فقهاء السلطويات العربية
نيسان ـ نشر في 2017/07/03 الساعة 00:00
لم يكن دعم شيوخ ودعاة سعوديين بارزين حملة مقاطعة قطر وحصارها سوى استمرار للعلاقة الإشكالية بين الفقيه (مجازاً!) والسلطان، خصوصا في السلطويات العربية. وسواء كان هذا الدعم نابعا من قناعةٍ لدى هؤلاء (بافتراض أن هناك سبباً وجيهاً للأزمة الراهنة)، أو من ممالأة ومسايرة للقادة السياسيين، فإنه يكشف عن حجم التوظيف الديني لهؤلاء الشيوخ والدعاة في معركةٍ سياسيةٍ محضةٍ، لا ينقصها فتوى أو رأي أو تصريح من داعية دين، كي تزداد توتراً واشتعالاً.
ليست المشكلة في الممالأة والمسايرة، وأحيانا التملق الذي وقع فيه هؤلاء، فالتاريخ الإسلامي مليء بأمثالهم من فقهاء السلطان وسدنته، الذين كانوا دوما مطيّة السلطة في إخضاع العامة لبطش الحكام ونزقهم، وذلك منذ أن حكم الأمويون في القرن الأول الهجري، لكن المفارقة في أن هؤلاء يفعلون ما يجرّمونه ويحرّمونه على غيرهم من أنصار الحركات الإسلامية وشيوخها الذين لا يقلّ استخدامهم الدين في الشأن السياسي عن استخدام هؤلاء الدعاة والمشايخ له، ولكن لصالح الأنظمة السلطوية. وبينما انصرف بعض هؤلاء إلى التركيز على 'الرقائق' (كالصوم والزكاة...إلخ)، بعيداً عن غبار الأزمة، فإن كثيرين منهم سقطوا في فخ 'الحرام' السياسي، من خلال إطلاق تصريحات وفتاوى تبرّر حصار دولة جارة وشقيقة ومقاطعتها، فيما تربطهم بهذه الدولة أواصر القرابة والنسب والتاريخ والدم والجوار.
وإذا كان الأمر متوقعاً من علماء وفقهاء ودعاة، صنعتهم الإمارات على أيديها طوال السنوات الماضية، ووظفتهم، وأغدقت عليهم العطايا والهبات، وأنشأت لهم المؤسسات الدينية شرقاً وغرباً، وفتحت لهم منصّاتها الإعلامية، فإن المشكلة تبدو أكثر إرباكاً مع ثلة دعاةٍ ومشايخ، كان بعضهم يحظى بمكانةٍ واحترامٍ تتجاوز حدود بلدانهم، انطلقوا في تأييد مواقف بلدانهم، من دون تريث أو تفكير. بل استغل بعضهم منصبه في 'بلاد الحرمين' لكي يؤثر على الرأي العام الخليجي والعربي تجاه الأزمة الراهنة. وذلك كأن يرى مفتي السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، 'مصلحةً للمسلمين' في مقاطعة قطر، وكأن يخرج أحد أئمة الحرم المكي وخطبائه (الشيخ عبد الرحمن السديس) بتصريحٍ، حسبما نقلت وسائل الإعلام، يدعم فيه حصار قطر ومقاطعتها، بل ويدعو عليها في صلاة التراويح كما يفسّر بعضهم. أو أن يثني أحد الدعاة الجدد المتزلفين على ما يحدث ضد قطر، وهو الذي كان يجري استقباله في الدوحة، وتُعقد له الندوات والمحاضرات بشكل منتظم، في موقفٍ أقلّ ما يوصف به هو النذالة والخسّة.
ما يفعله هؤلاء سبقه إليهم أقرانهم من شيوخ السلطة في مصر، الذين انخرطوا بشكل كامل في الصراع السياسي منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، وأصبحوا إحدى الأذرع الرئيسية للسلطة في بطشها وقمعها. فتصريحات (وفتاوى) علي جمعة وشوقي علام ومحمد مختار جمعة وعمرو خالد وغيرهم، كانت ولا تزال تُستخدم غطاءً لإطلاق يد النظام في القمع والقتل واستباحة الخصوم، خصوصا من جماعة الإخوان المسلمين. يفعل ذلك بعضهم كراهيةً في الإسلاميين، ويفعله آخرون تقرباً وتزلفاً من السلطة، وطمعا في ذهب المعز. أو كأستاذ الفقه المقارن، سعد الدين الهلالي، الذي اعتبر، في واحدةٍ من السقطات التي لا تُنسى، أن عبد الفتاح السيسي ووزير داخليته، محمد إبراهيم، المسؤول عن المذبحة في ميدان رابعة العدوية، من الأنبياء والرسل الذين قيّضهم الله لمواجهة 'الإخوان' وإنقاذ البلاد منهم.
