ترامب... طيران فوق عش الوقواق
نيسان ـ نشر في 2017/01/23 الساعة 00:00
جاء خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في حفل تنصيبه مخيباً لآمال المراقبين الذين كانوا يراهنون على أن الرئيس الجديد لن يدخل إلى البيت الأبيض بذات الخطاب الشعبوي الذي درج عليه خلال حملته الانتخابية. ومنذ فوز المرشح الجمهوري على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، دارت نقاشات على مستويات مختلفة، حول التوجهات العامة لسياسة ترامب، وكان لاستشارة رجالات الخبرة من داخل الحزب الجمهوري ومن خارجه، والتعديلات التي حصلت على صعيد الفريق الحكومي أكثر من مرة، صدى إيجابي في الأوساط الداخلية والخارجية، من منطلق أن الرئيس الذي يفتقر إلى تجربة فعلية في الحكم، ربما، يصغي إلى صوت العقل ويعيد النظر بالأطروحات التي اعتمدها للنجاح في حملته الانتخابية، وهي لا تقتصر فقط على توجهاتٍ صادمةٍ في السياسة الخارجية، وإنما أيضا هناك وعود انتخابية أطلقها ترامب تختص بقضايا داخلية أميركية، تتمثل في التراجع عن إنجازات حققتها إدارة بارك أوباما في الصحة والشؤون الاجتماعية والاقتصاد.
على الرغم من أن الرئيس ترامب شكل فريقاً غير متجانس ومتضارب التوجهات، فقد ظل العالم يأمل، حتى اللحظة الأخيرة، بأن يأتي خطاب القسم ليضع خارطة طريق واقعية للمرحلة الأميركية المقبلة، وتنزع فتيل القلق المخيم على الأوساط المحلية والدولية، ولكن الرجل أصر على السير حتى النهاية في طريق التصعيد والاستفزاز والعدوانية والتناقض. وعلى الرغم من أنه كان يتحدث كرئيس، فإنه لم يخرج عن نطاق الشعارات الانتخابية، بل إن نشوة النصر رفعت من درجة هرمون الأدرنالين لديه، وجعلته يحلق فوق الواقع، بعيداً عن أوجاع أميركا والعالم وحتى العصر، إلى حد أنه بدا في لحظة من الخفة يشبه الديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي في شطحاته ذات الطابع الشعبوي الفانتازي، حين كان يلغي الدولة الليبية، ويشطب الحكومة، ويعتبر ليبيا جماهيرية والحكومة لجنة شعبية.
في أول وصلةٍ من خطاب القسم، بدا ترامب يتماهي مع القذافي، حين اعتبر أن واشنطن تستأثر بالثروة الأميركية، في حين أن بقية المناطق لا تحوز نصيبها منها على نحو عادل. وهو هنا لعب على وتر حساس، وخاطب قطاعاً جماهيرياً، كان له دور أساسي في إيصاله إلى سدة الرئاسة، فقد وجه جانباً رئيسياً من حملته الانتخابية للتلاعب بمشاعر الأميركيين العاديين الذين يعيشون في الأرياف والهوامش، والذين فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم، بسبب سوء التخطيط الاقتصادي في العقدين الأخيرين، ومن جرّاء حروب الولايات المتحدة الخارجية في عهد الرئيس الأسبق، جورج بوش الأبن، ومن دون أن يراعي أن سلفه باراك أوباما استطاع حل مشكلة البطالة، وقبل أن يغادر البيت الأبيض كان قد حقق فائضاً في سوق الوظائف، ووفر خلال ولايته الثانية أكثر من 13 مليون وظيفة.
