الرصاص المصبوب في شوارعنا!!

د. زيد النوايسة
نيسان ـ نشر في 2017/05/09 الساعة 00:00
يذهب الجندي للمعركة ويضع في حسبانه أنه قد يعود شهيدا دفاعاً عن وطنه، ويدخل المريض للعملية ويضع في حسبانه أنها قد تفشل ويخسر حياته، لكن أن يكون الأحساس لدى الأنسان وهو يخرج بحثاً عن الحياة أو الفرح أو وهو في طريقه للعمل أنه قد لا يعود وأن رصاصة طائشة من عديم ضمير ومروءة وأخلاق قد تودي بحياته أو أن سائقا متهوراً لا يأبه لشيء قرر أن ينهي حياة الأخرين؛ فذلك ما لا يقبله العقل والمنطق والخلق والمروءة والشهامة التي نفاخر الناس وبطريقة استعلائية أنها ولدت ونمت وترعرعت هنا في بلادنا عن سائر خلق الله!! ما لا يقبله العقل والمنطق ويستدعي طرح العديد من الأسئلة المهمة والجوهرية وأولها الي أين نحن سائرون؟!! ولماذا هذا العبث والتحدي المجتمعي والإصرار على استخدام العيارات النارية بسبب وبدون سبب؟!! ولماذا توجد هذه الكميات من الأسلحة والذخائر غير المرخصة وكيف وصلت لبلادنا وكيف دخلت ولماذا لا يتم معرفة مصدرها في الأصل بعد أرتكاب الجرائم المباشرة أو تلك التي تندرج تحت بند الخطأ؛ ليس من باب الوفاء للضحايا الأبرياء فقط بل من أجل الذين ما زالوا أحياء ومن أجل مستقبل الناس وحتى لا تكون سلطة السلاح غير الشرعي بديلاً لهيبة الدولة وصرامة القانون!! لست متأكد أذا كان المسؤولون الأردنيون ما زالوا يتذكرون حديث جلالة الملك عبد الله الثاني لوجهاء محافظة العاصمة عمان بتاريخ 30/8/2015 عن الظواهر الاجتماعية المقلقة بعد متابعته لشريط فيديو يظهر وفاة طفل نتيجة إطلاق العيارات النارية ويومها أعلن الملك أن هذا الأمر خطر أحمر ولا تهاون فيه حتى ولو صدر من أحد أصحاب السمو الأمراء. سأتحدث بصراحة وأقول أن المعنيين وعلى مختلف مستويات المسؤولية لم يلتزموا بتوجيهات الملك للأسف، كل يوم نسمع عن ضحية وكل يوم نسمع عن أعتداء على هيبة القانون وهيبة مؤسسات الدولة وبقوة السلاح في صورة لم تعهد عن الأردنيين فالمواطن هو من 'يحمر' عينه على الدولة ومؤسساته وهيبته التي نخشى أن تسفح أكثر وأكثر بفعل التهاون ومنطق الرضوخ البائس لبعض النواب من بعض المسؤولين المرعوبين!! الحديث هنا ضروري عن خطورة الأمر من الناحية الاجتماعية ومفاعيله على الناس وحياتهم وكيف يستوي تذمر الأردنيين وشكواهم من صعوبة الحياة وضنك العيش وهم يبذلون المبالغ الهائلة في معاركهم الاستعراضية في تلك المناسبات، وللمناسبة اقل طلقه رصاص ثمنها ما يقارب الدينار الأردني؟!! وهنا أسوق حادثة شاهدتها شخصياً عندما دعيت لمناسبة اجتماعية في أحد الأحياء التي تصنف ضمن المناطق الأكثر فقراً في العاصمة الأردنية قبل أسابيع؛ أصابني الخوف قبل الذهول من حجم أستخدام العيارات النارية في منطقة سكنية مكتظة ولعل الملفت أن عملية اطلاق الرصاص لا تقتصر على اهل المناسبة والفرح بل كان أغلب القادمين للحفل وقبل دخولهم السرادق المقام للمناسبة ومعظمهم في سن المراهقة يبدؤون بأطلاق العيارات النارية من أسلحة اتوماتيكية بطريقة أشبه بالجنون وفقدان التوازن وحمدت الله أني خرجت سالماً فالأجواء هي أجواء معركة حقيقية وكان هذا طبعا بعد التحذير الملكي الذي يبدو أن المسؤولين الاشاوس نسوه أو تناسوه مجاملة لنائب هو في الأصل عبئاً على الشعب قبل الدولة أو لباحث عن دور وزعامة ووجاهة لا مكان ولا قيمة لها امام حياة الناس. هناك استقواء وتحدي للدولة ولحياة الناس ولعل مقاطع الفيديو المنتشرة على موقع يوتيوب والتي تحمل عنوان حفل زفاف العشيرة الفلانية أو كبار البلد وكراسيها أو العائلة الفلانية وبطريقة فيها من الاستعلائية والتحدي بأسلوب العرض وبمقاطع غنائية ما يشعرك بأنك تعيش في دائرة النار والحرب وأن هذا الأمر يتعدى في آثاره الضرر المادي والبشري الى الأضرار الاجتماعية التي تعزز لدى الأجيال الشابة في بلد تعتبر نسبة الشباب فيه من الأعلى في المنطقة أن القوة ليست في العلم والالتزام بالقانون والسلوك الحضاري بل في اقتناء وسائل القوة غير الشرعية واتخاذها بديلا عن القانون وسلطة الدولة. لا نملك ترف الوقت وسيادة منطق التساهل وتبويس اللحى الذي أوصلنا الى ما أوصلنا، ولا يستوي أن يقدم رأس الدولة وعنوانها الكبير جلالة الملك أوراقا نقاشية ليعبر ببلادنا نحو معارج المستقبل الرحب وفضاءاته الحضارية وهناك من يريد أن يعيدنا لزمن الجاهلية الأولى؛ وعلى الدولة أن 'تحمر' عينها و'تشهر' سيف القانون وعلى الجميع ودون أستثناء وحتى لا نصل لمرحلة لا ينفع الندم فيها وينطبق علينا ما قاله ابن مالك في آلفتيه؛ ندم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيم من اجل الأطفال الذين قضوا ضحايا دون ذنب أرتكبوه... من اجل الإباء والامهات من أجل العوائل التي دفعت ثمن تهور هؤلاء ولغياب أدوات الردع وتقاعس من يملكها؛ نحتاج موقف مجتمعي موحد يفرض على الدولة وأجهزتها ألا تتساهل مع هؤلاء القتله !!

    نيسان ـ نشر في 2017/05/09 الساعة 00:00