الإسلاميون في زمن متغير
نيسان ـ نشر في 2017/01/10 الساعة 00:00
شكّل 'الربيع العربي' اختباراً عسيراً للقوى والحركات الإسلامية، سواء التي وصلت إلى السلطة أو التي ظلت في المعارضة. وفي الوقت الذي نجحت فيه بعض هذه القوى في التكيف مع مخاض 'الربيع العربي' وتقلباته، كما هي الحال في تونس والمغرب، ظلت قوى أخرى على حالها، ولم تستطع التأقلم مع الأوضاع الجديدة، كما هي الحال في مصر والأردن. وفي حين لا يزال بعض الإسلاميين يتعاطى مع ما حدث خلال السنوات الست الماضية وكأن شيئاً لم يتغير، سعى آخرون إلى إحداث تحولات هيكلية، سواء في خطابهم أو بنيتهم التنظيمية والإيديولوجية، من أجل البقاء والاستمرار.
وقد كشفت تجربة الأعوام الستة الماضية مدى تنوع استجابة الإسلاميين للتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وأنه من الصعوبة بمكان إطلاق حكم تعميمي على هذه الاستجابة، أو اعتبارهاً أمراً متشابهاً في جميع الحالات. بل على العكس، ثمة فروق واسعة في ردود فعل الإسلاميين على هذه التغيرات، شأنهم في ذلك شأن بقية التيارات والأحزاب السياسية في العالم العربي. وهو ما ينفي عنهم صفة التطابق، أو التشابه التام، وكأنهم استنساخ لبعضهم بعضاً.
ومن بين ما كشفته تجارب الأعوام الماضية أيضا صعوبة تحويل الشعارات إلى واقع، خصوصاً في ظل عالم متغير يسير باضطراد نحو الضبابية واللايقين، فالشعارات التي صدّرتها تلك الحركات، مثل 'الإسلام هو الحل' وإقامة 'الدولة الإسلامية' و'تطبيق الشريعة' ظلت حبراً علي ورق، بعد وصول بعضهم إلى السلطة أو مشاركته فيها. ولا يتعلق الأمر هنا بالتخلي عن الشعارات نوعاً من التنازل، بقدر ما كان الاصطدام بواقع مختلف وأكثر تعقيداً عن ذلك 'الحلم' الذي عاش فيه الإسلاميون حين كانوا في المعارضة. وكادت الفجوة بين الشعار والواقع أن تفقد هذه الحركات جمهورها، خصوصاً في ظل حالة الخصام والعناد التي مارستها، ولا تزال، الأنظمة والمؤسسات السلطوية تجاهها.
كذلك كشفت التجربة أن ثمة فارقاً كبيراً بين إدارة شؤون الحكم والمعارضة، فانعدام خبرة إسلاميين كثيرين في إدارة الشأن اليومي، وعدم مشاركتهم في السلطة فترات طويلة، جعلهم الأقل كفاءة وقدرة على تلبية طموحات شعوبهم ودوائرهم المؤيدة. وهو أمر بقدر ما قد تُلام عليه الأنظمة السلطوية التي لم تسمح لهؤلاء بالمشاركة في إدارة الشأن العام، فإنه لا ينفي افتقاد الإسلاميين برامج عمل محدّدة، يمكنها أن تعالج قضايا حياتية، كالفقر والبطالة وإدارة
'انعدام خبرة إسلاميين كثيرين في إدارة الشأن اليومي، وعدم مشاركتهم في السلطة فترات طويلة، جعلهم الأقل كفاءة وقدرة على تلبية طموحات شعوبهم ودوائرهم المؤيدة' الدولة...إلخ. وإذا كان يُحسب دائماً للإسلاميين عدم وقوعهم في الفساد الحكومي والمؤسسي والخاص، فإنه يؤخذ عليهم التركيز على مسألة الطاعة والثقة على حساب الكفاءة والمهارة، فيما يخص اختيار قياداتهم وطرق تأهيلهم وتصعيدهم. كما بدا واضحاً، بعد مرور هذه السنوات، أن إدارة الشأن السياسي لا يجب أن تكون من خلال الوعظ وإبداء حسن النية أو نظافة اليد فحسب، وإنما عبر الممارسة والقدرة على الكرّ والفر والتفاوض مع الخصوم قبل الحلفاء.
كذلك كشفت تجارب الإسلاميين أن مسألة الخلط بين النشاطين، الدعوي والسياسي، لا تضر فقط بهم وبتنظيماتهم وقواعدهم وأدائهم، وإنما أيضاً بالحالة السياسية في بلدانهم ككل. وفي الوقت الذي حسمت فيه بعض القوى الإسلامية هذه المسألة، كما هي الحال في تونس والمغرب، فإن أقرانهم في المشرق العربي لا يزالون على حالهم. وهي مسألةٌ على بداهتها وأهميتها، لا تزال محل نقاش وجذب داخل بعض الحركات، بشكلٍ يعكس عدم نضج، وافتقاداً للقدرة على التعلم من التجربة.
