شُعوُبية فارسية على أنغام (الشاهنامة)

إحسان الفقيه
نيسان ـ نشر في 2016/11/29 الساعة 00:00
زشير شتر خور دن وسو سمار عرب را ربجايي ر سيده أست كار كه تاج كيانرا كاند آرزو تفو باد بر جرخ كردون تفو ربما يدرك من أصغى سمعه لموسيقى تلك الأبيات الشعرية، أنها تنتمي إلى الشعر الفارسي، وهذا حق، فهي أبيات من ديوان الشاهنامة، لأبي القاسم الفردوسي الأب الروحي للقومية الفارسية، وتعني بالعربية: من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغا. أن يطمحوا في تاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقا. مضمون الشاهنامة يطفح بالفكر الشعوبي الفارسي الذي يُبغض العرب ويُحقّر من شأنهم، ولئن كان صاحب ديوان الشاهنامة توفي في أوائل القرن الخامس الهجري، إلا أن الكتاب ذو مكانة رفيعة لدى الإيرانيين المعاصرين، فلا عجب أن يُلقي الرئيس الإيراني الأسبق خاتمي محاضرة في المركز الثقافي في مدينة «دوشنبه» الطاجيكية في 2013 عن جمال اللغة الفارسية، ويشيد بالفردوسي، وينسب إليه الفضل في حفظ اللغة الفارسية من الضياع بعد الفتح الإسلامي، حسب قوله. وأما الرئيس السابق أحمدي نجاد، فلم يجد أفضل ما يهديه إلى بابا الكاثوليك خلال زيارته الفاتيكان من كتاب الشاهنامة. بعد أكثر من 1000 عام على شعر الفردوسي، وتحديدا عام 2013 في همدان، كان الجمهور الإيراني يصفق بشدة بحضور أصحاب العمائم السوداء، لا لشيء إلا لأن الشاعر الإيراني مصطفى بادكوبه ألقى قصيدة بعنوان: «إله العرب»، يصبُّ فيها سخطه على جنس العرب، وقال مخاطبا ربه: «لا مانع أن تلقي بي في قاع جهنم، لكن لي شرطا واحدا، ألا أسمع هناك حرفا واحدا من اللغة العربية فيزيد عذابي عذابات». الفكر الشعوبي ليس جديدا في الأمة، وتحدث عنه الإمام القرطبي في تفسيره، حين قال: «الشعوبية تُبغض العرب وتُفضل العجم»، لكنه لدى إيران وريثة الفرس الساسانيين له طابعه الخاص، الذي يدمج بين القومية والمذهبية. النظرة الشعوبية الإيرانية للعرب قديمة، قِدم سقوط عرش الأكاسرة على يد العرب الذين حملوا الإسلام، ومن ثم ينظرون إلى هذا الفتح على أنه «طمس» للهُوية الفارسية يستوجب بُغض العرب، والثأر منهم ومناصبتهم العداء، وهو ما أكده أمير البيان، «شكيب أرسلان» في كتابه «حاضر العالم الإسلامي». والحق أن الإسلام الذي انطلق به العرب، لم يُلغ معالم الحضارات الأخرى أو يسقطها، وإنما أضفى عليها صبغته الجامعة، وصهر بمنهجه المحكم أبناء هذه الحضارات في بوتقته، إلا أن جمعا من الفرس حالت نزعتهم العرقية دون اندماجهم مع العرب المسلمين، وانفصلوا عن السياق العام للأمة، ومروا خلال المسار التاريخي بمحطة الانصهار المذهبي ممثلا في الدولة الصفوية، لتحمل إيران «الخمينية» هذا الميراث القومي المذهبي الذي لا ينفكّ عن مبدأ كراهية العرب. المشروع الإيراني هو مشروع قومي يهدف إلى إعادة مجد الإمبراطورية الفارسية القديمة، لكن إيران الصفوية كما يقول المفكر الإيراني الراحل وملهم الثورة الإيرانية علي شريعتي أضفت على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا، ومسحة قداسةٍ دينية متمثلة في التشيع. الإيراني الشيعي علي شريعتي، من الإيرانيين القلائل الذين احتفظوا بقوميتهم الفارسية، خالية من الشعوبية، ومن القلائل أيضا الذين فرقوا بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي. هذا الرجل تطرق في كتابه «التشيع العلوي والتشيع الصفوي» إلى الارتباط القومي المذهبي للشعوبيين الفرس، وأبطل بالأدلة الدامغة ما نسبوه للحسين من زواجه من ابنة كسرى يزدجرد، كخطوة على سبيل ربط النبوة بالإمبراطورية الفارسية. فالمشروع الإيراني هو مشروع قومي فارسي، مُحمّل على رأس طائفي كفكرة مركزية ليجتمع عليها الشيعة في كل مكان، لذا كانت بداية