ على حقوق سنة سورية، على غرار ما حدث في البلقان، كما تشير إلى أهمية التحالف مع دول الخليج السنية، للقضاء على داعش، وترى أن تفرغ دول الخليج لمحاربة داعش يتطلب الحد من النفوذ الإيراني.
ثالثاً: تتمسك هيلاري بفكرة إنشاء منطقة آمنة محدودة على الحدود السورية التركية لحماية المدنيين السوريين. وتقول إنها تنوي التعاون مع حلفاء أميركا الأوروبيين، في حالة فوزها بالرئاسة، في بناء تحالف دولي لفرض منطقة آمنة في شمال سورية، لضمان وقف تدفق المهاجرين السوريين، ولحماية المدنيين السوريين.
رابعاً: تقول هيلاري إنها تنوي دعم المعارضة السورية بالمال والسلاح، بشكل أكبر مما يحدث في عهد الرئيس أوباما، وإن كانت تصرّ على أن الأولوية هي لمحاربة داعش.
خامساً: في ما يتعلق بالنظام السوري، ترى هيلاري أنه يجب أن يرحل، وتأمل في العمل مع روسيا، للوصول إلى اتفاقيةٍ تقضي برحيل الأسد. وتقول إن اتفاق إيران النووي يعطي نموذجا لإمكانية العمل مع روسيا لحل الأزمة السورية، وإن الطريق إلى ذلك يكمن في المزج بين الدبلوماسية والضغوط العسكرية والعقوبات، حيث ترى هيلاري أن الضغط على روسيا ضرورة من دون عزلها، أو الدخول في صراع مسلح معها، لكن الضغط يكون ببناء تحالفٍ دولي، وتحقيق إنجازات على الأرض للمعارضة السورية في محاربة داعش، وكذلك في بناء منطقة آمنة للمدنيين.
سادساً: ترفض هيلاري الخطاب المعادي للإسلام والمسلمين الذي يستخدمه دونالد ترامب، وترى أن التعاون مع المسلمين ضرورةٌ في محاربة داعش، وأنه يجب التمييز بين داعش والغالبية العظمى من مسلمي العالم المحبين للسلام. ولعل خطابها هذا لا يعجب الجهات المتطرفة، ولوبي الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، والتي تدعم خطاب ترامب وعداءه للمسلمين.
سابعاً: من المعروف أن هيلاري عارضت التخلي عن حسني مبارك خلال الثورة المصرية، باعتباره حليفا لأميركا، كما قابلت، أخيراً، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي، في علامة على نيتها التعاون مع نظامه، وفي إشارة طمأنة للديكتاتوريات العربية. ولكن، في الوقت نفسه، تؤكد هيلاري على أن الثورات كانت نتيجة استبداد الأنظمة العربية، وعلى أنها ستحاول تحقيق التوازن بين الحاجة للتعاون مع الأنظمة العربية في محاربة "الإرهاب" من ناحية وأهمية حماية الحقوق والحريات من ناحية أخرى. لذا، حرصت بعد لقائها مع السيسي على التأكيد على أهمية حماية حقوق الإنسان في مصر، والمطالبة بالإفراج عن ناشطين مصريين، وخصت بالاسم الناشطة آية حجازي.
ثامناً: تبقى القضية الفلسطينية نقطة ضعف واضحة في مواقف هيلاري كلينتون، المعروفة بدعمها القوي لإسرائيل، والتي يقود فريقها للسياسة الخارجية مستشارون يهود أميركيون كثيرون، لكنها في المقابل لم تتبن مواقف متهورة، مثل إعلان ترامب نيته نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في حالة فوزه بالرئاسة.
قد لا ترقى المواقف السابقة إلى طموحات الشعوب العربية، والتي تريد أميركا متراجعة عن طموحاتها الإمبراطورية داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، ولنشر الديمقراطية في العالم العربي، ومعتذرة على تاريخها وحروبها في الشرق الأوسط، وهي بالطبع مواقف مهمة، ولكن يصعب تحقيقها في ظل توازن القوى الحالي من ناحية، والمشكلات الداخلية في الدول العربية من ناحية أخرى.