كما كشفت التجربة أيضا أن لتماسك الإسلاميين حدوداً، وأن مسألة الانتماء الحزبي والتنظيمي مرتبطة بالقدرة على الإنجاز، وليس فقط الإخلاص والالتزام الديني. كما بيّنت أن الصمت على أخطاء القيادات ورعونتها في إدارة الملفات السياسية والتنظيمية قد يودي بالحركة كلها، ويرفع كلفة ممارسة أعضائها العمل العام. وكشفت أيضاً أن مبدأ الطاعة والولاء والتسليم للقيادات، بحجة شرعيتها التاريخية والتنظيمية، لم يعد كافياً لمنحها صكاً على بياض، لكي تفعل ما تشاء من دون حساب، كما أن الشراكة في إدارة شؤون الحركة وصنع قراراتها لم تعد مسألةً شكلية، وإنما باتت ضرورة.
ومن بين ما كشفته التجربة أيضا أنه من دون أن يحسم الإسلاميون مواقفهم من قضايا أصبحت بديهية، كالمواطنة والحريات الفردية والدولة الوطنية والديمقراطية، لا مستقبل لهم ولمجتمعاتهم. نقول ذلك، ونحن على وعي بأن كثيرين من أقرانهم في التيارات المدنية ليسوا أفضل حالاً منهم. ولكن، يبدو الأمر مختلفاً مع الإسلاميين، ليس لحجم تأثيرهم السياسي والمجتمعي فحسب، وإنما أيضاً بسبب ازدواجية خطابهم وممارساتهم وعدم قدرتهم على حسم هذه المسائل.
يطرح ما سبق تحديات عديدة أمام الإسلاميين، في ظل مناخ محلي وإقليمي ودولي متغير، يحمل من اللايقين والضبابية ما لم يشهده العالم من قبل، بحيث لم تعد هناك قواعد ثابتة للسياسة، وإنما بات الأمر مفتوحاً على جميع الاحتمالات. ويزداد الأمر صعوبةً مع صعود التيارات الراديكالية والمتطرفة شرقاً وغرباً، فظهور تنظيمات عدمية، مثل 'داعش'، وضع الإسلاميين جميعاً في مأزق دفاعي غير مسبوق. كما أن ظهور اليمين المتطرف في الغرب، وجهله بالفروق الشاسعة بين الإسلاميين، حوّل هؤلاء إلى 'عدو' جديد يجب محاصرته وتفكيكه، على نحو ما يفكر الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب.
وقد كشفت تجربة الأعوام الستة الماضية مدى تنوع استجابة الإسلاميين للتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وأنه من الصعوبة بمكان إطلاق حكم تعميمي على هذه الاستجابة، أو اعتبارهاً أمراً متشابهاً في جميع الحالات. بل على العكس، ثمة فروق واسعة في ردود فعل الإسلاميين على هذه التغيرات، شأنهم في ذلك شأن بقية التيارات والأحزاب السياسية في العالم العربي. وهو ما ينفي عنهم صفة التطابق، أو التشابه التام، وكأنهم استنساخ لبعضهم بعضاً.
ومن بين ما كشفته تجارب الأعوام الماضية أيضا صعوبة تحويل الشعارات إلى واقع، خصوصاً في ظل عالم متغير يسير باضطراد نحو الضبابية واللايقين، فالشعارات التي صدّرتها تلك الحركات، مثل 'الإسلام هو الحل' وإقامة 'الدولة الإسلامية' و'تطبيق الشريعة' ظلت حبراً علي ورق، بعد وصول بعضهم إلى السلطة أو مشاركته فيها. ولا يتعلق الأمر هنا بالتخلي عن الشعارات نوعاً من التنازل، بقدر ما كان الاصطدام بواقع مختلف وأكثر تعقيداً عن ذلك 'الحلم' الذي عاش فيه الإسلاميون حين كانوا في المعارضة. وكادت الفجوة بين الشعار والواقع أن تفقد هذه الحركات جمهورها، خصوصاً في ظل حالة الخصام والعناد التي مارستها، ولا تزال، الأنظمة والمؤسسات السلطوية تجاهها.