يستحضر هؤلاء جميعاً النص الديني في صراع سياسي لا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد. وهم، بفعلهم هذا، إنما يزيدون الطين بلة، ويؤجّجون النزاع والخلاف، عمداً أو جهلاً، ويذكّرنا حالهم بما قاله الشهرستاني في كتابه 'الملل والنحل' 'ما استلّ سيفٌ في الإسلام مثل ما استلّ على الإمامة'.
ليست المشكلة في الممالأة والمسايرة، وأحيانا التملق الذي وقع فيه هؤلاء، فالتاريخ الإسلامي مليء بأمثالهم من فقهاء السلطان وسدنته، الذين كانوا دوما مطيّة السلطة في إخضاع العامة لبطش الحكام ونزقهم، وذلك منذ أن حكم الأمويون في القرن الأول الهجري، لكن المفارقة في أن هؤلاء يفعلون ما يجرّمونه ويحرّمونه على غيرهم من أنصار الحركات الإسلامية وشيوخها الذين لا يقلّ استخدامهم الدين في الشأن السياسي عن استخدام هؤلاء الدعاة والمشايخ له، ولكن لصالح الأنظمة السلطوية. وبينما انصرف بعض هؤلاء إلى التركيز على 'الرقائق' (كالصوم والزكاة...إلخ)، بعيداً عن غبار الأزمة، فإن كثيرين منهم سقطوا في فخ 'الحرام' السياسي، من خلال إطلاق تصريحات وفتاوى تبرّر حصار دولة جارة وشقيقة ومقاطعتها، فيما تربطهم بهذه الدولة أواصر القرابة والنسب والتاريخ والدم والجوار.
وإذا كان الأمر متوقعاً من علماء وفقهاء ودعاة، صنعتهم الإمارات على أيديها طوال السنوات الماضية، ووظفتهم، وأغدقت عليهم العطايا والهبات، وأنشأت لهم المؤسسات الدينية شرقاً وغرباً، وفتحت لهم منصّاتها الإعلامية، فإن المشكلة تبدو أكثر إرباكاً مع ثلة دعاةٍ ومشايخ، كان بعضهم يحظى بمكانةٍ واحترامٍ تتجاوز حدود بلدانهم، انطلقوا في تأييد مواقف بلدانهم، من دون تريث أو تفكير. بل استغل بعضهم منصبه في 'بلاد الحرمين' لكي يؤثر على الرأي العام الخليجي والعربي تجاه الأزمة الراهنة. وذلك كأن يرى مفتي السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، 'مصلحةً للمسلمين' في مقاطعة قطر، وكأن يخرج أحد أئمة الحرم المكي وخطبائه (الشيخ عبد الرحمن السديس) بتصريحٍ، حسبما نقلت وسائل الإعلام، يدعم فيه حصار قطر ومقاطعتها، بل ويدعو عليها في صلاة التراويح كما يفسّر بعضهم. أو أن يثني أحد الدعاة الجدد المتزلفين على ما يحدث ضد قطر، وهو الذي كان يجري استقباله في الدوحة، وتُعقد له الندوات والمحاضرات بشكل منتظم، في موقفٍ أقلّ ما يوصف به هو النذالة والخسّة.
ما يفعله هؤلاء سبقه إليهم أقرانهم من شيوخ السلطة في مصر، الذين انخرطوا بشكل كامل في الصراع السياسي منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، وأصبحوا إحدى الأذرع الرئيسية للسلطة في بطشها وقمعها. فتصريحات (وفتاوى) علي جمعة وشوقي علام ومحمد مختار جمعة وعمرو خالد وغيرهم، كانت ولا تزال تُستخدم غطاءً لإطلاق يد النظام في القمع والقتل واستباحة الخصوم، خصوصا من جماعة الإخوان المسلمين. يفعل ذلك بعضهم كراهيةً في الإسلاميين، ويفعله آخرون تقرباً وتزلفاً من السلطة، وطمعا في ذهب المعز. أو كأستاذ الفقه المقارن، سعد الدين الهلالي، الذي اعتبر، في واحدةٍ من السقطات التي لا تُنسى، أن عبد الفتاح السيسي ووزير داخليته، محمد إبراهيم، المسؤول عن المذبحة في ميدان رابعة العدوية، من الأنبياء والرسل الذين قيّضهم الله لمواجهة 'الإخوان' وإنقاذ البلاد منهم.
يستحضر هؤلاء جميعاً النص الديني في صراع سياسي لا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد. وهم، بفعلهم هذا، إنما يزيدون الطين بلة، ويؤجّجون النزاع والخلاف، عمداً أو جهلاً، ويذكّرنا حالهم بما قاله الشهرستاني في كتابه 'الملل والنحل' 'ما استلّ سيفٌ في الإسلام مثل ما استلّ على الإمامة'.
نيسان ـ نشر في 2017/07/03 الساعة 00:00