كربلاء واخواتها (2).. اخطاء كبيرة
نيسان ـ نشر في 2017/04/19 الساعة 00:00
كان ثوار كربلاء قلقين من امكانية زحف الجيش على مدينتهم من جهتي الرزازه والوند ، اما الرزازة فهي بحيرة كبيرة تقع غرب المدينة وتبعد عنها 17 كم ، تنتشر حولها معسكرات ضخمه للحرس الجمهوري ومراكز للتدريب وقواعد جويه ومخازن للعتاد وسجون واماكن للاعدامات . واما الوند فتبعد عن المدينة 15 كم وعلى جانبيها بساتين وارفه يصعب القتال داخلها ، لم يدخل الجيش الوند حتى الساعة الرابعة من مساء الثلاثاء ، اول ايام الانتفاضة بسبب انشغاله بتأمين خاصرة بغداد ( قضاء المسيب التابع لمحافظة بابل ) فالعاصمه العراقية ترتبط بخط دفاعي يمتد من المحاويل الى المسيب ، تولت حماية معسكرات المحاويل عشائر الدليم الشيعية التي قررت الانضمام الى قوات السلطة ، اما قضاء المسيب فلم تسقط معسكراته بيد الثوار ، زحفت عليه الوية الحرس الجمهوري وقصفته قصفا وحشيا ودار في شوارعه قتال شرس كانت الغلبة فيه للحرس الجمهوري .
مبنيا شعبة الصمود ومقر الجيش الشعبي بنيا ليكونا قلعتين ،وسراديبهما تحوي اسلحه تكفي ثوار كربلاء من المقاومة شهرين ، تم حصارهما اول ايام الثورة ، ارسلت تعزيزات حكومية للمبنيين عززت روح المقاومة ، لكن من جهة اخرى زادت تعزيزات الثوار فقلت حماسة المحاصرين ، وعند الفجر قرروا الانسحاب .
هنا يروي المؤلف ما يمكن ان يقال عنه المضحك المبكي ، فقصة حارس مبنى شعبة الصمود / منصور كاظم تتلخص في انه كُلف بنقل الرصاص والقذائف من السراديب الى سطح المبنى ، ثم تعاون هو وزميله المحاسب عند الحائط الخلفي للمبنى لتسهيل هروب المحاصرين ، شبكا ايديهما يعينان الحزبيين على الصعود والتشبث بنهاية السور العالي ثم القفز الى الساحة الخلفية تحت وابل من رصاص الثوار ، اقتحم الثوار المبنى وبدأوا باطلاق النار عليهم قرب الحائط ، كان منصور كاظم قد عبر السور وبقيت ساقه متأرجحة باتجاه الثوار ، اصابوها برصاصة، وقتلوا زميله المحاسب وتمكن منصور من الهرب الى بيت اخيه في حي البناء الجاهز ، وعندما احتل الحرس الجمهوري هذا الحي بعد القضاء على الثورة اعتبروا كل مدني مصاب من الثوار ، اخرجوا منصور من المنزل معصوب العينين بين صراخه وتوسلاته ، وبعد انجلاء الحقيقة رد اعتباره ومنحت عائلته ثلاثة انواط شجاعه وراتبا كبيرا ومنزلا وسيارة ، اما هو فقد رقد في مقبرة كربلاء وفي جسده رصاصتان ، واحده ( ثوريه ) في الساق ، والاخرى ( جمهورية) في الرأس .
ما ان اذاعت محطة الثوار بيانا يبشر الكربلائيين بسقوط شعبة الصمود ومقر الجيش الشعبي ، حتى سارعت المدينة كلها باتجاه المبنيين ، دخل الناس الى السردابين بلا سلاح وخرجوا محملين بشتى انواع الاسلحه ، رشاشات قاذفات بنادق ومسدسات ،وايضا بدلات الحرب الكيماويه واقنعة للغازات السامه ومعدات اخرى كثيره . وبدأ كل قيادي في الثوره يحضر للموقع مع جماعته ويغرف من الاسلحه ويمضي بها في سيارة نقل ، من هؤلاء القياديين يذكر المؤلف ( سليم ظاهر العرداوي ) كان يعمل ميكانيكيا للسيارات في الحي الصناعي ، وعقب الثوره ارتدى عمامة خضراء وتسمى بلقب السيد ، وقاد مجموعة مقاتله . ايضا النقيب احمد خضير ابو حمره الذي انضم للثوار وقاد جماعة من سبعة ثوار ، وشارك في كل نشاطات الثورة ، وعند سقوطها اعدم الجيش جماعته السبعه ورُقّي هو الى رتبة رائد ونقل الى بغداد .