لذا، أقل الإيمان المقارنة بدقة بين مواقف المرشحين الرئيسيين، وإدراك الفوارق بينهما. وهنا تظهر فروق واضحة بين ترامب وكلينتون، فالأول يدعم إطلاق يد روسيا والديكتاتوريات العربية في المنطقة، ولا يبالي بحقوق الشعوب، ويتبنى رسميا خطاب العداء للإسلام والمسلمين. في حين تدعو هيلاري كلينتون إلى تفهم قضايا السنة في الشرق الأوسط، واحترام الإسلام والمسلمين، وحماية الحقوق والحريات داخل الأنظمة العربية، ولو صحت نيتها إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية، سوف تمثل نقلة إيجابية مهمة للصراع الطويل والدامي. العربي الجديد
فعلى المستوى الشخصي، تبدو هيلاري كلينتون أكثر واقعيةً، وربما صقورية، من أوباما، فهي تعبّر عن رؤى سياسية تقليدية، تقدر الدور الأميركي في قيادة العالم، وأهمية التدخل الأميركي في الصراعات الدولية، كما أنها تؤمن بأن القوة العسكرية الأميركية أداة رئيسية من أدوات صنع السياسة الخارجية، لا يجب التخلي عنها. بمعنى آخر، ترى هيلاري أن نجاح السياسات الخارجية الأميركية يحتم استخدام خليط من الأدوات، يمزج باستمرار بين الدبلوماسية والقوة العسكرية، وهذا يجعلها أكثر صقوريةً من أوباما، الأستاذ الجامعي الذي رأى أن حروب أميركا وتوغلها العسكري خارجيا أضرّا كثيراً بسمعتها ومصالحها.
على المستوى الأميركي، يعرف التاريخ الأميركي محاولات مستمرة لإعادة التوازن إلى السياسة الخارجية الأميركية من خلال العودة إلى القوة بعد فترات العزلة، والعكس صحيح، فبعد الحروب تأتي الرغبة في العزلة، ثم تعود أميركا إلى دور أكثر توغلاً على الساحة الخارجية. فعلى سبيل المثال، في أواخر عهد جورج دبليو بوش، كانت هناك نزعة كبيرة للتدخل العسكري، تلتها رغبة في الانعزال الأميركي خلال عهد أوباما، بسبب شعور الأخير بالأضرار المترتبة على هذا التدخل. ولكن، يتحدّث كثيرون عن وجود شبه إجماع داخل نخب صناعة السياسة الخارجية الأميركية حاليا على أهمية العودة إلى سياسة خارجية أكثر تدخلاً في القضايا الدولية لعلاج انعزالية أوباما.
لذا، يرى بعضهم أن نخب السياسة الخارجية في واشنطن تجمع، في غالبيتها، على دعم هيلاري كلينتون، بسبب نزعتها التدخلية، والملاحظ هنا أن هيلاري لا تريد العودة إلى سنوات جورج دبليو بوش، لكنها تريد تحقيق التوازن بينها وبين سنوات أوباما، مستفيدة من خبرتها الدولية الواسعة. لذا، تريد أن تعيد إلى القوة الأميركية مكانتها من خلال العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري المحدود، ضمن تحالفات دولية لدعم حلفاء أميركا على الأرض. لا تريد هيلاري التوغل في حروب خارجية، لكنها تريد الضغط على خصوم أميركا وإشعارهم بأن لأميركا مكانة ونفوذاً يجب احترامهما.
وفي ما يتعلق بالعالم العربي، يمكن تلخيص أهم مواقف هيلاري كلينتون في النقاط التالية: أولا: في العراق، تأمل هيلاري في إطلاق ما سمّتها "الصحوة الثانية"، أو إعادة التحالف مع سنّة العراق، في تنظيم صحوات جديدة تحارب داعش، على غرار تلك التي ساعد الأميركيون على تأسيسها في العراق خلال عام 2006 لهزيمة القاعدة. وتقول كلينتون إنها تنوي الضغط على الحكومة العراقية، للسماح بدورٍ أكبر للسنة في محاربة داعش، وفي الحياة السياسية العراقية.
ثانياً: تبدو هيلاري أكثر وعيا بقضايا سنة المنطقة، حيث تعد بالضغط على إيران لوقف دعم المليشيات الداعمة لها. وتقول أيضا إنها تريد إقناع العلويين في سورية باتفاق يضمن إنهاء الحرب الأهلية هناك، وإطاحة الأسد، والحفاظ على حقوق سنة سورية، على غرار ما حدث في البلقان، كما تشير إلى أهمية التحالف مع دول الخليج السنية، للقضاء على داعش، وترى أن تفرغ دول الخليج لمحاربة داعش يتطلب الحد من النفوذ الإيراني.
