عبد القادر عبداللي... ورفاقه
نيسان ـ نشر في 2017/03/12 الساعة 00:00
عندما أعلنت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، في دورتها الثانية (العام 2016)، أن اللغة الإسبانية هي الثانية (مع الإنكليزية) للترجمة منها وإليها، كان طبيعيا توقّع أن يكون الفلسطيني السوري، صالح علماني، أحد الفائزين. وهو ما كان، فقد نال المترجم العربي الأبرز عن الإسبانية الجائزة الأولى (100 ألف دولار)، عن ترجمته رواية التشيلية مارثيلا سيلانو، 'عشر نساء'. تماما، لمّا أعلنت الجائزة، في دورتها الأولى، أن التركية هي اللغة الثانية للترجمة منها وإليها، كان طبيعيا توقّع أن يكون السوري عبد القادر عبداللي أحد الفائزين. وهو ما كان، فقد نال المترجم العربي الأبرز عن التركية الجائزة الثانية (60 ألف دولار)، عن ترجمته رواية أحمد حمدي طانبنار 'طمأنينة'. ولا شطط في القول إن الجسر العربي مع الثقافة التركية، آدابا وفنونا في الخصوص، انهدم جزءٌ حيويٌّ منه، بوفاة عبداللي، عن 61 عاما قبل أيام، فهو الذي نقل إلى العربية أزيد من 60 كتابا، بعضها في التاريخ، وأكثرها في الرواية والقصة، ونقل أيضا نحو عشرين عملا عربيا إلى التركية. ما يعني أن خسارة جيراننا وأصدقائنا الأتراك كبيرةٌ أيضا برحيل هذا الكاتب الأيقونة، الرسام والصحافي، والذي كان مؤسسةً نشطة، في دأبه، وهو الجندي المجهول وراء ذيوع مسلسلاتٍ تلفزيونية بين المشاهدين العرب أخيرا، ترجمها مع أعمال سينمائية وتلفزيونية وثائقية أخرى.
نموذج عبد القادر عبداللي نادر، في مواظبته الجدّية على الإنجاز المتقن، ولا يمكن استذكار حياته، بغير إعجاب خاص، ولا سيما أنه، رحمه الله، حافظ دائما على احترامه نفسه، وزاول موقعه مثقفا منخرطا في تمثّل شعبه، قبل الثورة السورية وفي أثنائها. وقد لفت أنظار القراء العرب، منذ إصداره في 1989 ترجمته رواية عزيز نسين البديعة 'زوبك' (اقتُبس منها مسلسل دريد لحام 'الدوغري'، إخراج هيثم حقي)، حتى توالت إصداراته التي لم تتوقّف، ليشار كمال وأورهان باموق وغيرهما من أعلام الأدب التركي الحديث. ونظننا محظوظين بشغف عبد القادر عبداللي بعمله، وبحبه ما كان يصنع، وربما لولاهما لما تيسّر للمكتبة العربية أن تنضاف فيها هذه النصوص، بعد أن ترجم سابقون أشعار ناظم حكمت، وساهم قليلون بترجماتٍ متفرقة عن التركية.
من دون جدّيةٍ في العمل، لا يصير منجز المترجم نوعياً، فالترجمة إبداعٌ ومعرفة وخبرة، وعلى كثرة ما صار بين ظهرانينا من مترجمين، عن الانكليزية والفرنسية خصوصا، إلا أن ما من مؤتمر أو ملتقىً عن الترجمة ومشكلاتها، ينعقد في الدوحة وأبوظبي والقاهرة وغيرها، إلا وأضاء على رداءاتٍ وفيرة في ترجماتٍ كثيرة رائجة ومشهورة، وعلى أخطاء جسيمة فيها، وعلى استسهال تجاري مرذول في إصداراتٍ بلا عدد، في غير عاصمة عربية. وإلى هذا الأمر، ثمّة النقصان الفادح في إطلالات الثقافة العربية على اللغات الأخرى، فإن حظيت الإسبانية بصالح علماني (وآخرين لهم مكانتهم)، وإن حظيت التركية بالراحل عبد القادر عبداللي (وآخرين قلة)، فإن اللغات والآداب (والثقافات) الأخرى ما تزال ناقصة الحضور في مجهود الترجمة إلى العربية (من غير اللغات الوسيطة خصوصا). وهنا، يحسن التأشير إلى الدور الحيوي، المتميز، لأستاذ الأدب الألماني، المترجم المصري مصطفى ماهر، في ترجماته عن الألمانية، وكذا المترجم المصري عن اليونانية نعيم عطية. ومن المبكّرين، لا يجوز إغفال الإشارة إلى المجهود الاستثنائي للسوري سامي الدروبي، في ترجمته (عن الانكليزية) أعمال ديستويفسكي، وترجماته نصوصا فلسفية وفيرة. وكذا مجهود جورج طرابيشي اللافت (عن الفرنسية) في ترجمة أعمال سيغموند فرويد، ونصوصا وفيرة لغيره، وفي البال أيضا انتباهات الأردني عيسى الناعوري، المبكرة، إلى الأدب الإيطالي.