بدأت بيانات الثورة تصرخ متوسلة من الروضة العباسية بتسليم الاسلحة التي لا يستفيد منها اصحابها بهدف تدعيم السواتر حول المدينة .
وبدأت عمليات السلب والنهب واستمرت في المدينة ثلاثة ايام ، لا يتسع المجال هنا لذكر كل مشاهد الاقتحامات لمؤسسات الدولة ومنازل الحزبيين وقصورهم وتفريغ محتوياتها من كل شيء ، يقول المؤلف ان جميع ما نهب من الكويت اثناء الغزو قد تم الاستيلاء عليه من قبل الناس صغارا وكبارا ، رجالا ونساءا ، حتى بدو كربلاء اقتربوا بخيامهم من المخازن ونقلوا كل ما استطاعوا ان ينقلوه على دوابهم . ضاقت البيوت بالغنائم ، والمفارقة انه بعد استعادة السيطرة على المدينة من قبل الحرس الجمهوري احتار الناس اين يخبئون مسروقاتهم وتخلصوا منها بطرق عجيبه .
استولى الناس على مخازن وزارة التجارة التي تبين انها تحوي المخزون الاستراتيجي لمنطقة الفرات الاوسط . مخازن اخرى نهبوا منها الادوات الكهربائيه وقطع الغيار وادوات البناء والمعدات الطبيه والصيدلانيه . حزبيه تدعى سليمه رسول مهدي، تعمل فراشة في ملجأ للعجزه ، قادت مجموعة من النسوة واقتحمت الدار واستولت على المواد الغذائيه والاجهزة والادوات ، كانت تدفع العاجز عن سريره وتستولي على فراشه وسريره . مجموعة اخرى قادها عربي يحمل الجنسية المصرية يدعى عادل الموجي من المنصوره اقتحم مصنع التمور واحرق محتويات عشرة مخازن من التمور تكفي سكان المدينة لخمس سنوات ، اعتبرته قيادة الثورة مذنبا واعدمته في الروضة العباسيه . مجموعة اخرى توجهت الى معمل النسيج الاهلي ، توسل حارسه عمران العزاوي للثوار ترك المصنع لانه يعيل الف عامل من سكان المدينة ، تركوه ثم عادوا اليه مرارا واخيرا سرقوا المصنع ثم احرقوه .
ذكرت في الجزء الاول من المقال ان مصنع تعليب فواكه كربلاء اصبح من ممتلكات حسين كامل بعد ان اشتراه من الدوله ، وعقب الثوره تحركت مجموعة من الثوار الى المصنع لنهبه وحرقه ، الا ان احد موظفي دائرة اوقاف كربلاء ويدعى حامد صبري الطائي وقف خطيبا عند بوابته الرئيسيه ليقول للثوار ان المصنع درة تاج الكربلائيين ، وما حسين كامل الا لص استولى عليه بغير وجه حق ،والمصنع اعال كثيرا من العائلات الكربلائية وهو اليوم ملك للثورة وابنائها وكل من يخربه او ينهبه هو خائن للثورة والوطن ، وهكذا حفظ حسين كامل مصنعه من النهب ، واصبح حامد الطائي احد مدراء المصنع وحصل على بيت وسياره في الاسبوع الاول من احتلال الجيش للمدينه .
المستوصفات نهبت ادويتها ، خزن الناس الادوية في البيوت دون ان يعرفوا لماذا يخزنونها ، وحينما اقترب الجيش من المدينة تخلصوا منها برميها في الشارع ، اقتحمت مجموعة دائرة الارصاد الجويه ، حملوا معداتها من دون ان يعرفوا ماذا يفعلون بها .
تصفية حسابات :
قتلى السلطة زادوا ، تولت قيادة الثورة محاكمتهم ورميهم بالرصاص او شنقهم في قاعة كبيرة على الجانب الايسر من باب القبله العباسيه نصبت فيها اربع مشانق ، ومن ينفذ من تقطيع الجماهير تتسلمه المشنقه ، وعندما سقطت الثوره زار صدام هذه القاعه وطلب عدم تنظيف ارضيتها من الدماء وتركيب زجاج فوقها وتحويل القاعه الى متحف .