يبدو خطاب ترامب في شقه الاقتصادي مثل خطاب زعيم اشتراكي، جاء كي يخلص المسحوقين من البؤس الذي يعيشون فيه، لكن المفارقة أن الشعارات التي رفعها بدت مربكةً وغير مفهومة، لأن الرئيس الجديد نفسه غير مؤمن بهذه الشعارات من جهة. ومن جهةٍ ثانيةٍ، هي غير ممكنة التحقيق، وتحتاج إلى تنازلاتٍ من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة أولا، الذين حققوا ثروات هائلة في فترة العولمة، بفضل الانفتاح الاقتصادي على المستوى الدولي ورخص الأيدي العاملة خارج الولايات المتحدة والتطور التكنولوجي الكبير. وإذا أراد ترامب أن يطبق رؤيته سيصطدم مع هذه الشريحة أولا، وهذا غير ممكن، لأن بعضها يشكل فريقه الحكومي. عدا هذا، فإنه لن يجد من يسانده من داخل الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، وسيلقى نفسه في مواجهة مفتوحة مع الإعلام الذي لا يكن له وداً منذ زمن طويل.
شعار ترامب الذي سيحسب عليه: 'أميركا أولا'، وهو إضافة الى شقه الحمائي الذي يريد نسف قواعد العولمة، يجاهر بأسلوب القوة لتحقيق طموحات 'أميركا القوية'، وهذا توجه يشمل تغيير المقاربات كافة، من التعاطي مع حلف الأطلسي الذي يعتبره فاقداً للأهلية، حتى مواجهة الإرهاب الذي أصبح اسمه في قاموسه 'الإرهاب الإسلامي'. هذا التنطع يفتح صفحة جديدة لن تكون أقل أعبائها رفع موازنات التسلح، وفتح جبهات خارجية.
لا تبدو طريق ترامب مفروشةً بالحرير، وكل المؤشرات تتجه إلى أن رياح المعارضة القوية سوف تهب ضده من عدة اتجاهات، فالرجل خسر شعبيته، قبل أن يبدأ مزاولة مهامه، وهو يحوز أدنى شعبية في تاريخ الرؤساء الأميركيين 40 في المائة، على عكس سلفه أوباما الذي دخل البيت الأبيض وغادره، وهو يحظى بشعبية قدرها 60 في المائة.
ستكون إدارة ترامب مزيجاً من شركةٍ يتمتع رئيس مجلس إدارتها بتفويض ضيق ومحدود، وحين يعجز عن الوفاء بوعوده، سيجد نفسه محشوراً في الزاوية. شخص عنيد ومزاجي، يمثل دوراً لا يؤمن به، وقد يقوده ذلك إلى تصرفات تؤدي إلى إسقاطه بسرعة.
ما ينتظره العالم من الولايات المتحدة أن تضع ثقلها الفعلي من أجل حل مشكلات البشرية في الحروب والفقر والأمراض والتعليم واحترام حقوق الشعوب، ولا يريد المزيد من التمييز والعنف المستشري بسبب السياسات الرعناء للرئيس الأميركي الأسبق بوش.
على الرغم من أن الرئيس ترامب شكل فريقاً غير متجانس ومتضارب التوجهات، فقد ظل العالم يأمل، حتى اللحظة الأخيرة، بأن يأتي خطاب القسم ليضع خارطة طريق واقعية للمرحلة الأميركية المقبلة، وتنزع فتيل القلق المخيم على الأوساط المحلية والدولية، ولكن الرجل أصر على السير حتى النهاية في طريق التصعيد والاستفزاز والعدوانية والتناقض. وعلى الرغم من أنه كان يتحدث كرئيس، فإنه لم يخرج عن نطاق الشعارات الانتخابية، بل إن نشوة النصر رفعت من درجة هرمون الأدرنالين لديه، وجعلته يحلق فوق الواقع، بعيداً عن أوجاع أميركا والعالم وحتى العصر، إلى حد أنه بدا في لحظة من الخفة يشبه الديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي في شطحاته ذات الطابع الشعبوي الفانتازي، حين كان يلغي الدولة الليبية، ويشطب الحكومة، ويعتبر ليبيا جماهيرية والحكومة لجنة شعبية.
