نشطاء تحت الطلب
نيسان ـ نشر في 2016/12/27 الساعة 00:00
جميلٌ جداً أن يتذكّر نشطاء مصريون أن محامياً مصرياً، اسمه أحمد الجيزاوي، معتقلٌ في السعودية، منذ خمس سنوات، ويتداعوا، فجأةً، لإثارة قضيته، بعد ثلاث سنوات من الصمت والتجاهل والنسيان، كانت فيها علاقة سلطة عبد الفتاح السيسي بالسعودية سمناً على عسلً، بالأرز.
قليلون جداً من الحقوقيين والنشطاء الذين كانوا يذكرون قضية الجيزاوي، وكثيرون للغاية الذين أحالوها إلى أرشيف الذاكرة، طوال شهور العسل بالأرز، ثم، مع تأزم علاقة السيسي بالرياض تذكّروا الجيزاوي.
الحرية للجيزاوي، شعار عاد فجأة، جيد أن يتذكّروا حرية مواطن في أي مكان وفي أي وقت. لكن، ألم يكن أفضل وأكثر احتراماً لو تذكّروا هذه المواطن في أيام الصفاء والوئام بين السيسي والرياض، فيضغطوا، خصوصاً وقد كان جلهم من أصحاب الحظوة لدى سلطات الانقلاب، لكي تستثمر الأخيرة تلك اللحظات الرومانسية بينها وبين السعودية، في ظل الملك السابق، وتطلب تحرير الجيزاوي، أو العفو عنه، أو الإسراع في نظر قضيته، حرصاً على العلاقة الأخوية الاستراتيجية بالشقيقة الكبرى، وفق رؤية عبد الفتاح السيسي في المملكة العربية السعودية؟!
على ما أذكر، كانت قضية الجيزاوي حاضرةً وساخنةً، في فترة حكم المجلس العسكري، بعد الثورة، ووصل الأمر إلى إعلان تعليق العمل بالسفارة السعودية في القاهرة، والتلويح بإيقاف التأشيرات، وفتح ملف العمالة المصرية، الأمر الذي دفع حكّام مصر إلى الاعتذار، وإظهار قدر لا بأس به من الإحساس بالدونية والقزمية في مواجهة الأزمة. وإيثاراً للسّلامة، قرّر بعضهم أن يبادر بجلد الجيزاوي في القاهرة، قبل أن يصدر عليه الحكم في السعودية، ورأينا إعلاماً يعتذر ويقبل الأيادي واللحى، مستبقاً دفاع الجيزاوي عن نفسه، في مناخ يوفر أبسط شروط العدالة. يظهر هؤلاء الإعلاميون أنفسهم في ثوب الأسود الشرسة، الآن، مهاجمين السعودية، مع توقف المساعدات، وذهاب حالة الصفاء والرضا.
فيما بعد، وجدنا موضوع الجيزاوي ورقةً في لعبة الانتخابات الرئاسية 2012، وخرج المرشح عمرو موسى يزف إلى الأمة نبأ تلقيه وعداً من وزير الخارجية السعودي الراحل، سعود الفيصل، بالإفراج عن المحامي المصري المعتقل (وهذه قصةٌ تستحق أن تروى لاحقاً).
انتهت الانتخابات، وجاء الدكتور محمد مرسي رئيساً، فعادت قضية الجيزاوي مجدّداً، ومع زيارته الأولى للسعودية، طالبه النشطاء بالعودة والجيزاوي في يده، ثم بدأت الخطوات التمهيدية للانقلاب على مرسى، وظهرت 'تمرّد' و'الإنقاذ'، وحضرت الإمارات والسعودية، فاختفى موضوع الجيزاوي، مرة أخرى، ولم نجد من يحاول دفع سلطة السيسي إلى اتخاذ خطوةٍ ما، بشأنه، استثماراً لدفء العلاقة بالرياض، باستثناء بعض تقارير صحافية، على استحياء، فيما كان النظام المصري وأبواقه الإعلامية مندفعين بكل حماس نحو السعودية التي ارتفعت أعلامها، في زفة الاحتفالات الوطنية، الرخيصة، بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ووصل الأمر إلى الاعتداء المادي واللفظي على المحتجين ضد اتفاق بيع الجزيرتين.
الآن، ومع تعكّر العلاقة بين السيسي والرياض، يتم استدعاء موضوع أحمد الجيزاوي، وهو موضوعٌ يستحق الاهتمام، في كل وقت، وليس بشكل موسمي يرتبط بالحالة المزاجية للسلطة الحاكمة في مصر، ووجدنا نشطاء، بعضهم صادقٌ في دوافعه الإنسانية والحقوقية، وأكثرهم يمكنك أن تعتبرهم 'نشطاء تحت الطلب'، يدشنون حملاتٍ للضغط والتضامن، ومهاجمة السلطات السعودية، ومطالبتها بالإفراج عن المحامي المعتقل منذ خمس سنوات.
كنت سأصدّق نزاهتكم الحقوقية، لو أنكم أبديتم بعض التضامن مع 'جيزاوي' مصري آخر اختطفته السلطات المصرية من مطار القاهرة، لدى عودته لقضاء إجازته مع أسرته، ولفقت له اتهاماً بإثارة الفتن، والتحريض ضد مؤسسات الدولة، وإشاعة حالة من الفوضى، هو الزميل محمود حسين، الصحافي في شبكة الجزيرة، ووضعته في الحبس.