مع وجود السلاح في ايدي الجميع فان عمليات قتل من نوع آخر انتشرت في المدينة ، هي عمليات تصفية حسابات وعداوات قديمه بين الاسر والاهالي ، احدهم ويدعى عبد الحسن الصفار اقتحم مع ثلاثة اخرين منزل ضابط امن وسرقوا محتوياته واختلفوا على تقسيم المسروقات ، فوجدت جثته لاحقا قرب محول كهرباء ،
امرأة كانت خلافاتها مع زوجها تنظر امام المحاكم ، وجدت جثة الزوج في حي العامل ممزقة بالرصاص واتهمت زوجته بقتله ، من اراد ان يغسل شرفه الملوث من العار ، ومن ارادوا ان يعاقبوا صهرهم لانه احضر لابنتهم ضرة ، الكل اصبح الحكم والجلاد .
يرصد المؤلف بعض مظاهر التحول المهمه بعد ( الثوره) كانخفاض اسعار المواد التموينيه ، والاهم انه ولاول مرة منذ عام 1968 تمت اقامة الشعائر الحسينية في عاشوراء ، وهو امر كان حزب البعث قد منعه . في الحقيقة لم افهم لماذا اقاموا شعائر عاشوراء في شهر شعبان ، ربما كلمات المؤلف بحرفيتها توضح ما صعب علي فهمه ( عرّى الكربلائيون صدورهم المكلومه، لطموها ، وراحوا يبكون على الحسين ، يبكونه لاول مرة منذ عقود، ذلك البكاء الممنوع والحرقة المخنوقة والعبرات المحبوسه) .
يقفز المؤلف من بين السطور فجأة بحكاية جديدة من حكاياته ورؤيته الخاصه فيما يجري فيقول انه كان مفتونا بالثورة مهووسا بالمشاركة في خضم احداثها ، ولكنه كلما اراد الدخول في معمعتها اوقفته واقعة انتظرها ليعيد النظر من جديد ويحاول فك رموز وطلاسم عديده تمر امامه . لم يهتف لم ينهب لم يقتل ، ومع ذلك ناله عقاب اليم من النظام بعد سقوط الثوره.
عباراته هذه كانت مقدمة لتعرية وكشف اهم اخطاء الثورة التي عجلت بسقوطها ويمكن تلخيصها بالآتي :-
- افدح اخطاء الثورة كانت في عدم تحييد الحرس الجمهوري ، فقد خرجت الثورة لتواجهُه مسلحةً بكل انواع الاسلحة تزرع الموت في صفوفه ، لم تعطه زهره ، لم ترش عليه ماء ورد كما فعل المتظاهرون في مانيلا ضد جيش ماركوس على سبيل المثال .
- بعض شعارات الثورة اعطت الفرصة لصدام ان يحاصرها بشعاراتها ويقضي عليها ، وكل شعار غير واقعي اطلقته الثورة كان يوما جديدا في حياة نظام صدام فالتف الحرس الجمهوري حوله .
- سوء التنسيق بين المحافظات الثائره او عدم وجوده اصلا ،كانت كل محافظة محررة تعمل بمفردها ، وتعمل كل منطقة في المحافظة بمفردها ، ويعمل كل ثائر حسب اجتهاده . واخفى الناس الاسلحة التي كانت الثورة بامس الحاجة اليها .
- التصور الساذج لسيناريو اسقاط صدام الذي اطلقه البعض . كان المؤلف جالسا امام منزله في اليوم الثالث للانتفاضة عندما مر من امامه طالب يدعى بشير داخل العلي على دراجته الهوائيه واخبره الآتي ( ذاهبون غدا الى بغداد نقود خمسمئة دراجة هوائيه من كربلاء ومثلها من النجف وبابل ، نقبض على الطاغية ونصحبه معنا الى كربلاء لنحاكمه امام محكمة خاصة للثوار ، ثم نعدمه بين الحرمين) .
- مساهمة الاذاعات الاجنبية مساهمة فعالة في عمليات الخداع ، اذ نشطت اذاعة لندن بالعربيه لاذاعة الاخبار الملفقة حول هذا الموضوع ، وتؤكد خلال نشراتها ان صدام بات يبحث عن ملجأ .