في أول وصلةٍ من خطاب القسم، بدا ترامب يتماهي مع القذافي، حين اعتبر أن واشنطن تستأثر بالثروة الأميركية، في حين أن بقية المناطق لا تحوز نصيبها منها على نحو عادل. وهو هنا لعب على وتر حساس، وخاطب قطاعاً جماهيرياً، كان له دور أساسي في إيصاله إلى سدة الرئاسة، فقد وجه جانباً رئيسياً من حملته الانتخابية للتلاعب بمشاعر الأميركيين العاديين الذين يعيشون في الأرياف والهوامش، والذين فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم، بسبب سوء التخطيط الاقتصادي في العقدين الأخيرين، ومن جرّاء حروب الولايات المتحدة الخارجية في عهد الرئيس الأسبق، جورج بوش الأبن، ومن دون أن يراعي أن سلفه باراك أوباما استطاع حل مشكلة البطالة، وقبل أن يغادر البيت الأبيض كان قد حقق فائضاً في سوق الوظائف، ووفر خلال ولايته الثانية أكثر من 13 مليون وظيفة.
يبدو خطاب ترامب في شقه الاقتصادي مثل خطاب زعيم اشتراكي، جاء كي يخلص المسحوقين من البؤس الذي يعيشون فيه، لكن المفارقة أن الشعارات التي رفعها بدت مربكةً وغير مفهومة، لأن الرئيس الجديد نفسه غير مؤمن بهذه الشعارات من جهة. ومن جهةٍ ثانيةٍ، هي غير ممكنة التحقيق، وتحتاج إلى تنازلاتٍ من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة أولا، الذين حققوا ثروات هائلة في فترة العولمة، بفضل الانفتاح الاقتصادي على المستوى الدولي ورخص الأيدي العاملة خارج الولايات المتحدة والتطور التكنولوجي الكبير. وإذا أراد ترامب أن يطبق رؤيته سيصطدم مع هذه الشريحة أولا، وهذا غير ممكن، لأن بعضها يشكل فريقه الحكومي. عدا هذا، فإنه لن يجد من يسانده من داخل الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، وسيلقى نفسه في مواجهة مفتوحة مع الإعلام الذي لا يكن له وداً منذ زمن طويل.
شعار ترامب الذي سيحسب عليه: 'أميركا أولا'، وهو إضافة الى شقه الحمائي الذي يريد نسف قواعد العولمة، يجاهر بأسلوب القوة لتحقيق طموحات 'أميركا القوية'، وهذا توجه يشمل تغيير المقاربات كافة، من التعاطي مع حلف الأطلسي الذي يعتبره فاقداً للأهلية، حتى مواجهة الإرهاب الذي أصبح اسمه في قاموسه 'الإرهاب الإسلامي'. هذا التنطع يفتح صفحة جديدة لن تكون أقل أعبائها رفع موازنات التسلح، وفتح جبهات خارجية.
لا تبدو طريق ترامب مفروشةً بالحرير، وكل المؤشرات تتجه إلى أن رياح المعارضة القوية سوف تهب ضده من عدة اتجاهات، فالرجل خسر شعبيته، قبل أن يبدأ مزاولة مهامه، وهو يحوز أدنى شعبية في تاريخ الرؤساء الأميركيين 40 في المائة، على عكس سلفه أوباما الذي دخل البيت الأبيض وغادره، وهو يحظى بشعبية قدرها 60 في المائة.
ستكون إدارة ترامب مزيجاً من شركةٍ يتمتع رئيس مجلس إدارتها بتفويض ضيق ومحدود، وحين يعجز عن الوفاء بوعوده، سيجد نفسه محشوراً في الزاوية. شخص عنيد ومزاجي، يمثل دوراً لا يؤمن به، وقد يقوده ذلك إلى تصرفات تؤدي إلى إسقاطه بسرعة.
ما ينتظره العالم من الولايات المتحدة أن تضع ثقلها الفعلي من أجل حل مشكلات البشرية في الحروب والفقر والأمراض والتعليم واحترام حقوق الشعوب، ولا يريد المزيد من التمييز والعنف المستشري بسبب السياسات الرعناء للرئيس الأميركي الأسبق بوش.
نيسان ـ نشر في 2017/01/23 الساعة 00:00