أن تناضل على سطر وتترك سطراً، هذا يعني أن نضالك ملوّث بالانتقائية والشللية، وأنك 'مناضل تحت الطلب'.
قليلون جداً من الحقوقيين والنشطاء الذين كانوا يذكرون قضية الجيزاوي، وكثيرون للغاية الذين أحالوها إلى أرشيف الذاكرة، طوال شهور العسل بالأرز، ثم، مع تأزم علاقة السيسي بالرياض تذكّروا الجيزاوي.
الحرية للجيزاوي، شعار عاد فجأة، جيد أن يتذكّروا حرية مواطن في أي مكان وفي أي وقت. لكن، ألم يكن أفضل وأكثر احتراماً لو تذكّروا هذه المواطن في أيام الصفاء والوئام بين السيسي والرياض، فيضغطوا، خصوصاً وقد كان جلهم من أصحاب الحظوة لدى سلطات الانقلاب، لكي تستثمر الأخيرة تلك اللحظات الرومانسية بينها وبين السعودية، في ظل الملك السابق، وتطلب تحرير الجيزاوي، أو العفو عنه، أو الإسراع في نظر قضيته، حرصاً على العلاقة الأخوية الاستراتيجية بالشقيقة الكبرى، وفق رؤية عبد الفتاح السيسي في المملكة العربية السعودية؟!
على ما أذكر، كانت قضية الجيزاوي حاضرةً وساخنةً، في فترة حكم المجلس العسكري، بعد الثورة، ووصل الأمر إلى إعلان تعليق العمل بالسفارة السعودية في القاهرة، والتلويح بإيقاف التأشيرات، وفتح ملف العمالة المصرية، الأمر الذي دفع حكّام مصر إلى الاعتذار، وإظهار قدر لا بأس به من الإحساس بالدونية والقزمية في مواجهة الأزمة. وإيثاراً للسّلامة، قرّر بعضهم أن يبادر بجلد الجيزاوي في القاهرة، قبل أن يصدر عليه الحكم في السعودية، ورأينا إعلاماً يعتذر ويقبل الأيادي واللحى، مستبقاً دفاع الجيزاوي عن نفسه، في مناخ يوفر أبسط شروط العدالة. يظهر هؤلاء الإعلاميون أنفسهم في ثوب الأسود الشرسة، الآن، مهاجمين السعودية، مع توقف المساعدات، وذهاب حالة الصفاء والرضا.
فيما بعد، وجدنا موضوع الجيزاوي ورقةً في لعبة الانتخابات الرئاسية 2012، وخرج المرشح عمرو موسى يزف إلى الأمة نبأ تلقيه وعداً من وزير الخارجية السعودي الراحل، سعود الفيصل، بالإفراج عن المحامي المصري المعتقل (وهذه قصةٌ تستحق أن تروى لاحقاً).
انتهت الانتخابات، وجاء الدكتور محمد مرسي رئيساً، فعادت قضية الجيزاوي مجدّداً، ومع زيارته الأولى للسعودية، طالبه النشطاء بالعودة والجيزاوي في يده، ثم بدأت الخطوات التمهيدية للانقلاب على مرسى، وظهرت 'تمرّد' و'الإنقاذ'، وحضرت الإمارات والسعودية، فاختفى موضوع الجيزاوي، مرة أخرى، ولم نجد من يحاول دفع سلطة السيسي إلى اتخاذ خطوةٍ ما، بشأنه، استثماراً لدفء العلاقة بالرياض، باستثناء بعض تقارير صحافية، على استحياء، فيما كان النظام المصري وأبواقه الإعلامية مندفعين بكل حماس نحو السعودية التي ارتفعت أعلامها، في زفة الاحتفالات الوطنية، الرخيصة، بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ووصل الأمر إلى الاعتداء المادي واللفظي على المحتجين ضد اتفاق بيع الجزيرتين.
الآن، ومع تعكّر العلاقة بين السيسي والرياض، يتم استدعاء موضوع أحمد الجيزاوي، وهو موضوعٌ يستحق الاهتمام، في كل وقت، وليس بشكل موسمي يرتبط بالحالة المزاجية للسلطة الحاكمة في مصر، ووجدنا نشطاء، بعضهم صادقٌ في دوافعه الإنسانية والحقوقية، وأكثرهم يمكنك أن تعتبرهم 'نشطاء تحت الطلب'، يدشنون حملاتٍ للضغط والتضامن، ومهاجمة السلطات السعودية، ومطالبتها بالإفراج عن المحامي المعتقل منذ خمس سنوات.
كنت سأصدّق نزاهتكم الحقوقية، لو أنكم أبديتم بعض التضامن مع 'جيزاوي' مصري آخر اختطفته السلطات المصرية من مطار القاهرة، لدى عودته لقضاء إجازته مع أسرته، ولفقت له اتهاماً بإثارة الفتن، والتحريض ضد مؤسسات الدولة، وإشاعة حالة من الفوضى، هو الزميل محمود حسين، الصحافي في شبكة الجزيرة، ووضعته في الحبس.
أن تناضل على سطر وتترك سطراً، هذا يعني أن نضالك ملوّث بالانتقائية والشللية، وأنك 'مناضل تحت الطلب'.
نيسان ـ نشر في 2016/12/27 الساعة 00:00