لكن الحقيقة ان صدام كان يشرف على معاركه في المحافظات من بغداد بكل اتزان وروية ، ارسل اقرب المقربين اليه على رأس اخلص الجيوش وحاصر المدن ودكها بلا رحمة او شفقه.
بداية النهايه :-
شاهد الاهالي طائرة هليكوبتر تحلق فوق الروضة العباسية ثم اختفت بين البساتين ، زفوا البشرى لبعضهم بان هذه هي طائرة الامام ابو القاسم الخوئي ، لكن الطائرة عادت للتحليق مرة ثانية فوق منزل المؤلف فتصدى لها الثوار بالهاونات والمدافع ، اصبح الموقف غريبا وارتبك الجميع ، حلقت الطائرة على ارتفاع شاهق والقت حمولتها من المناشير التي تهدد السكان بان الحرس الجمهوري سيلقي على المدينة اسلحة كيماويه .
وبدء التحضير للمعركة ، قطعت المياه عن المدينة ، سيطروا على مجرى نهر الحسينيه الذي يمر بشمالها ، وعانى السكان من ازمة مياه خانقه للايام التاليه .
في تلك الاثناء كانت المعارك على اطراف المدينة طاحنة ضاريه ، لم يكن القتال سهلا على آليات الحرس الجمهوري ، فبساتين كربلاء عميقة وكثيفة تتصل ببعضها حتى الروضتين ، لذلك كانت الغلبة في البداية للثوار ، كان لكربلاء اهمية خاصة عند صدام لاعتقاده ان القيادة العليا للثورة في العراق مقرها الروضة العباسية ، لذلك انتقى من اقرب المقربين اليه حسين كامل وانتقى معه اقوى القوات واخلصها واحسن الآليات والمعدات فكانت معركة كربلاء اهم معارك الحرس الجمهوري والمحافظات .
كان اليوم الخامس من الثورة حدا فاصلا بين كربلاء والموت ، قرر حسين كامل ان ينقض على المدينة وهي بلا ماء ولا كهرباء ولا ادوية ،وفي قلة من السلاح والذخائر .
استيقظ الكربلائيون على صوت طائرة هليكوبتر تحلق على علو منخفض ، لان مدافع وهاونات الثوار نفذت ذخائرها ، وانطلق صوت ستيريو من الطائرة يحذر السكان :
- يا أهالي كوربولاء ،
امر يدعو الى الاستغراب ، اليس الجيش الذي يقصفهم عراقيا ، فكيف ينطق عراقي اسم مدينة مقدسه بهذا الشكل ،ومن اين جاء صدام بهؤلاء ؟
عاد الصوت من سماعة الطائره يردد :
يا اهالي كوربولاء
القوا بأسلحتكم
اخرجوا من المدينة
ومن لم يلق سـ .....
ومن لا يخرج سـ ......
مبنيا شعبة الصمود ومقر الجيش الشعبي بنيا ليكونا قلعتين ،وسراديبهما تحوي اسلحه تكفي ثوار كربلاء من المقاومة شهرين ، تم حصارهما اول ايام الثورة ، ارسلت تعزيزات حكومية للمبنيين عززت روح المقاومة ، لكن من جهة اخرى زادت تعزيزات الثوار فقلت حماسة المحاصرين ، وعند الفجر قرروا الانسحاب .
هنا يروي المؤلف ما يمكن ان يقال عنه المضحك المبكي ، فقصة حارس مبنى شعبة الصمود / منصور كاظم تتلخص في انه كُلف بنقل الرصاص والقذائف من السراديب الى سطح المبنى ، ثم تعاون هو وزميله المحاسب عند الحائط الخلفي للمبنى لتسهيل هروب المحاصرين ، شبكا ايديهما يعينان الحزبيين على الصعود والتشبث بنهاية السور العالي ثم القفز الى الساحة الخلفية تحت وابل من رصاص الثوار ، اقتحم الثوار المبنى وبدأوا باطلاق النار عليهم قرب الحائط ، كان منصور كاظم قد عبر السور وبقيت ساقه متأرجحة باتجاه الثوار ، اصابوها برصاصة، وقتلوا زميله المحاسب وتمكن منصور من الهرب الى بيت اخيه في حي البناء الجاهز ، وعندما احتل الحرس الجمهوري هذا الحي بعد القضاء على الثورة اعتبروا كل مدني مصاب من الثوار ، اخرجوا منصور من المنزل معصوب العينين بين صراخه وتوسلاته ، وبعد انجلاء الحقيقة رد اعتباره ومنحت عائلته ثلاثة انواط شجاعه وراتبا كبيرا ومنزلا وسيارة ، اما هو فقد رقد في مقبرة كربلاء وفي جسده رصاصتان ، واحده ( ثوريه ) في الساق ، والاخرى ( جمهورية) في الرأس .