ثالثاً: تتمسك هيلاري بفكرة إنشاء منطقة آمنة محدودة على الحدود السورية التركية لحماية المدنيين السوريين. وتقول إنها تنوي التعاون مع حلفاء أميركا الأوروبيين، في حالة فوزها بالرئاسة، في بناء تحالف دولي لفرض منطقة آمنة في شمال سورية، لضمان وقف تدفق المهاجرين السوريين، ولحماية المدنيين السوريين.
رابعاً: تقول هيلاري إنها تنوي دعم المعارضة السورية بالمال والسلاح، بشكل أكبر مما يحدث في عهد الرئيس أوباما، وإن كانت تصرّ على أن الأولوية هي لمحاربة داعش.
خامساً: في ما يتعلق بالنظام السوري، ترى هيلاري أنه يجب أن يرحل، وتأمل في العمل مع روسيا، للوصول إلى اتفاقيةٍ تقضي برحيل الأسد. وتقول إن اتفاق إيران النووي يعطي نموذجا لإمكانية العمل مع روسيا لحل الأزمة السورية، وإن الطريق إلى ذلك يكمن في المزج بين الدبلوماسية والضغوط العسكرية والعقوبات، حيث ترى هيلاري أن الضغط على روسيا ضرورة من دون عزلها، أو الدخول في صراع مسلح معها، لكن الضغط يكون ببناء تحالفٍ دولي، وتحقيق إنجازات على الأرض للمعارضة السورية في محاربة داعش، وكذلك في بناء منطقة آمنة للمدنيين.
سادساً: ترفض هيلاري الخطاب المعادي للإسلام والمسلمين الذي يستخدمه دونالد ترامب، وترى أن التعاون مع المسلمين ضرورةٌ في محاربة داعش، وأنه يجب التمييز بين داعش والغالبية العظمى من مسلمي العالم المحبين للسلام. ولعل خطابها هذا لا يعجب الجهات المتطرفة، ولوبي الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، والتي تدعم خطاب ترامب وعداءه للمسلمين.
سابعاً: من المعروف أن هيلاري عارضت التخلي عن حسني مبارك خلال الثورة المصرية، باعتباره حليفا لأميركا، كما قابلت، أخيراً، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي، في علامة على نيتها التعاون مع نظامه، وفي إشارة طمأنة للديكتاتوريات العربية. ولكن، في الوقت نفسه، تؤكد هيلاري على أن الثورات كانت نتيجة استبداد الأنظمة العربية، وعلى أنها ستحاول تحقيق التوازن بين الحاجة للتعاون مع الأنظمة العربية في محاربة "الإرهاب" من ناحية وأهمية حماية الحقوق والحريات من ناحية أخرى. لذا، حرصت بعد لقائها مع السيسي على التأكيد على أهمية حماية حقوق الإنسان في مصر، والمطالبة بالإفراج عن ناشطين مصريين، وخصت بالاسم الناشطة آية حجازي.
ثامناً: تبقى القضية الفلسطينية نقطة ضعف واضحة في مواقف هيلاري كلينتون، المعروفة بدعمها القوي لإسرائيل، والتي يقود فريقها للسياسة الخارجية مستشارون يهود أميركيون كثيرون، لكنها في المقابل لم تتبن مواقف متهورة، مثل إعلان ترامب نيته نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في حالة فوزه بالرئاسة.
قد لا ترقى المواقف السابقة إلى طموحات الشعوب العربية، والتي تريد أميركا متراجعة عن طموحاتها الإمبراطورية داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، ولنشر الديمقراطية في العالم العربي، ومعتذرة على تاريخها وحروبها في الشرق الأوسط، وهي بالطبع مواقف مهمة، ولكن يصعب تحقيقها في ظل توازن القوى الحالي من ناحية، والمشكلات الداخلية في الدول العربية من ناحية أخرى.
لذا، أقل الإيمان المقارنة بدقة بين مواقف المرشحين الرئيسيين، وإدراك الفوارق بينهما. وهنا تظهر فروق واضحة بين ترامب وكلينتون، فالأول يدعم إطلاق يد روسيا والديكتاتوريات العربية في المنطقة، ولا يبالي بحقوق الشعوب، ويتبنى رسميا خطاب العداء للإسلام والمسلمين. في حين تدعو هيلاري كلينتون إلى تفهم قضايا السنة في الشرق الأوسط، واحترام الإسلام والمسلمين، وحماية الحقوق والحريات داخل الأنظمة العربية، ولو صحت نيتها إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية، سوف تمثل نقلة إيجابية مهمة للصراع الطويل والدامي. العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2016/11/08 الساعة 00:00