الكويت إذ تودع علي البريكي بإحدى وعشرين دمعة

نيسان ـ نشر في 2017/05/24 الساعة 00:00
بقلم سعد الفاعور بإحدى وعشرين دمعة، ممزوجة بإحدى وعشرين قبلة مع إحدى وعشرين شهقة، ودعت الكويت عميد حركتها الفنية والمسرحية، عن عمر ناهز 79 عاما. ومع ضمة من قرنفل وزعفران وقهوة وقرفة وبهارات خليجية، نثر مسرحيو الكويت شهقاتهم وآهاتهم حزناً وهم يوارون جثمان علي البريكي.
البريكي، الذي سجي الثرى الأربعاء 24 أيار 2017، لم يكن فقط 'واسط' بيت المسرح الكويتي، وأهم أعمدته، بل ينسب له الفضل أيضاً في تعبيد هذا الطريق المحفوف بالصعاب، جاعلاً السير فيه ممكناً، بعدما مهد جنباته بآلاف قطرات 'عرق الجبين'، وآلاف زفرات الوجع المكتومة بين حنايا القلب، وآلاف الدمعات الساخنة المنهمرة في ثنايا الليل الشاق الطويل.
في عام 1938، والكويت لم تنل استقلالها بعد، أبصرت عيني البريكي النور، وما أن شبَّ واشتد ساعده، حتى تفتحت عيناه على حب المسرح والفن والتصوير، وهو يرى العدسات والكاميرات في أيدي البعثات الأجنبية التي كانت تزور الكويت آنذاك، لتصور الأفلام الوثائقية الخاصة بحقبة استكشاف آبار النفط، فتسلل إلى كواليس السينما، مصوراً، لينتقل بعدها إلى العمل في مطبعة وزارة الثقافة والإعلام، ليعاوده الحنين إلى المسرح والفن سريعاً.
متسلح بشغفه الكبير للأداء الاستعراضي، أمسك بدفة مسرح المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، ليتولى لاحقاً الإشراف على مسرح 'الدسمة' ومن بعدها أشرف على مسرح 'كيفان'، وفي عام 1961، أصبح عضواً في فرقة 'المسرح العربي' التي تم تأسيسها بمبادرة حكومية كويتية، وفي تشرين أول 1964، خرجت الفرقة من عباءة الحكومة، ليساهم في عضويتها مجدداً، ولكن هذه المرة تحت مظلة القطاع الأهلي، متمكنا مع رفاقه من جمع النفقات وكلف التشغيل من تبرعات جمعيات النفع العام، واستمر فيها 12 عاماً، ليستقيل في 18 تشرين أول 1976.
بعد استقالته، عمل في القطاع الخاص، وأسس فرقة 'المسرح الجديد' مع خالد النفيسي وغانم الصالح وأسد محمود. وكانت باكورة إنتاجه مسرحية 'بيت بوصالح'، من تأليف غانم الصالح، وإخراج حسين الصالح الدوسري، وقد لعب فيها دور البطولة مع غانم الصالح وخالد النفيسي وعبد العزيز النمش.
المسرحية عالجت ظواهر اجتماعية في إطار كوميدي غير مسبوق، وحظيت بشهرة كبيرة، وباهتمام النقاد. وسرعان ما اختاره النجم الراحل زكي طليمات ليشارك في مسرحية 'صقر قريش' مع نخبة من الفنانين الكويتيين والخليجيين. وكانت آخر مسرحية له 'صوت الزمن' في 28 شباط 1994 مع فرقة 'مسرح الخليج العربي'، من تأليف فاتن عبد العزيز المهيني وإخراج منصور المنصور.
البريكي الذي لم يشغله شغفه بالمسرح عن الزواج وإنجاب خمسة من الأبناء، استطاع أن يجد الوقت الكافي ليترك بصمة مهمة أيضاً في الأعمال الإذاعية، فتعاون في الستينيات مع لطفي عبدالحميد وإسلام فارس وأحمد سالم ومهند الأنصاري وخالد الرندي وغيرهم من مخرجي الإذاعة في أعمال درامية تاريخية باللغة الفصحى من أبرزها 'كواكب حول الرسول'، من إخراج خالد الرندي و'نجوم القمة-الـكـويت كلمة السلام' و'نافذة على التاريخ'.
وعلى صعيد الدراما التلفزيونية، تمكن من حجز مقعد في الصف الأول، إلى جانب نخبة من أهم نجوم الكويت والخليج، ولعب أدواراً مهمة في مسلسل 'شمس ونهار' عام 2007، وفي مسلسل 'التنديل' عام 2008، ومسلسل 'عواطف' عام 2010، وفي عام 2011 وقف إلى جانب النجمة الكبيرة حياة الفهد في مسلسل 'الجليب' فلاقى إعجابا وصدى كبيرين، وفي عام 2012 تم تكريمه من قبل مهرجان المسرح للشباب.
وفي كلمة معبرة، بثتها وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأربعاء 24 أيار 2017، نعى الشيخ محمد عبدالله المبارك الصباح، وزير الإعلام الكويتي بالوكالة، رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الفقيد، ووصفه بأنه 'أحد رواد فن المسرح والدراما التلفزيونية والإذاعية الكويتية'.
وقال الصباح: 'إن الساحة الفنية الكويتية والخليجية خسرت برحيله فناناً موهوباً ومبدعاً'. مضيفاً 'الفقيد رحمه الله، استطاع أن يشق طريقاً له في قلوب مشاهديه مسرحياً وتلفزيونياً ومستمعيه إذاعياً، مستعينا بموهبته وإخلاصه لفنه، وإيمانه برسالة الفن التنويرية والإبداعية'.
    نيسان ـ نشر في 2017/05/24 الساعة 00:00