ما ان اذاعت محطة الثوار بيانا يبشر الكربلائيين بسقوط شعبة الصمود ومقر الجيش الشعبي ، حتى سارعت المدينة كلها باتجاه المبنيين ، دخل الناس الى السردابين بلا سلاح وخرجوا محملين بشتى انواع الاسلحه ، رشاشات قاذفات بنادق ومسدسات ،وايضا بدلات الحرب الكيماويه واقنعة للغازات السامه ومعدات اخرى كثيره . وبدأ كل قيادي في الثوره يحضر للموقع مع جماعته ويغرف من الاسلحه ويمضي بها في سيارة نقل ، من هؤلاء القياديين يذكر المؤلف ( سليم ظاهر العرداوي ) كان يعمل ميكانيكيا للسيارات في الحي الصناعي ، وعقب الثوره ارتدى عمامة خضراء وتسمى بلقب السيد ، وقاد مجموعة مقاتله . ايضا النقيب احمد خضير ابو حمره الذي انضم للثوار وقاد جماعة من سبعة ثوار ، وشارك في كل نشاطات الثورة ، وعند سقوطها اعدم الجيش جماعته السبعه ورُقّي هو الى رتبة رائد ونقل الى بغداد .
بدأت بيانات الثورة تصرخ متوسلة من الروضة العباسية بتسليم الاسلحة التي لا يستفيد منها اصحابها بهدف تدعيم السواتر حول المدينة .
وبدأت عمليات السلب والنهب واستمرت في المدينة ثلاثة ايام ، لا يتسع المجال هنا لذكر كل مشاهد الاقتحامات لمؤسسات الدولة ومنازل الحزبيين وقصورهم وتفريغ محتوياتها من كل شيء ، يقول المؤلف ان جميع ما نهب من الكويت اثناء الغزو قد تم الاستيلاء عليه من قبل الناس صغارا وكبارا ، رجالا ونساءا ، حتى بدو كربلاء اقتربوا بخيامهم من المخازن ونقلوا كل ما استطاعوا ان ينقلوه على دوابهم . ضاقت البيوت بالغنائم ، والمفارقة انه بعد استعادة السيطرة على المدينة من قبل الحرس الجمهوري احتار الناس اين يخبئون مسروقاتهم وتخلصوا منها بطرق عجيبه .
استولى الناس على مخازن وزارة التجارة التي تبين انها تحوي المخزون الاستراتيجي لمنطقة الفرات الاوسط . مخازن اخرى نهبوا منها الادوات الكهربائيه وقطع الغيار وادوات البناء والمعدات الطبيه والصيدلانيه . حزبيه تدعى سليمه رسول مهدي، تعمل فراشة في ملجأ للعجزه ، قادت مجموعة من النسوة واقتحمت الدار واستولت على المواد الغذائيه والاجهزة والادوات ، كانت تدفع العاجز عن سريره وتستولي على فراشه وسريره . مجموعة اخرى قادها عربي يحمل الجنسية المصرية يدعى عادل الموجي من المنصوره اقتحم مصنع التمور واحرق محتويات عشرة مخازن من التمور تكفي سكان المدينة لخمس سنوات ، اعتبرته قيادة الثورة مذنبا واعدمته في الروضة العباسيه . مجموعة اخرى توجهت الى معمل النسيج الاهلي ، توسل حارسه عمران العزاوي للثوار ترك المصنع لانه يعيل الف عامل من سكان المدينة ، تركوه ثم عادوا اليه مرارا واخيرا سرقوا المصنع ثم احرقوه .