كذلك كشفت التجربة أن ثمة فارقاً كبيراً بين إدارة شؤون الحكم والمعارضة، فانعدام خبرة إسلاميين كثيرين في إدارة الشأن اليومي، وعدم مشاركتهم في السلطة فترات طويلة، جعلهم الأقل كفاءة وقدرة على تلبية طموحات شعوبهم ودوائرهم المؤيدة. وهو أمر بقدر ما قد تُلام عليه الأنظمة السلطوية التي لم تسمح لهؤلاء بالمشاركة في إدارة الشأن العام، فإنه لا ينفي افتقاد الإسلاميين برامج عمل محدّدة، يمكنها أن تعالج قضايا حياتية، كالفقر والبطالة وإدارة
'انعدام خبرة إسلاميين كثيرين في إدارة الشأن اليومي، وعدم مشاركتهم في السلطة فترات طويلة، جعلهم الأقل كفاءة وقدرة على تلبية طموحات شعوبهم ودوائرهم المؤيدة' الدولة...إلخ. وإذا كان يُحسب دائماً للإسلاميين عدم وقوعهم في الفساد الحكومي والمؤسسي والخاص، فإنه يؤخذ عليهم التركيز على مسألة الطاعة والثقة على حساب الكفاءة والمهارة، فيما يخص اختيار قياداتهم وطرق تأهيلهم وتصعيدهم. كما بدا واضحاً، بعد مرور هذه السنوات، أن إدارة الشأن السياسي لا يجب أن تكون من خلال الوعظ وإبداء حسن النية أو نظافة اليد فحسب، وإنما عبر الممارسة والقدرة على الكرّ والفر والتفاوض مع الخصوم قبل الحلفاء.
كذلك كشفت تجارب الإسلاميين أن مسألة الخلط بين النشاطين، الدعوي والسياسي، لا تضر فقط بهم وبتنظيماتهم وقواعدهم وأدائهم، وإنما أيضاً بالحالة السياسية في بلدانهم ككل. وفي الوقت الذي حسمت فيه بعض القوى الإسلامية هذه المسألة، كما هي الحال في تونس والمغرب، فإن أقرانهم في المشرق العربي لا يزالون على حالهم. وهي مسألةٌ على بداهتها وأهميتها، لا تزال محل نقاش وجذب داخل بعض الحركات، بشكلٍ يعكس عدم نضج، وافتقاداً للقدرة على التعلم من التجربة.
كما كشفت التجربة أيضا أن لتماسك الإسلاميين حدوداً، وأن مسألة الانتماء الحزبي والتنظيمي مرتبطة بالقدرة على الإنجاز، وليس فقط الإخلاص والالتزام الديني. كما بيّنت أن الصمت على أخطاء القيادات ورعونتها في إدارة الملفات السياسية والتنظيمية قد يودي بالحركة كلها، ويرفع كلفة ممارسة أعضائها العمل العام. وكشفت أيضاً أن مبدأ الطاعة والولاء والتسليم للقيادات، بحجة شرعيتها التاريخية والتنظيمية، لم يعد كافياً لمنحها صكاً على بياض، لكي تفعل ما تشاء من دون حساب، كما أن الشراكة في إدارة شؤون الحركة وصنع قراراتها لم تعد مسألةً شكلية، وإنما باتت ضرورة.
ومن بين ما كشفته التجربة أيضا أنه من دون أن يحسم الإسلاميون مواقفهم من قضايا أصبحت بديهية، كالمواطنة والحريات الفردية والدولة الوطنية والديمقراطية، لا مستقبل لهم ولمجتمعاتهم. نقول ذلك، ونحن على وعي بأن كثيرين من أقرانهم في التيارات المدنية ليسوا أفضل حالاً منهم. ولكن، يبدو الأمر مختلفاً مع الإسلاميين، ليس لحجم تأثيرهم السياسي والمجتمعي فحسب، وإنما أيضاً بسبب ازدواجية خطابهم وممارساتهم وعدم قدرتهم على حسم هذه المسائل.
يطرح ما سبق تحديات عديدة أمام الإسلاميين، في ظل مناخ محلي وإقليمي ودولي متغير، يحمل من اللايقين والضبابية ما لم يشهده العالم من قبل، بحيث لم تعد هناك قواعد ثابتة للسياسة، وإنما بات الأمر مفتوحاً على جميع الاحتمالات. ويزداد الأمر صعوبةً مع صعود التيارات الراديكالية والمتطرفة شرقاً وغرباً، فظهور تنظيمات عدمية، مثل 'داعش'، وضع الإسلاميين جميعاً في مأزق دفاعي غير مسبوق. كما أن ظهور اليمين المتطرف في الغرب، وجهله بالفروق الشاسعة بين الإسلاميين، حوّل هؤلاء إلى 'عدو' جديد يجب محاصرته وتفكيكه، على نحو ما يفكر الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب.
نيسان ـ نشر في 2017/01/10 الساعة 00:00