المشروع، تلك الثورة التي قام بها الخميني، الذي جاء بنظرية الولي الفقيه التي تنفست بها إيران الصعداء، واتخذت في إثرها المسار الثوري والعسكري التوسعي، برغم أن الارتكاز الإيراني على المذهبية، إلا أن الصبغة الفارسية تفرض نفسها على إيران التي تعامل العرب بذلك الفكر الشعوبي حتى لو كانوا من الشيعة. المفكر الكويتي عبدالله النفيسي اقترب من الساسة الإيرانيين ودوائر صنع القرار لفترة تزيد على 32 عاما، خلُصَ في تجاربه إلى أن الإيرانيين قوم بعيدون عن التديّن، مُحبّون للترف واللهو والتوسع في المباحات، وأن الشحنة الدينية التي حقنتها الثورة الإيرانية بها كانت ضرورة وقتية لمواجهة العراق. النفيسي استعرض في تقديمه لكتاب المشروع الإيراني، النظرة الشعوبية الإيرانية للعرب عموما، سواء كانوا سنّة أو شيعة، إذ التقى في طهران المرجع العراقي الشيعي محمد باقر الحكيم، الذي عبّر له عن استيائه من اضطهاد الإيرانيين الفرس لشيعة العرب، ومما أسرّ به الحكيم للنفيسي، أنه يعتزم تعريب المرجعية وإبعاد الفرس عنها، لدى عودته إلى العراق، ورأى النفيسي أن رغبة الرجل في تعريب المرجعية كانت سبب اغتياله بعد عام من هذا اللقاء. فالتشيع لدى إيران ليس إلا أداة للتمدد في المجتمعات العربية والهيمنة عليها، لكنها في حقيقة الأمر وظاهره تعمل جاهدة على «تفريس» المجتمع الإيراني، فالقومية الفارسية هي المعتمدة في الجمهورية الإيرانية، وإيران تُصر على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي. الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد أصدر قرارا في 2006، يقضي بتفريس جوانب الحياة الإيرانية كلها: العلمية والثقافية والأدبية، وهو ما يدعمه الدستور الإيراني. إقليم الأحواز العربي الذي احتلته إيران ويمثل نفطها ما لا يقل عن 87 من مئة من النفط الإيراني المعتمد، والغاز يمثل 90 من مئة من إجمالي الغاز الإيراني، حسب بعض الدراسات، هذا الإقليم الذي يحوي نسبة عالية من الشيعة العرب، يستوي فيه العربي (سني أو شيعي)، في التعرض للاضطهاد الفارسي الإيراني، إذ ألغت إيران كل أشكال مؤسسات الحكم العربية الإدارية منها والسياسية والقضائية، وفرضت اللغة الفارسية على شعب الأحواز، وحاربت اللغة العربية، ومنعت التسمي بأسماء عربية، بل تحارب الشعر العربي، وتنقل عشائر عربية من الأحواز إلى شمال إيران، وتقوم بإحلال عائلات فارسية لإحداث تغيير ديموغرافي، ناهيك عن أحكام الإعدام العشوائية التي يتم تنفيذها بحق الأحواز العرب. التشيع إذا في إيران ليس إلا فكرة جوهرية للتعبئة والتجييش، وعن طريقه أحدثت الشقاق والنزاع بين المكوّنين السني والشيعي في الدول العربية، الذي كان يُحل غالبا عبر التاريخ في ميادين السجال الفكري، ولم يصل إلى هذا القدر من الاحتقان إلا في عصر إيران «الخمينية». ولم يتجاوز صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب الله اللبناني الشيعي الحقيقة حينما قال سابقا إن إيران تشكل خطرا على الشيعة والتشيع مستقبلا. الكيان الصهيوني كان يدرك طبيعة العداء الذي تُكنّه إيران الفارسية الصفوية للعرب، ولذا أكد الباحث والخبير الأميركي في الشؤون الأميركية - الإيرانية تريتا بارسي (إيراني المولد)، في كتابه «التحالف الغادر»، أن الثورة الإيرانية برغم أنها كانت نكسة لإسرائيل، إلا أنها لم تمنع إسرائيل من دعم إيران، والسعي إلى تحسين علاقتها مع حكومة آية الله الخميني، كثقل مكافئ لأعداء إسرائيل وهم العرب. لقد خدعت الثورة الإيرانية جميع العرب، خدعت الشيعة كما خدعت السنة، فهي حافظت على المنهج الشيعي ليكون فقط ركيزة للتسويق للنظام الحاكم، ويدفع به تجاه العداوة وأُتون الصراع المذهبي الذي تؤجج نيرانَه إيران. الحياة
    نيسان ـ نشر في 2016/11/29 الساعة 00:00