ذكرت في الجزء الاول من المقال ان مصنع تعليب فواكه كربلاء اصبح من ممتلكات حسين كامل بعد ان اشتراه من الدوله ، وعقب الثوره تحركت مجموعة من الثوار الى المصنع لنهبه وحرقه ، الا ان احد موظفي دائرة اوقاف كربلاء ويدعى حامد صبري الطائي وقف خطيبا عند بوابته الرئيسيه ليقول للثوار ان المصنع درة تاج الكربلائيين ، وما حسين كامل الا لص استولى عليه بغير وجه حق ،والمصنع اعال كثيرا من العائلات الكربلائية وهو اليوم ملك للثورة وابنائها وكل من يخربه او ينهبه هو خائن للثورة والوطن ، وهكذا حفظ حسين كامل مصنعه من النهب ، واصبح حامد الطائي احد مدراء المصنع وحصل على بيت وسياره في الاسبوع الاول من احتلال الجيش للمدينه .
المستوصفات نهبت ادويتها ، خزن الناس الادوية في البيوت دون ان يعرفوا لماذا يخزنونها ، وحينما اقترب الجيش من المدينة تخلصوا منها برميها في الشارع ، اقتحمت مجموعة دائرة الارصاد الجويه ، حملوا معداتها من دون ان يعرفوا ماذا يفعلون بها .
تصفية حسابات :
قتلى السلطة زادوا ، تولت قيادة الثورة محاكمتهم ورميهم بالرصاص او شنقهم في قاعة كبيرة على الجانب الايسر من باب القبله العباسيه نصبت فيها اربع مشانق ، ومن ينفذ من تقطيع الجماهير تتسلمه المشنقه ، وعندما سقطت الثوره زار صدام هذه القاعه وطلب عدم تنظيف ارضيتها من الدماء وتركيب زجاج فوقها وتحويل القاعه الى متحف .
مع وجود السلاح في ايدي الجميع فان عمليات قتل من نوع آخر انتشرت في المدينة ، هي عمليات تصفية حسابات وعداوات قديمه بين الاسر والاهالي ، احدهم ويدعى عبد الحسن الصفار اقتحم مع ثلاثة اخرين منزل ضابط امن وسرقوا محتوياته واختلفوا على تقسيم المسروقات ، فوجدت جثته لاحقا قرب محول كهرباء ،
امرأة كانت خلافاتها مع زوجها تنظر امام المحاكم ، وجدت جثة الزوج في حي العامل ممزقة بالرصاص واتهمت زوجته بقتله ، من اراد ان يغسل شرفه الملوث من العار ، ومن ارادوا ان يعاقبوا صهرهم لانه احضر لابنتهم ضرة ، الكل اصبح الحكم والجلاد .
يرصد المؤلف بعض مظاهر التحول المهمه بعد ( الثوره) كانخفاض اسعار المواد التموينيه ، والاهم انه ولاول مرة منذ عام 1968 تمت اقامة الشعائر الحسينية في عاشوراء ، وهو امر كان حزب البعث قد منعه . في الحقيقة لم افهم لماذا اقاموا شعائر عاشوراء في شهر شعبان ، ربما كلمات المؤلف بحرفيتها توضح ما صعب علي فهمه ( عرّى الكربلائيون صدورهم المكلومه، لطموها ، وراحوا يبكون على الحسين ، يبكونه لاول مرة منذ عقود، ذلك البكاء الممنوع والحرقة المخنوقة والعبرات المحبوسه) .
يقفز المؤلف من بين السطور فجأة بحكاية جديدة من حكاياته ورؤيته الخاصه فيما يجري فيقول انه كان مفتونا بالثورة مهووسا بالمشاركة في خضم احداثها ، ولكنه كلما اراد الدخول في معمعتها اوقفته واقعة انتظرها ليعيد النظر من جديد ويحاول فك رموز وطلاسم عديده تمر امامه . لم يهتف لم ينهب لم يقتل ، ومع ذلك ناله عقاب اليم من النظام بعد سقوط الثوره.
عباراته هذه كانت مقدمة لتعرية وكشف اهم اخطاء الثورة التي عجلت بسقوطها ويمكن تلخيصها بالآتي :-
- افدح اخطاء الثورة كانت في عدم تحييد الحرس الجمهوري ، فقد خرجت الثورة لتواجهُه مسلحةً بكل انواع الاسلحة تزرع الموت في صفوفه ، لم تعطه زهره ، لم ترش عليه ماء ورد كما فعل المتظاهرون في مانيلا ضد جيش ماركوس على سبيل المثال .
