زمن الهذيان بين مقدمة ابن خلدون ومؤخرة كيم كاردشيان

بسيم الصعوب
نيسان ـ نشر في 2015/06/04 الساعة 00:00
ما كان صباح الثلاثاء كباقي صباحاتي ... أستيقظت مسكونا بما حفرته شاشات التلفزة العربية في ذاكرتي من مشاهد ينبعث منها لون الدم القاني النازف في سوريا, أو رائحة البارود الذي أزكم أنف اليمن السعيد, أو صرخات البشر التائهين بين المعابر عند حدود العسكر يعلقون المشانق لأبنائهم قبل المقتولين فقرا وجوعا وحصارا .. ولم تكن ساعات النوم كفيلة أن تحجب عني صوت العراق و صورة إنسان نحر على مذبح الردّة ... التقط هاتفي بتثاقل, حالي أشبه بالواقع العربي, تتلمسه أصابعي معلنة جولة الصباح طارقا باب البيت الأزرق لأجد سيّده مارك زوكربيرج يخطب وداد ابن خلدون الذي عاش سنة 1300 ميلادية بقراءة كتابه المقدمة ! محظوظ أنت يا مارك فقد منحك فيس بوك وقتا كافيا لتقرأ كتاب مقدمة ابن خلدون الذي لا يعلم الكثير منا أنه أحد أمهات الكتب العربية ورمز شاهد على الحضارة الإسلامية, وقد وضعها مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المولود فى تونس من أصل أندلسي والمتوفى فى مصر. سيد زوكربيرج سيحتسي قهوته الصباحية وبين يديه مقدمة تـُـعد واحدة من ضمن قائمة أكثر عشرة كتب تأثيرا على البشرية، شملت العمران والتاريخ والسياسة والطب وعلم الاجتماع، رغم أنها فى الأصلمجرد مقدمة لكتاب من عدة مجلدات هو "كتاب العبر". ستصبح نظرتك بعد اليوم يا مارك أعمق وأوسع تتخطى مؤخرة كيم كارديشيان تاركا إياها لعيون العرب تتبعها على شاشات التلفاز وبرامج الواقع، وكأن حال الواقع العربي بات ينقصه فقط مؤخرة كاردشيان، فتتصدر أخبارَ الصحافة العربية المقروءة والمسموعة والمرئية وهي تتنقل بين العواصم المترفة حدّ الصخب مغدقة عليها ما تجود به أنفسهم من ريالات ودنانير ودراهم ثمنا لحقن البوتكس التي ستحافظ على ما يجعلهم مستفيقين على مدار الساعة يرقبونها كلّما اهتزت.. فاختصروا أمانيهم وسخّروا أموالهم وآلتهم الإعلامية للحديث عن الامكانات العملاقة ذات الجماهيرية الواسعة والعريضة للسيدة كاردشيان .. بينما غاب عن أذهان علمائهم الذين لا يمتلكون سوى العقول فتركوا يلقون مصيرهم في التصفيات الجسدية في غفلة كانت فيها أعينهم صوب المؤخرة لا غير, ومن هم أحسن حالا كانوا يصوتون في التصفيات النهائية لمطربي الغد .. سيد زوكربيرج قد لا يكون حظي عاثرا كثيرا فيتسنى لك قراءة مقالي هذا ... لتخبر ابن خلدون أن من تركت لهم المقدمة باتوا في المؤخرة وهم اليوم شعوبا متناحرة يأكل قويّهم الضعيف بصورة تستنكرها حتى عصور الجاهلية , أخبره أنه يعيش في عالمه العربي 11 مليون شخص على أقل من دولار واحد في اليوم, أي يعيشون فقرا مدقعا حقيقيا, وزده من الشعر بيتا بأن نسبة الأمية في أمته من أعلى النسب في العالم حيث بلغت 100 مليون أمي أعلاها في مصر ثم السودان ثم الجزائر فالمغرب واليمن .. أخبره أن العرب المعاصرين «بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ»ينعمون بالتقدم الشكلي والتخلف الجوهري، إذااختلفوا خاصموا، وإذا خاصموا فجروا, وإذا اختلفت معهم فأنت عميل وإذا وافقتهم، فأنت جميل. قدّموا المؤخرة وأخروا المقدمة فتلقفها زوكربيرج مستحضرا قول الخليفة عمر بن عبد العزيز حين قال : " إنْ استطعت فكن عالماً ، فإنْ لم تستطع فكن مُتعلِـّماً ،فإنْ لم تستطع فأحبّهم ، فإنْ لم تستطع فلا تبغضهم " طوبى لك يا مارك وانت تحتضن ابن خلدون وتترك أحفاده يحتضنون مؤخرة كيم كارديشيان وما بين المقدمة والمؤخرة نحيا زمن الهذيان .. ساتركك سيد مارك وسأذهب لأحتسي قهوتي المرّة حدادا على سواد أيامنا ..
    نيسان ـ نشر في 2015/06/04 الساعة 00:00