تأخذنا واقعة رحيل عبد القادر عبداللي، في أثناء عمله المتواصل، إلى إطلالةٍ واجبة على منجزه الكثير، في الضفتين، التركية والعربية، وإلى سؤال الترجمة في فضاء الثقافة العربية الراهنة، أيّ حال وأيّ مشكلات.. وأيّ فقدٍ لمثالٍ كانه عبداللي، وأيّ فداحةٍ من ندرة أمثاله في ضفتنا العربية... الثقافية الإنسانية طبعا. العربي الجديد
نموذج عبد القادر عبداللي نادر، في مواظبته الجدّية على الإنجاز المتقن، ولا يمكن استذكار حياته، بغير إعجاب خاص، ولا سيما أنه، رحمه الله، حافظ دائما على احترامه نفسه، وزاول موقعه مثقفا منخرطا في تمثّل شعبه، قبل الثورة السورية وفي أثنائها. وقد لفت أنظار القراء العرب، منذ إصداره في 1989 ترجمته رواية عزيز نسين البديعة 'زوبك' (اقتُبس منها مسلسل دريد لحام 'الدوغري'، إخراج هيثم حقي)، حتى توالت إصداراته التي لم تتوقّف، ليشار كمال وأورهان باموق وغيرهما من أعلام الأدب التركي الحديث. ونظننا محظوظين بشغف عبد القادر عبداللي بعمله، وبحبه ما كان يصنع، وربما لولاهما لما تيسّر للمكتبة العربية أن تنضاف فيها هذه النصوص، بعد أن ترجم سابقون أشعار ناظم حكمت، وساهم قليلون بترجماتٍ متفرقة عن التركية.
من دون جدّيةٍ في العمل، لا يصير منجز المترجم نوعياً، فالترجمة إبداعٌ ومعرفة وخبرة، وعلى كثرة ما صار بين ظهرانينا من مترجمين، عن الانكليزية والفرنسية خصوصا، إلا أن ما من مؤتمر أو ملتقىً عن الترجمة ومشكلاتها، ينعقد في الدوحة وأبوظبي والقاهرة وغيرها، إلا وأضاء على رداءاتٍ وفيرة في ترجماتٍ كثيرة رائجة ومشهورة، وعلى أخطاء جسيمة فيها، وعلى استسهال تجاري مرذول في إصداراتٍ بلا عدد، في غير عاصمة عربية. وإلى هذا الأمر، ثمّة النقصان الفادح في إطلالات الثقافة العربية على اللغات الأخرى، فإن حظيت الإسبانية بصالح علماني (وآخرين لهم مكانتهم)، وإن حظيت التركية بالراحل عبد القادر عبداللي (وآخرين قلة)، فإن اللغات والآداب (والثقافات) الأخرى ما تزال ناقصة الحضور في مجهود الترجمة إلى العربية (من غير اللغات الوسيطة خصوصا). وهنا، يحسن التأشير إلى الدور الحيوي، المتميز، لأستاذ الأدب الألماني، المترجم المصري مصطفى ماهر، في ترجماته عن الألمانية، وكذا المترجم المصري عن اليونانية نعيم عطية. ومن المبكّرين، لا يجوز إغفال الإشارة إلى المجهود الاستثنائي للسوري سامي الدروبي، في ترجمته (عن الانكليزية) أعمال ديستويفسكي، وترجماته نصوصا فلسفية وفيرة. وكذا مجهود جورج طرابيشي اللافت (عن الفرنسية) في ترجمة أعمال سيغموند فرويد، ونصوصا وفيرة لغيره، وفي البال أيضا انتباهات الأردني عيسى الناعوري، المبكرة، إلى الأدب الإيطالي.
تأخذنا واقعة رحيل عبد القادر عبداللي، في أثناء عمله المتواصل، إلى إطلالةٍ واجبة على منجزه الكثير، في الضفتين، التركية والعربية، وإلى سؤال الترجمة في فضاء الثقافة العربية الراهنة، أيّ حال وأيّ مشكلات.. وأيّ فقدٍ لمثالٍ كانه عبداللي، وأيّ فداحةٍ من ندرة أمثاله في ضفتنا العربية... الثقافية الإنسانية طبعا. العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2017/03/12 الساعة 00:00