- بعض شعارات الثورة اعطت الفرصة لصدام ان يحاصرها بشعاراتها ويقضي عليها ، وكل شعار غير واقعي اطلقته الثورة كان يوما جديدا في حياة نظام صدام فالتف الحرس الجمهوري حوله .
- سوء التنسيق بين المحافظات الثائره او عدم وجوده اصلا ،كانت كل محافظة محررة تعمل بمفردها ، وتعمل كل منطقة في المحافظة بمفردها ، ويعمل كل ثائر حسب اجتهاده . واخفى الناس الاسلحة التي كانت الثورة بامس الحاجة اليها .
- التصور الساذج لسيناريو اسقاط صدام الذي اطلقه البعض . كان المؤلف جالسا امام منزله في اليوم الثالث للانتفاضة عندما مر من امامه طالب يدعى بشير داخل العلي على دراجته الهوائيه واخبره الآتي ( ذاهبون غدا الى بغداد نقود خمسمئة دراجة هوائيه من كربلاء ومثلها من النجف وبابل ، نقبض على الطاغية ونصحبه معنا الى كربلاء لنحاكمه امام محكمة خاصة للثوار ، ثم نعدمه بين الحرمين) .
- مساهمة الاذاعات الاجنبية مساهمة فعالة في عمليات الخداع ، اذ نشطت اذاعة لندن بالعربيه لاذاعة الاخبار الملفقة حول هذا الموضوع ، وتؤكد خلال نشراتها ان صدام بات يبحث عن ملجأ .
لكن الحقيقة ان صدام كان يشرف على معاركه في المحافظات من بغداد بكل اتزان وروية ، ارسل اقرب المقربين اليه على رأس اخلص الجيوش وحاصر المدن ودكها بلا رحمة او شفقه.
بداية النهايه :-
شاهد الاهالي طائرة هليكوبتر تحلق فوق الروضة العباسية ثم اختفت بين البساتين ، زفوا البشرى لبعضهم بان هذه هي طائرة الامام ابو القاسم الخوئي ، لكن الطائرة عادت للتحليق مرة ثانية فوق منزل المؤلف فتصدى لها الثوار بالهاونات والمدافع ، اصبح الموقف غريبا وارتبك الجميع ، حلقت الطائرة على ارتفاع شاهق والقت حمولتها من المناشير التي تهدد السكان بان الحرس الجمهوري سيلقي على المدينة اسلحة كيماويه .
وبدء التحضير للمعركة ، قطعت المياه عن المدينة ، سيطروا على مجرى نهر الحسينيه الذي يمر بشمالها ، وعانى السكان من ازمة مياه خانقه للايام التاليه .
في تلك الاثناء كانت المعارك على اطراف المدينة طاحنة ضاريه ، لم يكن القتال سهلا على آليات الحرس الجمهوري ، فبساتين كربلاء عميقة وكثيفة تتصل ببعضها حتى الروضتين ، لذلك كانت الغلبة في البداية للثوار ، كان لكربلاء اهمية خاصة عند صدام لاعتقاده ان القيادة العليا للثورة في العراق مقرها الروضة العباسية ، لذلك انتقى من اقرب المقربين اليه حسين كامل وانتقى معه اقوى القوات واخلصها واحسن الآليات والمعدات فكانت معركة كربلاء اهم معارك الحرس الجمهوري والمحافظات .
كان اليوم الخامس من الثورة حدا فاصلا بين كربلاء والموت ، قرر حسين كامل ان ينقض على المدينة وهي بلا ماء ولا كهرباء ولا ادوية ،وفي قلة من السلاح والذخائر .
استيقظ الكربلائيون على صوت طائرة هليكوبتر تحلق على علو منخفض ، لان مدافع وهاونات الثوار نفذت ذخائرها ، وانطلق صوت ستيريو من الطائرة يحذر السكان :
- يا أهالي كوربولاء ،
امر يدعو الى الاستغراب ، اليس الجيش الذي يقصفهم عراقيا ، فكيف ينطق عراقي اسم مدينة مقدسه بهذا الشكل ،ومن اين جاء صدام بهؤلاء ؟
عاد الصوت من سماعة الطائره يردد :
يا اهالي كوربولاء
القوا بأسلحتكم
اخرجوا من المدينة
ومن لم يلق سـ .....
ومن لا يخرج سـ ......
نيسان ـ نشر في 2017/04/19 الساعة 00:00