عاطف الطراونة.. خمسة مفاتيح لفهم الرئيس في العبدلي
نيسان ـ نشر في 2016/11/09 الساعة 00:00
نيسان ــ محرر الشؤون البرلمانية
رئيس بلا مفاتيح، تماما عندما جاء لأول مرة الى مجلس النواب في انتخابات المجلس النيابي الرابع عشر سنة 2003، فقد بدا خجولا إلى الحد الذي لا يليق برجل اعمال ناجح يقود امبراطورية مالية، لكنه ربما لفرط إحساسه بخطورة واهمية ان يكون نائبا التزم الصمت وظل مراقبا، يتعلم أسرار هذا الحقل السياسي الجديد الذي لم يخبره من قبل.
وهو رئيس للمرة الرابعة بدأها في الدورة العادية الأولى لمجلس النواب الثالث عشر، وقاتل إلى أبعد ما يمكن ان يقاتل طامح سياسي ليعود الى حيث يرى نفسه رئيسا للسلطة التشريعية.
ينحدر عاطف يوسف الطراونة من عشيرة سياسية تعتبر برجالاتها وتاريخها وعطائها احدى بناة الأردن الحديث، ولم يكن بعيدا عن اجواء السياسة، إلا انه لم يكن منخرطا فيها، حتى وهو طالب يدرس الهندسة المدنية في اليونان، فقد كانت التجارة بالنسبة اليه حياته ولعبته، وهو ما يتقنه تماما.
وهو رئيس بلا مفاتيح لأنه من اوضح السياسيين الأردنيين الذين لا يزالون يركضون في الملعب السياسي الأردني، ولهذا فليس لدى الرجل ما يخفيه، وليس لمن يحاول قراءته ان يبذل كبير عناء، وهو يبحث عن مغاليق الرجل وأسراره.
ظل الطراونة في المجلس النيابي الرابع عشر وفيا تماما لابن مدينته الكرك المهندس عبد الهادي المجالي، وخاض معه حروبه كلها، بل كان اول ظهور حقيقي له في المشهد البرلماني عندما تم اختياره ليكون ناطقا اعلاميا باسم التحالف الوطني الذي تم تاسيسه في حينه لدعم المجالي في مواجهة النائب عبد الكريم الدغمي في انتخابات رئاسة المجلس.
وقبلها كان الطراونة نفسه يتخذ مقعده في فندق هوليدي ان مع نحو 30 نائبا لتاسيس كتلة "وطن" النيابية، حتى قبل ان يبدأ المجلس في حينه اعماله رسميا ودستوريا، وظل وفيا لهذا العنوان حتى اليوم، وظلت كتلة"وطن" حية وتتناسل من مجلس إلى آخر وحتى الآن.
في مسيرته البرلمانية التي بلغت 13 عاما متواصلة بدت مكتسبات الطراونة خلالها تتجه به نحو زعامة السلطة التشريعية، وبرغم من انه لم يستطع ان يتقدم في ظل وجود عبد الهادي المجالي لأكثر من رئاسة لجنة الطاقة النيابية في مجلسين متتاليين"الرابع عشر والخامس عشر"، إلا أن هذا التأخير خطوات للخلف ساعده كثيرا في اختزال واختصار المسافة؛ ليقفز من موقع النائب الأول للرئيس في المجلس السادس عشر إلى الموقع الأول في المجلس السابع عشر رئيسا لمجلس النواب، وهي قفزات أسس لها قبيل ذلك عندما انخرط في إلقاء المحاضرات في اكثر من مكان ومقابل جمهور مفتوح ومتحفز مقدما نفسه سياسيا واعدا ومقبلا لا رجل اعمال ناجحا.
كانت خصومات الطراونة من النوع الضيق، وليس صحيحا انه يعيش من دون خصومات، لكنه يتعامل معها باعتبارها كبوات عابرة يسهل تصويبها واسترجاعها وحلها، وإبان رئاسته المجلس السابع عشر بدا الخصوم يحاولون إظهاره ازاء النواب وازاء الناس والإعلام، ومورست عليه الضغوط، وتحول هدفا مباشرا من قبل بعضهم، لكن صلابته وتعامله مع هذا الوضع بالتسامح والتغاضي منحاه الكثير من فرص التحكم بخيوط اللعبة وبالتالي نجاحه في إدرة صراعه الشخصي مع مناوئيه.
ومفاتيح الرجل المكشوفة تماما تتلخص في انتمائه لعائلة سياسية، تتقن العمل واغتنام الفرص، ولهذا لم يكن غريبا على الطراونة نفسه ان يكون رئيسا لمجلس النواب، ولديه اشقاء يشغل احدهم موقع رئيس الجامعة الأردنية، وآخر يشغل موقع نقيب المقاولين، وثالث نقيبا لأطباء الأسنان، وحتى عندما تمت اقالة شقيقه من رئاسة الجامعة الأردنية حاول بعضهم الزج به ليكون عنوان ازمة دفاعا عن شقيقه إلا أنه آثر الصمت، ولم يعلق نهائيا، ونجح بإظهار الأمر وكانه شان اداري في الدولة لا يجوز له التدخل فيه..
هذا ما ظهر للناس والسياسيين في الإعلام، وهي نقطة تحسب لمصلحته وعائلته لا عليهم.
ومفتاحه الثالث طرحه نفسه إصلاحيا يتناغم تماما مع توجهات الملك والقصر والدولة، وهذا ما منحه التقيد بالإطار السياسي الذي يظهر فيه، فهو في صف الموالاة الكاملة بلا تردد، وهذا ما يدفع به احيانا ليكون اكثر حدة وهجومية عندما يتعلق الأمر بضبط جلسات المجلس، وتجاوز بعضهم خطوط النقد، لكن عندما يتعلق الأمر به شخصيا فلا يتردد في الرد المباشر والسريع بحزم، ليبدو في بعض الأحيان وكانه رد فعل لا يجوز صدوره من شخص يرأس السلطة التشريعية ويجلس على مقعدها.
ومفتاحه الرابع بناء قاعدة التوازن بين مراكز القوى داخل مجلس النواب، لقد تعلم الكثير خلال الثلاثة عشر عاما التي قضاها في العبدلي، اتقن لعبة تشكيل كتل برلمانية متعددة، تكون مقاليد امرها بين يديه عن طريق وكلائه وانصاره، وهذا ما منحه دائما القدرة على تحريك قواعد اللعبة داخل القبة وخارجها، وللحقيقة فهذه ميزة تعلمها من المهندس عبد الهادي المجالي.
أما خامس مفاتيحه، فهي قدرته على بناء التحالفات، والتمدد داخل الكتل النيابية الأخرى، فضلا عن تحالفاته خارج المجلس، سواء مع المؤسسة الأمنية أو مؤسسة القصر، التي جعلته مقبولا الى ابعد حدود القبول، ليكون ويبقى على رأس السلطة التشريعية، خاصة إذا ما ضاقت خيارات القصر في اختيار من يكون على رأس تلك السلطة، ولا يجدون غير الطراونة من يستحق القيام بهذه المهمة.
معضلة الطراونة الأساسية انه متهم باستخدام المال لاستمالة النواب والناخبين، وهي معضلة لا يلتفت الطراونة إليها كثيرا، ولا تبدو انها تشغل باله اكثر مما ينشغل به دائما وابدا، وهو ان يبقى لاعبا يتقن دوره ويتفانى في تحقيق هدفه، تارك الآخرين يقولون ما يشاؤون.
نيسان ـ نشر في 2016/11/09 الساعة 00:00